يعجزك الردّ، لا لعجمة ولا لعيّ، لكنك تستحضر هذا الانفصال الشعوري، والتفاوت في تقدير الموقف، تردّ بـ"الله المستعان" "يعين الله" من باب التسكيت اللطيف لمن أمامك، ووضعًا لنقطة آخر سطره.
هذا التسكيت اللطيف تجده في سير الكبار ممن يشعرون بغربة في فهم دوافعهم، لا وقت ولا صحة ولا أعصاب تسمح بشرح كواليس نفسك.
قال أحمد بن داود: دخلت على أحمد بن حنبل الحبس قبل الضرب فقلت له في بعض كلامي يا أبا عبد اللَّه عليك عيال ولك صبيان وأنت معذور كأني أسهل عليه الإجابة فقال لي أحمد بن حنبل:
"إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت" [1]
ونحو ما رويَ عن العز بن عبدالسلام، حين خرج من الشام فقيل له: "ما نريد منك شيئًا إلا أن تنكسر للسلطان، وتقبل يده لا غير.
فقال الشيخ له: يا مسكين، ما أرضاه يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده! يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد! والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم" [2]
إي والله؛ أحيانًا لا تملك طاقة لتجادل وتقنع، تقول: إن كان هذا عقلك فقد استرحت، أنت في واد وأنا في واد، هنيئًا لك بعقلك الذي يرى الأمور بهذه البساطة، تسكيتة لطيفة تحفظ الود، تعقبها زفرة اغتراب شعوري تهدّ الجبال.
———
[1] طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/43)
[2] حسن المحاضرة (2/162)
أ.بدر الثوعي