الذكريات المريرة عام 1956 لا تزال عالقة في الأذهان الدماء , وتدمير المنازل وإحراق العمارات زال مرتسما في العقول . والمحتلون قادمون . وزادت القلوب في سرعتها .. والدة سامر تصرخ في وجهه مطالبة إياه بإحراق كل ما في مكتبته الصغيرة من صور ودفاتر لها صلة بالقومية العربية , حتى لا يهجم اليهود علي المنزل فيجدون تلك الأشياء ويعتدون عليه بسببها .. وسامر يجمع الصور ويحاول تخبئتها تخت فراشه , فتراه والدته فتصرخ بصوت عال . حرق كل هذا يا إبن ..الاحتلال والقنبلة ..!!
فيرد عليها : لا لن أحرقها .. لقد تعبت في تجميعها عامين متتالين والآن تريدين مني إحراقها في ثانية .. لا لن أحرقها ..!! فتتوسل إلية والدته .. أحرقها.. أحرقها .. سوف يأتي اليهود , وإذا وجدوها لن يرحموك أبدآ .. وقال لوالدته .. ما رأيك لو وضعتها في كيس من النايلون تحت الأرض ولن يحفروا في الأرض فهزت رأسها وهي تقول :
بسرعة لندفنها مع بندقية والدك .. أسرع قبل أن يدفن والدك البندقية .. ووسط الظلام كان شقيقه الأكبر يقوم بدفن البندقية في الجدار فصرخ فيه إياك أن أراك ثانية .. وهرول سامر إلي الداخل كسير القلب .. ولم يستفق إلا في الصباح ووالدته تهزه برفق لتوقظه من نومه فسألها : ماذا حدث .. نحن في إجازة بسبب الحرب .. هل انتصرنا .. هل سيعيدون لجنة الامتحانات .. لم كل هذه العجلة ..!! وردت أمه بأسى:
لا ولكن اليهود في الشوارع بمدرعتهم .. ويطالبون بالاستسلام .. وعيون الأهالي من وراء النوافذ تراقب مشيتهم تراقب تحركهم ..
وفجأة تسمع طلقات نارية سريعة .
لم تمر دقيقة علي الطلقات حتي ارتفع صراخ النسوة .
إنه صوت أم ثائر .. جدة " سامر " .
ماذا حدث ...؟ صرخت أم سامر ..
يا خراب ديارنا .. أمي بتصرخ .. وصرخت : أبويا .. أخويا..
وتبع الصرخة صوت قنبلة , ثم صوت طلقات نارية لم تنقطع والكل يسأل ماذا حدث .. حتى زادت حدة الاشتباكات ..
ولم يصبر سامر وصعد إلي سطح المنزل , وأخذ يحفر في جدار المنزل الخارجي ليسحب البندقية التي رأي والده يخفيها ليلة أمس ..
فانطلقت عدة رصاصات في اتجاهه , وسقط إلي أسفل , وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فتح عينه وهو فوق السطح ورأي خاله " ثائر " صارخا وفي يده قنبلة خرج بها إلي الشارع وقذفها وهو يقول أيها المحتلون .. أيها السفاحون .. اخرجوا من أرضنا .. ورمى القنبلة ..!!