مخاطر نظام الشرق الأوسط الجديد
د.غازي حسين
عملت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني على تسخير مؤتمر مدريد الذي عقد في 30 تشرين الأول 1991 لصياغة وبلورة النظام الأقليمي الجديد في الشرق الأوسط. وحاولت إضعاف الموقف التفاوضي لسورية ولبنان بالبدء في المفاوضات المتعددة الأطراف التي عقدت في موسكو في 28 كانون الثاني 1992 للتوصل إلى تطبيع العلاقات قبل التوصل إلى السلام الشامل على جميع المسارات.
واستجاب الطرف الفلسطيني وانفرد بتوقيع اتفاق أوسلو، اتفاق غزة - أريحا في 13 أيلول 1993، وانفرد الأردن أيضاً بتوقيع إعلان المبادئ في 25 تموز 1994 ومعاهدة وادي عربة في 26 تشرين أول 1994.
واتفق المغرب وتونس على إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني وفتح مكاتب الاتصال في شهري أيلول وتشرين الأول 1994.
وألغى مجلس التعاون الخليجي في 30 أيلول 1994 المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة مع العدو الصهيوني. وساعدت هذه الخطوات التي اتخذتها الأطراف العربية على فتح الآفاق لإقامة النظام الإقليمي الجديد. وصاحب هذه الخطوات الرسمية بروز تيار سياسي يعمل على تسويق فكرة الشرق أوسطية، لإيجاد المناخ الملائم كي تتقبله الأوساط الشعبية العربية ومن أبرز أقطابه المفكر اليساري لطفي الخولي.
وقامت مراكز البحث ودوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بوضع المخططات لإخراج النظام الإقليمي الجديد إلى حيز الواقع، انطلاقاً من أن تنامي المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية بين الأطراف المتنازعة يبعد أسباب النزاع والحروب، ويقود إلى اللجوء إلى الوسائل السياسية لحل الخلافات.
وتهدف جميع المخططات إلى تأمين هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النفط العربي وفرص الهيمنة الصهيونية على البلدان العربية.
حدد الرئيس الأمريكي جورج بوش في كلمته الافتتاحية في مؤتمر مدريد أن جوهر السياسة الأمريكية لا تقتصر على حل النزاع العربي – (الإسرائيلي) بل تهيئة الأجواء أيضاً لإقامة النظام الإقليمي الشرق أوسطي.
وتتطابق التصورات والمواقف الأمريكية والأوروبية مع (الإسرائيلية) في استغلال الثروات العربية والهيمنة على الوطن العربي وتصفية قضية فلسطين ومحاربة العروبة والإسلام.
وتطابقت المخططات الأمريكية والبريطانية والصهيونية في العمل المشترك لتفتيت الوطن العربي واحتلاله واستغلال ثرواته والقضاء على الحكومات والأحزاب القومية والمشروع القومي والنظام العربي واحتلال العراق وتدمير جيشه ومنجزاته ونهب نفطه وثرواته.
ويؤمن الكتاب (الإسرائيليون) "أن ملاءمة الإيديولوجيات القومية سيتم بواسطة الاندماج في نظم فوق قومية، وأن النظم فوق القومية ستلغي الوزن الخاص لعناصر تاريخية في النزاعات بين الشعوب، حتى النزاع العربي - الإسرائيلي سيجد حله في إطار مجموعة الشرق الأوسط".
وبالتالي التوصل إلى حل لقضية فلسطين ينسجم مع المصالح والأهداف والمخططات (الإسرائيلية).
وتعتبر (إسرائيل) نفسها جسراً للحضارة الغربية والنفوذ الغربي في مواجهة "البربرية الآسيوية" التي تحدث عنها تيودور هرتسل في كتابه "دولة اليهود" في التصادم مع العروبة والإسلام، مما يظهر أن الكيان الصهيوني لا يريد الاندماج في المنطقة بل يعمل على التوسع والاستيطان والهيمنة.
وما التعاون الاقتصادي الإقليمي إلا واجهة لتحقيق هذه الهيمنة، والشرق أوسطية ليست تكتلاً اقتصادياً يقوم على المنافع المتبادلة لبلدان المنطقة، وإنما هي نتائج اتفاقات الإذعان واستغلال الاحتلال غير الشرعي للأراضي العربية المحتلة واستبدال (إسرائيل) الكبرى والتوارتية بـ (إسرائيل) العظمى الاقتصادية وكسر الإرادات العربية.
ويتطلب تحقيق الشرق أوسطية تخلي الشعب العربي عن أرضه وثرواته وحقوقه ونسيان اغتصاب اليهود للأرض والثروات العربية ونسيان الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وتدمير المنجزات الاقتصادية. وتخدم الشرق أوسطية تغطية أهداف العدو (الإسرائيلي) الاستعمارية والاستيطانية بشعارات "السلام والتعاون"، التي تعريها وتفضحها الممارسات والوقائع اليومية للعدو الصهيوني.
ويرمي الصهاينة من جراء الشرق أوسطية الهيمنة على الاقتصادات العربية، وحل أزمات (إسرائيل) الاقتصادية وتهميش دور العرب ودور مصر في التاريخ المعاصر وتولي قيادة المنطقة والمساومة عليها مع التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم. فالشرق أوسطية هي المشروع الصهيوني للهيمنة الإقليمية على الوطن العربي وهيمنة اليهودية العالمية على العالم، وجزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الكونية الشاملة للولايات المتحدة، وبالتالي يصعد دور (إسرائيل) من القاعدة الإمبريالية والوكيل الإمبريالي إلى دور الشريك للمحافظة على المصالح الاقتصادية والأمنية للطرفين, وتكليف (إسرائيل) بمهمة عسكرية واقتصادية لاستغلال ثروات المنطقة والمحافظة على تبعية العرب لها وللولايات المتحدة الأمريكية.
إن الشرق أوسطية تجسيد للمخططات الصهيونية لمستقبل المنطقة العربية في مرحلة السلم (الإسرائيلي)، وهي مشروع صهيوني ساهمت في التخطيط له وإرساء دعائمه جميع الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة، العمالية منها والليكودية، ويحول (إسرائيل) إلى دولة عظمى.
وترمي (إسرائيل) من خلاله إلى النجاح في تسويق النفط والغاز العربيين ونقل النفط من الخليج والعراق إلى أوروبا، فالشرق أوسطية تهدف إلى سلب الخيرات العربية، والتحكم في تطور الأقطار العربية، والحيلولة دون إقامة صناعات وطنية متطورة.
إن (إسرائيل) هي التي عرقلت التطور والتقدم والازدهار في البلدان العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم، والأحداث اليومية في الضفة والقطاع وفي لبنان أمثلة واضحة على ذلك.
وتسعى من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف والقمم الاقتصادية إلى إقامة علاقات اقتصادية تساعدها في فرض مخططاتها في المرحلة النهائية من المفاوضات لزيادة الأوراق التي في يديها بالإضافة إلى الأراضي المحتلة لممارسة المزيد من الابتزاز على الأطراف العربية لتحقيق المزيد من التنازلات العربية وتضخيم المكاسب (الإسرائيلية).
وتقترح من خلال الشرق أوسطية إقامة مشاريع إقليمية مشتركة تقوم الأطراف الأخرى بتمويلها على أن يكون المركز والإدارة والتقنية (إسرائيلية)، وبالتالي السيطرة على التعاون الاقتصادي وتسخيره لمصلحتها ومصلحة يهود العالم دون أن تدفع فلساً واحداً، بل تطالب دول النفط العربية، أن تخصص 1% من دخل النفط للتنمية الإقليمية وتطالب بضرورة تحديد النسل في البلدان العربية، بينما تستقبل يومياً مهاجرين يهود من مختلف أصقاع العالم.
وتعود فكرة المفاوضات الثنائية المباشرة والمتعددة الأطراف إلى حكومات العمل والليكود، بينما تعود فكرة اللقاءات والتحالفات الثقافية كلقاء غرناطه وتحالف كوبنهاغن والقمم الاقتصادية والأمنية إلى حزب العمل، وتحديداً إلى بيرس ورابين، وسوقتها الولايات المتحدة. وحملت العديد من الدول العربية والأوروبية على تبنيها والاشتراك فيها.
ويتضمن المخطط (الإسرائيلي) لإقامة النظام الشرق أوسطي عقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية وتولت الولايات المتحدة إخراجها إلى حيز الوجود.
إن الشرق أوسطية فكرة صهيونية المنشأ، "إسرائيلية التخطيط والتنظيم، ولمصلحة إسرائيل" ويهود العالم أولاً، والولايات المتحدة الأمريكية ثانياً، والدول الأوروبية ثالثاً، وعلى حساب الوطن والمواطن العربي، وقد تبنتها الولايات المتحدة وسوقتها للدول الأوروبية، وحملت الدول العربية على الموافقة عليها، والانخراط فيها.
وترمي (إسرائيل) من جرائها إلى إلغاء الهوية العربية والمشروع القومي، والتكامل الاقتصادي العربي وحل أزماتها الاقتصادية على حساب الثروات العربية. ويكمن الخطر الاقتصادي فيها بالتدمير السرطاني للنسيج الوطني والقومي للاقتصادات العربية كما يكمن خطرها السياسي بتدمير مؤسسات العمل العربي المشترك، وإقامة مؤسسات شرق أوسطية ذات أهداف وأولويات تخدم الهيمنة (الإسرائيلية).
وتهدف المشاريع الإقليمية إلى تجاوز (إسرائيل) لأزماتها الاقتصادية. المزمنة والتخلص من العجز في الميزان التجاري، وجني الأرباح الهائلة.
وتنبع خطورة الشرق أوسطية من غياب المشروع العربي البديل والدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود (لإسرائيل) وإقامة محور ثلاثي: (إسرائيلي) - فلسطيني - أردني وتم إقامة آليات دائمة وهي:
1- بنك التنمية الإقليمي، ومقره القاهرة.
2- مجلس السياحة الإقليمي ومقره تونس.
3- المجلس الإقليمي لرجال الأعمال.
4- السكرتارية التنفيذية ومقرها عمان.
5- الأمانة العامة ومقرها الرباط.
* * *