كلنا كده عايزين صورة / الصورة بين الشفاهية و الكتابة
ريم بدر الدين بزال / الرياض 19/8/2013
مع أغنية عبد الحليم حافظ " صورة صورة صورة كلنا كده عايزين صورة" أمضينا زمنا من طفولتنا
كانت الصورة على بدائيتها تحتفظ بالكثير من القدسية خاصة إن استطاعت تحنيط هيبة جدي بشاربيه المعقوفين و لباسه العربي و خنجره ..
أو عندما تخلد كل أفراد العائلة في صورة استحموا و لبسوا أفخر ملابسهم ليصطفوا منشدهين و مسرورين بهذه العين السحرية و كأنها لا تنقل الصورة و إنما الأصوات و الروائح بل و ربما تقرأ أفكارهم
قبل هذا كان على من يريد لنفسه بقاءا في ذاكرة القادمين البصرية أن يقف مطولا أمام الرسام ثم أمام العدسة الكبيرة الطويلة المغطاة بالقماش الأسود و كأن المصور سيدخل مغارة سحرية بتناول منها الصورة و يقدمها لصاحبها
و مع أن الصورة في غالبية الوقت شخصية و تخص عائلة بعينها غير أن هناك قوم اتخذوا على عاتقهم أن يعملوا كمؤرخين يوثقون مشاهداتهم بالصورة فقط و يكتفون بذكر أسمائهم و تاريخ الصورة و مكانها .. كانوا يوقنون أن ما يمرون به يحدث كل يوم في حيواتهم لكنه قد لا يحصل في حيوات الأجيال التالية فبذلك يكونون قد دونوا ما نقرض بالضوء أو قد يحصل مرة ثانية فالتاريخ كثيرا ما يكرر نفسه و هناك من سيستفيد من هذه الوثيقة التاريخية المصورة
و فن الفوتوغرافيا الذي يعني بشكل حرفي الكتابة بالصورة هو الذي قلد المصور مهمة المؤرخ .. خصوصا أن الحصول على الصورة بعد التقاطها و إدخالها الغرفة المظلمة و تظهيرها و تحمل الروائح النفاذة و السواد الذي تتركه نترات الفضة على أطراف الأصابع فيه الكثير من العناء ..
لم يخطر في بال المصور في الثمانينيات انه سيحصل على صورة بدقة عالية جدا عبر كاميرا موبايل او حتى كاميرا احترافية تنقل الصور عبر الأقمار الصناعية كتوثيق للحدث
و لم يكن يخطر في بال المؤرخين أن الصورة التي تعد دليلا دامغا صارت قابلة للتزوير بقليل من الخبرات في برامج الجرافيك و التصميم ليقوم مختصون في هذا العصر بتزوير الحدث كاملا تحت سمع و بصر من يعايشونه مباشرة ليخرجوا بحيرة و شك بين عاينوه بأنفسهم وما يرونه في وثيقة الصورة و الفاصل الزمني بين الحالين لا يتعدى دقائق قليلة.
و ربما لو عاد عبد الحليم حافظ إلى الحياة مرة ثانية لناقش صلاح جاهين ألف مرة في كلمات الأغنية قبل أن يصدح بصوته : صورنا يا زمان .. يا زمان صورنا