يبدو لى دائما أن الحكمة مطلب عسير، صعب تحقيقه ، بل من الأصعب ،الحصول عليها ، ولذا كانت عزيزة الوجود ، نادرة التحقيق ، يتيمة الرواد ، قليلة الإنتشار 0
ويحضرنى قو ل أستاذ فرنسى كان يدرس لنا فى أواخر السبعنيات من القرن الماضى (دبلوم الدراسات العليا فى القانون الخاص )بكلية الحقوق جامعة القاهرة " اتفق العرب على ألا يتفقوا " وكان تعليقا منه على جبهة الصمود والتصدى المنبثقة من الدول العربية ردا على زيارة السادات(19نوفمبر 1977م) للعدو الصهيونى ، ومن ضمن ما يدور بالذاكرة ، أننا كنا مجموعة لاتزيد عن عشرة طلاب ومن بلدان عربية ،وحمى وطيس المناقشة ، ورفع كل منا لواء الحقيقة والحكمة عاليا مرفرفا خفاقا ، متمسكا بصواب رأيه ، وصحة بيانه ، وعدالة موقفه ،والسخرية والإستهزاء والنيل من الطرف الآخر والتعجب والإستفهام والإستنكار ،وضحالة فكره وتخلفه وجهله .... وأن المؤيد للسادات خائن خيانة عظمى مهدور الدم والعرض، والنفس ، والرافض لها وطنى قح ، مرفوع الرأس ،مرهوب الجانب ،عزيز النفس ؛ وعلت الإبتسامة وجهه ،وهو يدقق النظر فينا ، وقال قولته وكأنه أراد بها فض الإشتباك الشرس،والحوار العنيف ،والكلمات الضخمة ، والألفاظ الحادة المدببة ،والإتهامات بالعمالة، وطلب منا الهدؤ والإلتزام بمادة البحث0
وأحسبه وبعد مرور ثلاثة عقود ، قد أكد حقيقة، وقرر حكمة ،تتناقلها الأجيال ، لايعتريها التغيير، ولايستبد بها النسيان0
ومن خلال البحث فى كراساتى التى أدون بها بعض ملاحظاتى ، وجدت هذه السطور بين قوسين (ما بالنا نحن العرب _ومن دون البشرية _ نحسن الحديث فرادى عن مشاكلنا ونلهو بها سمرا فى مجالسنا ، أما حين نجتمع لنتفق على وجهة نظر تجمعنا ، أو بين آرائنا ، ترانا نختلف إلى حد الصراع ، فلا نحسن تفاهما ولا حوارا ،وينغلق كل واحد على نفسه يناجى ذاته ، وينعى نفسه ، متحسرا على ما تنطوى عليه دخائل نفسه من نفائس الحكمة ، ثم يقول متحسرا مع تصاعد آهات قلبية : ياليت قومى يفقهون ) وربما تكون هذه السطور لأحد الأساتذة،أو فى كتاب أطالعه ، نقلتها إعجابا بها وتقديرا لها ،ولوصفها الناجع لما ألَم بنا من تشوهات فكرية ونفسية مزمنة، والتطاول على بعضنا البعض ، والأمر بما يجب وما لايجب ، والرد العنيف المنتظر ، ويا حبذا لو أحسنا القراءة و الإطلاع ، واقتنعنا بما يقوله سادتناالعلماء الأفاضل ، دون مناقشة أ و ململة أو مجادلة أو محاورة ، فهم يحملون بين أكتافهم رؤوسا مفكرة، عالمة ،متوقدة ،مثقفة ،واعية ، مدركة ،وأما نحن_ البشر الفانون_ نحمل بين أكتافنا قطعا من حجارة 0
_________________
عبدالرؤوف النويهى
المحامى بالنقض