من منا ينسى أبا عطايا!
كتب/ محمود أبو عواد
كانت الساعة تدق عقاربها نحو التاسعة مساءً في الثامن من يونيو عام2006م، حين أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية لاستهداف موقع عسكري يتبع للجان المقاومة الشعبية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
ومع بداية الاستهداف كانت وسائل الإعلام تتناقل عملية القصف والحديث عن عدد من الشهداء والجرحى، إلى أن أعُلن عن ترجل الفارس الأسمر، وأسد بيت المقدس الثائر الشيخ "جمال أبو سمهدانة" وآخرين من رفاق دربه هم الشهداء "نضال موسي – محمد عسلية – أحمد مرجان".
وخرجت الجماهير الغاضبة في مسيراتٍ عفوية، تعالت فيها الصيحات وأصوات التكبير، وانهالت دموع الرجال بكاءً تفيض بهم حزناً على رحيل القائد المُسجَّى أمام نظراتهم مبتسماً، ولسان الحال يقول "يا إخوتي لا تحزنوا إني شهيد المحنة - آجالنا محدودة ولقاؤنا في الجنّة".
أيام وشهور وسنون تمضى على رحيل القائد "أبي عطايا"، وها نحن اليوم نمر بذكرى استشهاده الرابعة ولا يزال أمثال هذا "الفارس الأسمر" في ذاكرة الأم والطفل والشاب والرجل والعجوز، فبمثله تفتخر الأمم، وبجهاده وتاريخه الحافل بالمطاردة والاعتقال ينبض المجاهدون نحو المشروع الفلسطيني الذي لا تعبّده إلا الدماء وتقديم التضحيات.
كان القائد "أبو عطايا" مثلاً يُحتذى به بين القيادات الفلسطينية، فهو رجلٌ صنع من ذات يديه معني تجسيد الوحدة الوطنية بالأفعال، وما الميتُة التي ارتقى فيها شهيداً إلا تأكيد فعلي على ما صنعت يدي هذا الفارس الأسمر، حين استهدفته صواريخ الغدر وثلاثة من رفاقه من سرايا القدس وكتائب المجاهدين حين كان يشرف القائد على تدريبهم لتنفيذ عملية استشهادية للرد على جرائم الاحتلال ووفاءً منه بعهده أمام الله للانتقام لرفيق دربه القائد "محمد الشيخ خليل".
من كان يشاهد القائد "أبا عطايا" برفقة القادة ممن سبقوه بالشهادة كأمثال القائد "أبي خليل"، ومن لحقوه وودعوه بالبكاء من أمثال القادة "أبي الوليد الدحدوح – أبي الصاعد قرموط – أبي حفص أبو شريعة – أبي ياسر الغنام" وغيرهم من الأحياء لا يزال ينتظر الشهادة، يُوقن تماماً أن هذه الثلة المؤمنة المجاهدة لم تمضي ساعة برفقة بعضها البعض إلا والجهاد في سبيل الله حديثهم، لم يلتفتوا يوماً للصغائر، هاجروا لله وهم يحملون على أكتافهم أثقل أمانة، فغابوا عن عائلاتهم وعن عيون أطفالهم الحزينة حفاظاً على هذه الأمانة الثقيلة، فحافظوا عليها وهاجروا للقاء الله وقد أكملوا مهمتهم.
نعم، قد أكمل هؤلاء القادة مهمتهم، فمن منا ينساهم وقادة الاحتلال أمام الإعلام تنتابهم حالة من الجنون لما كان يُقدم عليه هؤلاء الأبطال حين كان تلامذتهم من الاستشهاديين يتسابقون نحو الشهادة فيقُضُّون مضاجع العدو، ويُسقطوا ضباطه وجنوده ومستوطنيه صرعى رصاصاتهم الصائبة في رفيح يام وموراج وكوسوفيم وجاني طال حيث كانت عمليات "البرق الصاعق" و "فتح خيبر" و "جسر الموت" وغيرها من عشرات العمليات الجهادية والاستشهادية.
مضوا قادة المقاومة شهداء، وما أحوج فلسطين وأهلها القابعون تحت سيّاط الجلاد المحتل، وتحت عذابات الانقسام، إلي حكمتِهم وحنكتِهم، فلم تشاهدهم الأطفال والشباب والرجال والعُجَّز، إلا وهم أهلٌ للإصلاح بين الناس، كما كانوا أهلاً لأبناء الفصائل، فلم تمنعهم قوة الجلاد من أن يكونوا هم أهل الصلاح والتقوى كما هم أهل الشهادة والمواجهة.
ليس لرحيل هذه الثلة المؤمنة المجاهدة التي نستذكرها اليوم في ذكرى عطرة وعزيزة على قلوب الفلسطينيّين، إلا أن نقول هناك من يرحل وتندثر آثاره وهناك من يرحل وتبقى ذكراه كذاكرة رجلٍ هام على الدنيا بكِبَر عمره وكان يصبو بأحلامه صبا الصغار.
سلامٌ لروحك يا أبا عطايا، سلامٌ للأرواح التي حلقت في سماء فلسطين كالنجوم المُشعة، سلامٌ لروحك وكل فلسطين تأمل بأن تحذو قياداتها حذوك نحو وطن تحرره المقاومة، نحو شعب يتّحد في كل أفق نحو عنوان واحد هو "فلسطين"،،، سلامٌ إليكِ سيدي وسلامٌ على الشهداء أجمعين.