طقوس الكتابة—الجزء الأول---
محمد عيد الخربوطلي
المقدمة
إن من أبرز اللحظات في حياة الأديب والكاتب بشكل عام هي لحظة الكتابة، لحظة التدفق الإبداعي والإيحاء الشعري، لحظة استفراغ المشاعر الجياشة، والخواطر الفياضة، وهذه اللحظات تمر بكل كاتب وبكل أديب مع فارق طفيف في مدى إغراق كل واحد في غمرتها.
هل للكتابة طقوس؟ متى يكتب الكاتب؟ أين وكيف؟ ماذا يلبس وماذا يأكل..؟
إنها أسئلة تبدو خارجة عن فعل الكتابة والنص الإبداعي أو النقدي أو الفلسفي، أسئلة تبدو خارجة عن فعل الكتابة لا معنى لها..؟ إنها أسئلة طُرحت على جمع من المبدعين والكُتاب والنقاد العرب، وغير العرب، وأجابوا عليها، ولعل هذه الأسئلة تكون فتحاً لملفات حافلة، ولأسرار يطّلع عليها القراء لأول مرة، ولعلنا لن نخطئ إذا أسميناها هوامش الكتابة وعتباتها، على حد قول الأديب التونسي (كمال الرياحي).
على كلٍ الكتابة من جهة كونها غاية فهي جهد متصل للوصول إلى صيغة تحقق الحد الأدنى من التوافق أو الانسجام بين ذات الكاتب المبدع وعالمه، ولكن هل الكتابة جهد متصل فقط..؟
..ربما.. لا.. ربما الكتابة طقوس أكثر منها إبداع.
الكتابة كسر للمألوف.. للعادة، لأنها تخلق مألوفها من جنسها، فقلق الكتابة وعذاباتها أجمل بكثير مما يُكتب، قهوة الصباح، وشاي الظهيرة، والقطيعة، واعتزال الدنيا ومتاعها، والاستئناس بالوحدة والعزلة، وحلاقة الذقن ونوع العطر، لحظة مخاض من دون شك، وكذلك الغطس في ماء حوض الحمام، فلكل أديب وكاتب وباحث طقس خاص به في ساعة كتابته، وسنطوف معاً على جملة من الطقوس التي تُميز كل كاتب عن غيره من الكتاب، في عرض أتمنى أن يكون جميلاً، وفي أسلوب أطمح أن يكون شيقاً.
معنى الطقوس
يشير مفهوم الطقس في المعاجم المتخصصة وغير المتخصصة،إلى مجموع الممارسات السرية عند الشعوب تقوم بها الجماعات الدينية، كما يشير إلى الممارسات السرية، أو أي إشارة خاصة يقوم بها أتباع ديانة معينة، كطقوس السلام التي تختلف من ثقافة إلى أخرى.
والكتابة بمعناها المعاصر تشكل قطيعة جذرية مع بعض أنماط الكتابة، أو فنون القول القديمة، كما أن مفهوم الكاتب اليوم قد خضع بدوره لتعديلات معرفية متعددة أبعدته عن متاريس الغيب، وأدخلته إلى دوامات الموضوعية، حيث لم يعد الكاتب محاطاً بالأسرار.
يتساءل أستاذ الفلسفة محمد شويكه... هل تتمثل طقوس الكتابة في الاستعدادات والممارسات التي تقوم بها الذات الكاتبة قبل مباشرة عملية الكتابة كفعل إنساني، أم تتجلى في طقوس التحريم والتقديس والتدنيس المبنية على التناقض الممنوع ـ المرغوب، المقدس ـ المدنس..؟
هل الكاتب يكتب دائماً؟ أم أن الانشغال بالكتابة طقس أقسى من عملية الكتابة ذاتها؟ ما الفرق بين فعل الكتابة وفعل القراءة؟ ألا يكون النص المكتوب بداية لعملية تأليف قد لا تكون بالضرورة مكتوبة؟ إن عملية القراءة فعل نفسي تفاعلي، فالقارئ يؤلف حين يقرأ.
وإن فعل التحضير للكتابة طقس، لأنه يتميز بالثبات، فمهما تغيرت الظروف لا بد أن الكتابة يحضر لممارسة هذا الفعل، ولو في أبسط الحيثيات... البحث عن القلم، الورق، إشعال الحاسوب، تحضير البرنامج المناسب، كل ذلك يعبر عن استعداد ملموس وواقعي.
--------------يتبع------