ثغرة في (منهج) ... أم أزمة مع العصر ؟!
فهد سليمان الشقيران
ليست مفاجأة أن نعثر على خطأ في المناهج التعليمية؛ المفاجأة أن يكون التفاجؤ بهذا المستوى؛ كلنا مررنا بهذه المناهج ونذكر جيداً محتواها، والعائلة تحتكّ بالمناهج كل يوم من خلال تدريس الأبناء.
نعم؛ المناهج مليئة بالأخطاء وبعض الباحثين خصصوا أبحاثاً عن أخطاء اكتشفوها، من بين الذين كتبوا مبكراً عن هذا الأستاذ: حسن المالكي من خلال مقالات في مجلة «اليمامة» قديماً، حين بدأت أولى مساهماته إلى أن كتب أبحاثاً أطول حول مشكلة وجود أفكار ضارة داخل المنهج الدراسي المقرر. لأن التعليم شيء والتعليب شيء آخر، التعليم تحريض على تكوين الأسئلة وصناعتها وشحذ شرارة الذهن، أما القمع فيكون دائماً من خلال الأجوبة الحادة، والأساليب الركيكة التي ابتلي بها الطلاب من خلال مناهج ضخمة لا تسمن ولا تغني من جوع.
والمناهج التي تقرر هي صنيعة مجتمع؛ وهي أتت من عمقه إلا حينما تكون لجان صياغتها على مستوى من الإدراك والوعي بحيث تقرر مناهج تضيف إلى العقل والذهن والروح فكراً وجلالاً وجمالاً، وأن يقرروا مناهج تعنى بتنمية الحياة، لا أن تكون المناهج مخصصة لتكريس ما هو معلوم. من أكثر المصائب التي يمكن أن يعاني منها المعلم أنه ومنذ أن كان صغيراً درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعة، ثم تخرّج ليكون معلّماً صارت وظيفته في الحياة تعلّيم الطلاب أفكار يعرفونها من خلال البيت والمسجد والخطيب! بمعنى أن التعليم صار «تلقيناً» تتنازعه تاريخياً مفردات: «زرع» و «حصد» ثم لا يرى الطلاب حين يتخرجون زرعاً ولا حصاداً. إن التعليم حين يكون معاقاً عصيّ على الإنتاج، إن تعليماً يعاني من الظروف المترابطة التي سببت هزاله لا يمكنه أبداً أن يفاجئنا بأيٍ فكرةٍ تسللت إلى المنهج، ومن العجائب أن بعض المناهج عليها مجموعة من «المراجِعين» هذا غير المصححين والمدققين، ومع ذلك تتجدد الأخطاء وتأتي الكوارث المنهجية الصارخة.
ثم إن المنهج ليس وحده الذي يشكل توجه الطالب، لأن المعلم شريك في شرح المنهج، كما أن المدرسة في الغالب بين البيوت، وتعاني مما يعاني منه الناس من أزمات ثقافية فهي ليست منفصلةً عنهم، والمعلم حين يبدأ بالشرح يمكنه حذف أي نص، كما يمكنه التحكم بأي فكرة. مثلاً أحد المعلمين كان يحذف موضوعاتٍ شعرية من مادة «النصوص الأدبية» لأن بها كلمات شاعرية لم يعتد المعلم عليها، حذفها وطمسها، إن المعلم هو الوجه الآخر للمنهج. يولد الإنسان وهو يصرخ سائلاً، ثم يعيش في بيئة والديه متسائلاً وذكياً، والطفل حين يكون في سنواته الخمس الأولى لديه ترسانة من الأسئلة، بعضها محرج، والآخر ذكي لافت، يتأمل بكل شيء ويسأل عن أي شيء، حيويته فعّالة، الطفل في مجتمعنا هو الأكثر صفاءً في ذهنه، فهو يسأل عن النجم والشمس، عن الشجر، عن الورود، عن البدء والمجيء، عن الأهل والأجداد، عن الموت والحياة، لكنه ما إن يسحب حقيبته نحو مدارسنا ويلتقي بالأساتذة ويتعامل معهم ويحفظ الأناشيد البائسة إلا ويخرج معلباً حيث تمت إبادة حدائق الأسئلة التي زرعتها الطفولة في ذهنه ليكون إما آلة تسجيل تحفظ من دون سؤال، أو أن يكون مجرد كائن إضافي تنوء به جدران المدرسة ليكون رقماً في عداد الدارسين لمناهج متأخرة ثم يتوّج بعد تخرجه ليكون رقماً في عداد العاطلين.
المناهج تعبر عن أزمتنا في التعليم، ولكنها في الوقت نفسه ، تعبر عن ثغرات حادة في ثقافتنا، في مستوى وعينا، في الخيارات التي نريدها من الحياة والعلاقة التي لم نحسم شكلها مع العالم والعصر، وتشرح أزمتنا في التعامل مع الإرث الثقيل من الأفكار التي انتهى زمنها ولم نستطع إعلان التخلص منها.
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/309123