بسم الله الرحمان الرحيم
تصدع في بناية الحركة في إيطاليا
حوادث محزنة ومؤسفة تلك التي جدت منذ فترة حيث تشقق مبنى حركة النهضة في إيطاليا رغم صلابة مواده وعتاقة بنيانه..
بناية الحركة عموما تمتاز بعديد الخصائص فهي لا ترتكز على الطين والحجارة و لكن أساسا على نضال أبناءها وعرقهم ودمائهم، وهو يلخّص في ذاته مسيرة الإنسان نحو الإنعتاق والحريّة.
هاته البناية جميلة الشكل والمضمون، ولا عجب أن نرى دولا تختار بعض رموز من ساهموا في تشييدها لأن تكون شخصية السنة أو إحدى أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم.
سعيا منا لمعرفة أسباب هاته التشققات والوقوف على أبعادهها و نتائجها، فقد تحوّلنا على عين المكان، فوجدنا أناسا في روما غاضبة، وباستفسارنا عن الأمر أخبرنا أحدهم أنهم يقومون بإعادة تصحيح المسار، وترميم ماوقع من تصدع داخل بنيانها، وإعادة ترتيب غرفها ونوافذها، والكشف عن مصادر المواد المستعملة في عملية البناء، ومن المسؤول عن إبقائه بدون صيانة ولا ترميم هكذا سنين، وإعادة دهن جدرانها.
كانت الناس تخرج من هذا البنيان احتجاجا لإضفاء الشرعية على تخوفاتهم من ذلك التصدع، ولا أحد يحرّك ساكنا حماية للبيئة ومحافظة على المخزون الوطني.
وقفنا أمام المبنى وكأني به يفخر بأنه صار في مقدمة البنايات التي أرادها الشعب أن تكون مثالا على العراقة والتقدم المعماري. كانت التصدعات والشقوق واضحة للعيان في جزء كبير من المبنى، في مشهد حزين ولا أحد يحرّك ساكنا. سألنا أحد الشباب الذين كانوا متواجدين هناك عن الحادثة فأجاب: "إن المسؤولين هم من أتلفوا المبنى ولم يتركوا مجالا لللراغبين في إصلاحه، ليس هناك الآن إلا التنادي لإعادة ترميم البيت ومحاسبة المسؤولين عن كل هذا الإتلاف الحاصل أو إعادة بناءه من جديد".
تركت هذا الشاب الذي بدا كلامه متحمّسا جدا وهو يتحدث بصوت عال، بين فكرة "الترميم وإعادة البناء" هذه، ورحت أسأل رجلا أكبر منه سنا كان موجودا على عين المكان فأجاب: "بعد ثورة 14 جانفي 2011 وحلمنا بالعودة لممارسة حريتنا.. كان حلما جميلا تحقق على أرض الواقع.. إلا أن تقاطع المصالح والجري وراء الكراسي ساهم في تشقق وتصدع البناية أكثر من ذي قبل.. هذا المبنى الذي ارتكز على ثلاث أسس: الحرية والعدالة والتنمية". لم يكمل الرجل كلامه فقد انهمرت الدموع من عينيه لأنه كما قال لما هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية التي نرى فيها الآن بنائنا اكتمل وأردنا أن يسكنه الجميع، يبدو أنه لامناص من البدء من جديد بإعادة البناء، لأن ترميمه لايصلح بعد معاينته، لمدى الضرر الذي ألحق به بأعمال غالبها فردية وطائشة..
لمحت في الأثناء أحد الوجوه الإقصائية التي عرفتها من قبل بارعة في الركوب على الأحداث، رغم أنها حاولت التنكر بلباس التسامح، فأسرعت إلى سؤاله عن الحوادث الحاصلة في البناية وعن أسبابها حتى لا أتهم بالإنحياز أو عدم الموضوعية، فأجاب أن الأمر وقع تهويله و تحميله ما لا يحتمل، وأن هاته التصدعات ليست سوى غيرة مفرطة، حيث أن بعض القلوب المشفقة على الحركة تفجرت قلوبها من فرط حبها لها، وفاضت مشاعرها فراحت تحتضن المبنى وتعانقه فأنتقلت الشظايا من الصدور إلى الطوابق فتشقق البناء.
قبلت بهذا التفسير الرومانسي الذي يظهر شيئا و يغيّب عنا أشياء.. وإن كنت أشك فى كلامه، لكني أرفض أن ألوث تاريخي بالتشكيك في صحة وعراقة أفضل بناية ساهمنا في تشييدها.
تركتهم هناك وذهبت أسأل أحد المسؤولين الذي استقبلني ببرود شديد، واتهمني بالتحريض والتخريب. شكرت له هذه التوضيحات المهمة التي تساعد على التحقيق والتبيان.
اتصلت بفرقة الحماية والإطفاء للاستفسار عن الحادث فلم يجب أحد على الهاتف فكل موظفي الوزارة نزلوا لقاعة المشاورات للتشاور والتباحث في أسباب المظاهرة.. الجميع يتكلم وقليل من يفعل.. ويبقى السؤال الأبرز عن موقف مالك البناية الحقيقي "أنا وأنت"؟.
هذا الكلام نقوله بعدما وضعت الإنتخابات في تونس أوزارها، وقبل مؤتمر حركة النهضة المزمع عقده حتى لايتواصل استعمال كاتم الصوت، الذي باستخدامه طيلة المدة الفارطة ظن هؤولاء أنهم سيرضخون الجميع، أو هكذا توهموا، برغم أن التجارب التاريخية، أثبتت أن كواتم الصوت تسيل حبرا، وتخلق مناضلين بين المناضلين، وكتابات تنير.. متجاوزة حدود الزمان والمكان.
حين يسيل الحبر، سيعرفون هم أن الحركة ليست ملك خاص، أو ضيعة مملوكة، وسنعرف جميعا أن صوت الحق سيعلوا قريبا، وأن كاتم الصوت لا يجدى مع القلم.