حضور احلام بشارات واحلام الفتى النحيل وغياب احلام ...؟
بقلم: عماد موسى
اشجار للناس الغائبين كانت المحطة الاخيرة في الورشة التي نظمتها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي حول ادب اليافعين لاطلاق حفل التوقيع على الرواية،والذي اميل ان اطلق علي الورشة عنوانا هو( نحو تجنيس الخطاب الروائي لليافعين )، خصوصا ان الغرب قد سبقنا في تقديم انتاج روائي لليافعين،اما في فلسطين والبلاد العربية ما يزال الانتاج الروائي لليافعين وللاطفال مقلا.
فهناك معيقات تقف امام انتاج هذا الجنس من الادب الروائي، صعوبة ترجع الى طبيعة التجنيس وهو القيام بعملية انبتات لفئة عمرية تنتمي الى الاطفال وتضعها لوحدها، بحيث تقع ما بين مرحلة الطفولة ومرحلة الكبار(الشباب) لانه يوجد اجتهادات نفسية لدى علماء التربية والنفس على تحديد هذه الفئة العمرية والتي يمكن حصرها بعيدا عن القيد الزمني الصارم هي الفئة التي تقع مابين 14سنة الى22سنة.ومن هذ المعيقات هو اللغة والتي تتطلب الاجابة عن اسئلة اللغة هل نكتب باللغة المعيارية الرسمية هل نكتب في مستويات السرد بالعامية،وكيف يكون توظيف اللغة التراثية واللغة السياسية واللغة المعرفية والعلمية في السرد وكا هي حدود استعمال اللغة البورنوغرافية (الايروتيكية والايروسية والمثلية) في البناء اللغوي للسرد. وكيف يراعي الكاتب/ة النمو اللغوي والنمو السيكولوجي والفسيو لوجي عند هذه الفئة.هل يمكن توظيف اللغة التجريدية الفلسفية والتاريخية في الانساق اللغوية لنقل معرفة ما،ام يرتحل الكاتب/ة الى اللغة الثالثة الواقعة بين الفصحى والعامية.ان اللغة والعمر والموضوع اي ماذا نقدم لهم ، يطرح محاولة تجنيسية لهذا النوع من الادب فمن هنا علينا أن نشير إلى أن الخطاب الروائي لليافعين،(ادب اليافعين) هو مصطلح جديد، يسعى بعض كتاب الأدب الطفلي و كتاب أدب الكبار في فلسطين والبلاد العربية،إلى إخراجه من حقل الأدب الطفلي، إلى حقل وسط يقع ما بين الطفولة وبين الكبار،استنادا إلى التطور اللغوي، والنمو الفسيولوجي والنمو السيكولوجي، عند هذه الفئة العمرية،والتي يطلق عيها علماء التربية والنفس بالمراهقين،حيث تبدأ مرحلة تحول فسيولوجي على هذه الفئة العمرية،بحيث يصبحون كائنات جنسية، تتحسس جسديتها، وتبدأ بطرح الأسئلة، خصوصا مع ظهور مشاعر عاطفية مختلفة عن مشاعر الطفولة، ويهدف اولئك من وراء محاولتهم هذه،إلى تجنيس هذا النوع ليصبح جنسا ادبيا مستقلا بنفسه من حيث البناء اللغوي، والمحتوى المضموني، والبناء الفني، لهذا الجنس الأدبي الجديد في عملية انبتات جنسوي مع الابقاء على الجسورممدودة والقنوات مفتوحة بين هذا الجنس وأدب الاطفال من جهة وبينه وبين أدب الكبار من جهة اخرى. بإمكاننا ان نصل الى تعريف لأدب اليافعين فنقول: أنه الادب المنتج من الكبار إلى اليافعين، هذا الادب المنتمي إلى أدب الاطفال والمنفتح على أدب الكبار،لمعالجة قضاياهم وطرح مشاكلهم، وتناول اهتماماتهم.بتنكيك فني يلائم تطور ذوقهم الادبي وباستعمال غير مقيد للغة السردية بقصد تحقيق المتعة الادبية من جهة،والغايات والمقاصد التي يحملها الخطاب الروائيمن جهة ثانية،.والتي يريد منتجو هذا الأدب من ايصال رسالتهم الى هذه الفئة
. ومنها هيمنة وسائل الاتصال على الفضاء الكوني:ويمكننا القول ان هناك هيمنة جبارة للاعلام الفضائي والشبكة العنكبوتية على الفضاء العالمي،على جميع المستويات، وخصوصا الفضاء العربي الذي غالبا ما يكون فيه مستقبلا مندهشا او مصدوما مما يضخ اليه من رسائل سلبية عن نفسه ومحتمعه وسلبية بمعنى انها لا تتلاءم مع تطوره ومع ومعتقداته،وحصة السلبي من الرسائل اكثر من الايجابي، مما ينذر بدق ناقوس الخطر لمواجهة هذا التحدي في حياة المجتمعات، وخصوصا انه يشكل خطورة على اعادة تكوين الذات الإنسانية، وخصوصا على الأطفال دون الحادية عشرة وعلى اليافعين من الحادية عشرة سنة ولغاية سن الرابعة والعشرين.
و قد يكون تأثيرها على اليافعين اكبر بعد ان تمكنت من زرع البذور القيمية المعولمة، لأن هذه الفئة العمرية الأكثر عرضة للتأثر والانزياح نحوها،او الانجراف في مياهها، بحكم التطور الفسيولوجي والسيكولوجي. إن هذه المتغيرات الحاصلة على النمو العقلي والفسيولوجي والتنظيم الوجداني تتزامن مع مرحلة النضج وتترافق أيضا مع سطوة وسائل الاتصالات وهيمنتها، ففي مرحلة الانتقال من الطفولة أي مرحلة الانتقال من كائن غير جنسي إلى كائن جنسي.
هنا تبدأ المحاولات لإعادة تنظيم وجدانه الانفعالي بحيث يصبح اكثر تقبلا للرسائل المرسلة اليه دون مناقشة او معالجة لمضمونها،فهي تخاطب رغباته المتفجرة بحكم التطور الفسيولجي وتخاطب عواطفه وعقله من هذه البوابة وقنواتها، وبما انه يتغير من الداخل ويعيش في بيئة متغيرة، ويمتلك الاستعداد للتغير فهو سوف يتغير ،باتجاه التعاطي مع البيئة المحيطة به.
وكذلك تبرز ايضا مسألة حول كيفية الملامسة من كتاب اليافعين،لما ما يشعر به اليافع/ة مع مراعاة الكاتب/ة لحالة عدم الاستقرار النفسي والذهني التي يمر بها نتيجة التطور والنمو الحادث على جسده من الداخل ومن الخارج، خصوصاً أن اليافع/ة يواجه متغيرات فسلجية يقوم بفحصها واكتشافها،وهي تشغل تفكيره، ويرصد بعين ثاقبة ردود افعال المجتمع ازاء نموه واتجاه سلوكه.
وهناك معيق يتعلق بعزوف اليافعين عن القراءة، لارتدادهم إلى ذواتهم وانشغالهم بالتطور الحاصل داخل اجسادهم. وترى الكاتبة تغريد النجار أن "سبب عزوف اليافعين العرب عن القراءة (يرجع إلى) وجود خيارات أخرى لديهم، بل تجد لغة الخطاب المطروحة معهم لا تكون مجدية بشكل كاف لكي يتشكل لديهم علاقة حقيقية مع الكتاب والقصة)
وتبرز مسالة العلاقة بين الكتاب واليافعين فنجدها تتسم بقلة الحوارات مع اليافعين للتعرف على احتياجاتهم، وبهذا الخصوص اقترحت الكاتبة الألمانية جابي هوم، من خلال تجربتها في التعامل مع كتب اليافعين، «ادارة حوار مباشر مع الأطفال واليافعين في أماكن وجودهم، سواء في المدارس أو الأماكن العامة، للوقوف على اهتماماتهم واحتياجاتهم من الكتب، لاسيما أن اليافع لديه القدرة على التعبير وتحديد رغباته، كما يجب ترك حرية اختيار الكتب التي يفضل اليافع قراءتها من دون التدخل المباشر من قبل الأهل.
,والمعيق الابرز قد يكون في قلة الانتاج العربي في هذاالجنس الادبي الجديد والمولولود من رحم الجنس الادبي الطفلي.
ولما كان التجنيس جنينيا ذهب الناس في محاولاتهم للاحاطة بالمصطلح كل مذهب فوجدنا أن هناك من يسميه ادب الأحداث، غير مراعين لما تحمله هذه الكلمة الاصطلاحية من معنى بعد دخولها القاموس اللغوي القانوني للطفل وفي قانون العقوبات،والبعض حلق بعيدا في عالم التربية والنفس فوجد نفسه ميالة الى تبني مصطلح ادب المرهقين،وان كان هناك ملفوظ مناسب فهو يافع بدلا من (حدث ومراهق) لدلاته ومعناه على صفة الاجساد الغضة اليانعة وعلى اليوفعة السلوكية اللغوية والثقافية والمعرفية فالشخصية في طور النماء، وكل ما يحتاج اليه المصطلح هو وضع دلالات داخله ليتم تجاوز المعنى اللغوي القاموسي ليصبح اكثر ثراءا عند تحويله الى مصطلح سردي. وفيما يتعلق بالخطابين الروائيين لمحمود شقير واحلام بشارات فإننا نميل الى القول بان لغة الخطابين قد جاءت اللغة في خطاب احلام محتشمة في الانساق اللغوية التي تتحدث فيها عن الاجساد العارية في حمام النساء او العارية للاغتسال الطهري للذهاب عن الدنيا، لانها شيئت اللغة وسحبت منها العاطفة والمشاعر الجنسية سواء بالايحاء او بالمباشرة كأنك ترى اجسادا عرية لمليكان في فترينة ملابس لا روح فيها ولا هي تنبض بالحياة،واما اللغة عند شقير فكانت سيميائية تركت لتأويل القارئ فالنص حسب بول ريكور يحمل عد من القراءات وكل قراءة لها معنى. وكل قارئ يؤول النص واللغة حسبما يراه ويفهمه
واننا نتعبر ان رواية " احلام الفتى النحيل" لمحمود شقير ورواية "اشجار للناس الغائبين" لاحلام بشارات عملين ادبين يدخلان في الخطاب الروائي لليافعين وتجربتين ابداعتين جديرتين بالاهتمام ويؤسسان للكتابة في الخطاب الروائي لليافعين، بالاضافة لاعمال ابداعية في الحقل ذاته، بطبيعة الحال.