هل الأصل في (القنوات الفضائية) الإباحة ؟؟
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
مع تزايد الساحات المؤثرة في عقل الإنسان، برزت ساحة الإعلام المرئي (القنوات الفضائية) لتشكل ساحة من أكبر الساحات التي أعادت تشكيل العقل، وأسهمت أكبر الإسهام في التأثير على الأفكار والقيم.
وبما أن الدعوة إلى الله تعالى باتت تتخذ كل الأساليب الجديدة، وتستعمل كل الإمكانيات المتاحة، نشأت فكرة القنوات الإسلامية التي تدعو إلى دين الإسلام، وانتشرت هذه القنوات على الأقمار الصناعية، وها هي تزداد يوماً بعد يوم..
ومع نشوئها وازديادها، ظهرت على السطح مشكلات تتعلق بتوجهها وخطابها وطرق عرضها لأفكارها..
الدعوة إلى الله تعالى من أهم واجبات الإنسان المسلم، وعليه أن يحاول أن يستثمر كل الطاقات والإمكانيات التي تتناسب معها، والإعلام المرئي بات يعد من أهم وسائلها.
إلا أن استثمار الإعلام وقنوات البث الفضائي في هذا الأمر بات يتخذ منحًى معيناً قد لا يتناسب وتطورات العصر، من حيث الشكل وكيفية عرض الأفكار، وأحياناً حتى من حيث المضمون.
لا أريد أن أتعرض في مقالي هذا إلى رداءة العرض التي صارت سمة بارزة للقنوات الإسلامية أو الدعوية، ولا أريد أن أتعرض لكون مدرائها لم يتخذوا لها مناهج محددة، وكون بعض القنوات تنطلق لتعرض ما يردها من خطب ودروس للمشايخ وعلماء الدين بغض النظر عن المادة المعروضة وعن كونها مهمة للجيل الذي يبحث عن الحقيقة، لكنه ينفر من خطاب الوعظ وتحول شاشة التلفاز إلى منبر جديد من منابر خطب الجمعة.
بل أريد أن أتحدث عن المضمون في قنواتنا تلك.. فقد تقولبت في أذهاننا فكرة أن القنوات حتى تكون إسلامية فيجب أن تكون كل برامجها إسلامية، بمعنى أنها برامج تتحدث عن العبادات والفقه الإسلامي وتلاوة القرآن الكريم وبيان الأحكام الشرعية و و و.. وكل ما يتعلق بالدين الإسلامي فقط، ونسينا أن القنوات بهذه الحالة باتت تتوجه من المسلمين، وبات خطابها خطاباًَ داخلياً كأنها تتوجه منا إلينا نحن المسلمين.
إن القنوات الإسلامية تتوجه إلى فئتين من الناس:
1. القنوات الموجهة للمسلمين، تلك التي تعتني بنشر ثقافة الفقه الإسلامي وشرح أحكامه لتعليم المسلمين أهم ما يجب عليهم تعلمه من دينهم، وهذه هي القنوات المنتشرة في أجهزة البث الفضائي اليوم، وهي ما كنت أتحدث عن خطابها الداخلي الموجه منَّا إلينا..
2. القنوات الموجهة إلى غير المسلمين لتعريفهم بالدين الإسلامي وجماليته، وبالتالي دعوتهم إلى اعتناقه وإقناعهم به ديناً يسمو بهم.
وهنا تتجلى لدينا عدة مشاكل..
إن النوع الثاني من تلك القنوات يكاد يكون غائباً عن الساحة الإعلامية، لأن القنوات الدعوية الموجهة إلى غير المسلمين عليها أن تنطلق من النقاط المشتركة بين الأديان جميعها، ومن القيم المشتركة إنسانياً، لتصل إلى إقناع الآخرين بالإسلام كدين يَصْلُحُ لكلِّ زمان ومكان، أو بشكل أصح: يُصْلِحُ كُلَّ زمانٍ ومكان..
أما النوع الأول، فمع وجوده في الساحة الإعلامية إلا أنه لم يستطع سد الفراغ الناشئ عن الفجوة الكبيرة بين الإعلام والدين، تلك الفجوة التي نشأت من رفض المتدينين للإعلام بكليته، ورفضهم لاستثماره في الدعوة إلى الله، تلك الفجوة اتسعت مع مرور الأيام وتحولت إلى فجوة بين الشباب المسلم الذي يعيش في العصر الجديد، وبين الدين المرن الذي يواكب أي جديد، وهذه الحقيقة المغيبة مع الخطاب الإعلامي الديني المنمط الموجه إلى الشباب بشكل خطابي وعظي أدى إلى رفض الشباب للقنوات الإعلامية الإسلامية بحجة أنها لا تلبي متطلباتهم وحاجاتهم الطارئة في عصرنا الحديث.
إن ما أريد الحديث عنه في مقالي هو هذه النقطة.. نقطة القنوات الإسلامية التي لم تعد تلبي حاجات الشباب المسلم، وسبب هذه المشكلة هي تقييدنا لمصطلح (الإسلامية) في إطلاقه على القنوات.. بمعنى أننا لا نعتبر القناة إسلامية إلا إن تحققت فيها بعض الشروط والتي وُضِعت بناء على نمطية محددة في التعامل مع الأمور المستحدثة..
هنا منبع النقاش..
كيف نسمي قناةً ما: إسلامية؟؟
كيف نطلق على قناة ما اسم: قناة إسلامية؟
هل يرتبط ذلك بكونها تقدم برامج دينية فقط؟
ولماذا حددنا سعة هذا الاسم (إسلامية) ببعض الشروط، ونسينا أنه اسم يستوعب كل ما يمكن أن تبثه القنوات الفضائية ما دام هادفاً إلى الخير ومباحاً ويحمل صبغة المسلمين؟
لماذا لا نقبل بتقديم القنوات الإسلامية للبرامج الهادفة التي تعرض القيم المشتركة بين الناس جميعاً حتى وإن لم تكن بشكل ديني أو إسلامي، ولماذا لا نعتبر قنوات كهذه إسلامية؟
لماذا لا ننشئ قنوات تعرض الإسلام للآخرين عبر تبيين القيم المشتركة بينه وبين غيره من الأديان فقط، ولنترك مسألة تعليم القرآن والأحكام الفقهية للقنوات المتخصصة بها؟ ولماذا لا نطلق على قنوات كهذه (إسلامية)؟
لماذا لا نقدم قنوات ترفيهية تلبي حاجة الشباب المعاصر، وتقدم لهم البرامج الترفيهية الهادفة التي لا تحل حراماً، ولا تعارض مع مبادئ الإسلام، ثم نسميها قنوات إسلامية؟
هذه الأسئلة هي ما أريد الوصول إلى نتيجة حولها..
فبرأيي أن الأصل في القنوات الإباحة ما لم يصدر عنها ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية بشكل مجمل، بناء على القاعدة الفقهية (الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد دليل قاطع بتحريمها).. وبذلك أستطيع أن أسمي كل قناة فضائية تقدم لنا القيم الأخلاقية المشتركة التي تفق عليها البشرية جمعاء، والتي تعرض كل ما يوافق الفطرة، والذي بطبيعته سيكون موافقاً لشريعتنا.. أستطيع أن أسمي كلاً من هذه القنوات: (إسلامية)، حتى وإن لم تكن متخصصة في الأحكام الفقه والدروس العلمية وتلاوة القرآن الكريم..
هذه دعوة إلى تبني كل التجارب الناجحة في عالم البث الفضائي.. فالنهضة لا تحقق باعتزال الآخرين والانطواء على النفس والاكتفاء بما بين يدينا فقط.. بل يمكننا تحقيقها عبر أخذ كل جديد مما لا يتعارض مع شريعتنا.. والحكمة ضالة المؤمن.. أنى وجدها، فهو أحق بها ....