أسد فلسطين وأمير الشهداء.. صنّاع التاريخ الثوري
غسان مصطفى الشامي
نحيا في هذه الأيام ذكريات فلسطينية مؤثرة على العقل والذاكرة النضالية
لشعب فلسطين، فقد رحل عنا في شهر نيسان/ أبريل العديد من الشخصيات
والقامات النضالية الكبيرة, أمثال القائد عبد القادر الحسيني، وأبو يوسف
النجار, وكمال ناصر, وكمال عدوان، والقائد خليل الوزير، وأسد فلسطين
الهصور القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي شاعر الجهاد والمقاومة،
وسنديانة مرج الزهور.
عندما يكتب التاريخ، ويسطر القلم الكلمات عن هؤلاء الرجال صناع التاريخ،
وأصحاب الفكر الثوري والريادة, لا يدري اللسان كيف يتحدث في حضرتهم، وهم
من صاغوا أبجديات العمل الثوري الفلسطيني، وكانوا منارات ومشاعل مقاومة
أينما حلوا وأينما تحركوا، وارتسمت ملامح الوطن في عيونهم.. عاشوا النكبة
والهجرة والإبعاد والشتات.. هؤلاء الرجال أصحاب القامات الشامخة أسسوا
فكر الثورة والنضال الفلسطيني, وزرعوا حب الوطن والفداء في قلوب الأجيال
الفلسطينية.
بدأ حب الوطن ينشأ في قلب أبو جهاد الوزير منذ هجرته من مدينة الرملة،
ليبدأ رحلة المعاناة والآلام واللجوء في المنافي والشتات, حيث هاجر مع
عائلته إلى قطاع غزة، وقد استطاع أبو جهاد في عام 1954م تنظيم مجموعات
فدائية توكل لها مهمات تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية،
وتميز بعقلية عسكرية فذة، و خطط وشارك في تنفيذ أول عملية عسكرية كبيرة,
وهي تفجير خزان مياه" زوهر" قرب بيت حانون بغزة في 25/2/1955م.
عمل أبو جهاد في أواخر الخمسينات على تأسيس النواة الأولى لحركة فتح،
وشارك في تأسيس صحيفة (فلسطيننا) في تشرين الأول/ نوفمبر 1959 م، وفي عام
1963م شارك في تأسيس مكتب حركة فتح في الجزائر، وأبدت الجزائر
استعداداتها لاستقبال مئات الطلاب في جامعاتها, وتدريب كوادر الثورة
الفلسطينية، ومع بداية عام 1965م أعلنت حركة فتح انطلاقتها، ونجح خلال
توليه مسؤولية مكتب فتح في الجزائر, في تعزيز العلاقات مع الحكومة
الثورية الجزائرية، فحصل على موافقتها على قبول آلاف الطلاب الفلسطينيين
في جامعات الجزائر, وعلى مئات البعثات الطلابية, والسماح بالتدريب
العسكري لطلاب فلسطينيين في الكلية الحربية الجزائرية، وخطط عملية نسف خط
أنابيب المياه (نفق عيلبون) ليلة الأول من كانون الثاني/ يناير 1965,
والتي اعتمدت تاريخاً لانطلاقة الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية، كما
شارك في حرب 1967 بتوجيه عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في
الجليل الأعلى في شمال فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وساهم مع رفاقه في
قيادة قوات الثورة الفلسطينية في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي في
معركة الكرامة بالأردن في 21/3/1968, وعين بعدها نائباً للقائد العام
لقوات الثورة الفلسطينية، إضافة إلى عضويته في اللجنة المركزية لحركة
فتح، وشارك في معارك الدفاع عن الثورة في الأردن في العامين 1970-1971,
وانتقل مع رفاقه في العام 1971 إلى لبنان, حيث انخرط في قيادة عمليات
إعادة البناء وتدريب المقاتلين والتحضير للعمليات الفدائية داخل الأرض
المحتلة، بعد اغتيال (إسرائيل) لكمال عدوان في 1973 في بيروت تولى "أبو
جهاد" مسؤولية القطاع الغربي "الأرض المحتلة" في" فتح" ، واستمر متحملاً
تلك المسؤولية حتى استشهاده، كما عمل على دعم الانتفاضة الشعبية الأولى
عام 1987م وكان على تواصل دائم مع المجموعات الفدائية في غزة.
أما القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أسد فلسطين, فقد عاش النكبة
واللجوء وحرب حزيران عام 67 وهو يحلم بالعودة إلى الجذور والعودة إلى أرض
فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها؛ وعرف عنه بعطائه الكبير وتضحياته
الجسام، فهو صاحب الفكر الثوري، وصاحب المبادئ الإسلامية الشامخة، وقد
مَثّل للعدو الصهيوني خطراً كبيراً، خاصة أنه كان يدعو دوماً لتدمير دولة
(إسرائيل)، وشد الرحال نحو بلادنا المحتلة يافا وعكا والجليل وتل الربيع،
هذا الشاعر الثوري المغوار الطبيب الثائر كان على الدوام يبث الأمل في
نفوس الشباب والشيوخ في العودة إلى يافا وتل الربيع والجليل والخليل
وباقي المدن والقرى الفلسطينية وكلماته يرددها الصغار والكبار "سننتصر يا
بوش سننتصر يا شارون .."
المقام أيها القائد الكبير لا يتسع للحديث, وذكر مواقفك الثورية الشامخة؛
لقد كان القائد الرنتيسي أحد المؤسسين السبعة لحركة المقاومة الإسلامية
حماس في ديسمبر عام 1987م، واتهمته سلطات الاحتلال بكتابة المنشور الأول،
وإيقاد شعلة الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987م، و في 5/1/1988 اعتُقِل
لمدة 21 يوماً، واعتقل مرة أخرى في 4/2/1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون
الاحتلال لمدة عامين و نصف، و أطلق سراحه في 4/9/1990، واعتُقِل مرة أخرى
في 14/12/1990, وظلّ رهن الاعتقال الإداري مدة عام، وأُبعِد في
17/12/1992 إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين, وفور
عودته من مرج الزهور أصدرت محكمة صهيونية عسكرية حكماً عليه بالسجن, حيث
ظلّ محتجزاً حتى أواسط عام 1997م، وبسبب رفضه لاتفاقيات مدريد وأوسلو
والمفاوضات الجارية مع الكيان الصهيوني عانى الأمرين في سجون سلطة
أوسلو.. إلى أن بدأت انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000م، حيث كان شعلة
وقودها وفيضانها، وشارك في تربية الاستشهاديين والقساميين وإعدادهم،
وتعرض لعدد من محاولات الاغتيال الفاشلة، إلى أن استشهد في السابع عشر من
نيسان أبريل من العام 2004م.
أمام هؤلاء القادة العظام في الثورة والنضال والتضحيات.. تسقط كافة
الخيارات المهترئة التي يطرحها المفاوضون مع العدو الصهيوني, ويبقى خيار
السلاح والمقاومة الخيار الأوحد لتحرير أرض فلسطين..
إلى الملتقى ،،
قلم / غسان مصطفى الشامي