أنا مُسلم أوروبي . . فماذا أكون برأيكم؟ آخر تحديث:الأربعاء ,22/12/2010
سعد محيو
أي مصير ينتظر مسلمي أوروبا الذين يبلغ عددهم في الاتحاد الأوروبي 16 مليون نسمة (العدد في كل القارة 54 مليونا)؟
الأمر سيعتمد على نتيجة الجدل الساخن الدائر حالياً داخل الاتحاد، حول مسألتي الهوية والأقليات .
فخصوم التعددية الثقافية يقولون إن ما ظنّوا أنه حل لمعضلة المهاجرين المسلمين، وهو الاعتراف بثقافتهم وهويتهم المتميزة والتعايش معهم في إطار الحقوق المتساوية، “فشل فشلاً ذريعاً”، على حد تعبير أنجيلا ميركل، إذ إن التعددية أدّت إلى عزلة المهاجرين المسلمين عن بقية المجتمع، ما سهّل على المتطرفين الأصوليين شق الطريق إليهم .
والحل الذي يقترحه هؤلاء هو نفسه الذي طبقته ألمانيا النازية في الأراضي التي احتلتها خلال الحرب العالمية الثانية: فرض “الألمنة” (من ألمانيا) بالقوة على السكان، لكن هذه المرة مع تلاوين وشعارات ليبرالية . والمثير هنا أن العديد من خصوم التعددية الثقافية في أوروبا هم من قوى اليسار التي تشن أصلاً حرباً لا هوادة فيها على المسيحية والكنيسة، إذ هي تعتبر أن الاعتراف بوجود ثقافة إسلامية مميّزة ومستقلة، هي عودة لسطوة الدين على الحياة السياسية المدنية من نافذة أخرى .
أما أنصار التعددية فيردون أن هذا التوجّه مقدمة للقول إن الثقافة الغربية هي مجموعة من القيم النادرة والمتفوقة الخاصة بالعرق الأبيض، التي لن يستطيع غير البيض حمل لوائها من تلقاء أنفسهم، وبالتالي، لا مناص من فرض هذه القيم بالقوة على المهاجرين أو تشجيعهم على الهجرة . وهم يحذّرون من أن مثل هذا التوجّه سيؤدي إلى تقويض كل مكتسبات ثورة الأنوار الأوروبية التي أعلت من شأن حقوق الإنسان والحرية والمساواة والعقلانية .
هل ثمة طريق ثالث بين هذين التيارين النقيضين؟
أجل، وهو يُطلق عليه اسم تيار ال”ليتكولتور”Leitkultur) )، التي تعني “لب أو جوهر الثقافة” .
أسّس هذا التوجّه عالم الاجتماع البارز بسام الطيبي حين نشر في عام 1998 كتاباً بعنوان “أوروبا من دون هوية”، اقترح فيه تعريفاً جديداً لمايجب أن تكون عليه القيم الأوروبية، فقال إن القيم الضرورية للب الثقافة هي نفسها قيم الحداثة: أي الديمقراطية، والعلمانية، وحقوق الإنسان، وحريات الفرد والمجتمع المدني، والعقلانية والتنوير . إنها القيم التي تستند فيها الحياة الثقافية إلى المنطق والعقل .
وفي هذا الإطار، تصبح التعددية الثقافية مُستندة إلى إجماع حول القيم لا إلى ثقافة أو دين واحد، هي هنا المسيحية الغربية، فتمنع بالتالي ظهور مجتمعات موازية ومنفصلة من المهاجرين المسلمين في قلب المجتمعات الأوروبية .
حين أطلق هذا المخرج الحداثي، حظي بترحيب واسع من القوى اليسارية والليبرالية وحتى من أوساط اليمين المعتدل في أوروبا، لكن سرعان ما استخدم غلاة اليمين فكرة الليتكولتور للقول بأنه طالما أن القيم التي يتم الحديث عنها هنا هي نفسها القيم التي بلورها الغرب في عصري النهضة والتنوير، فيتعيّن على كل من يريد أن يعيش في أوروبا أن يكون غربياً وأن يندمج كلياً في الثقافة الأوروبية بكل أبعادها . ثم طُبّق هذا المعيار على تركيا، فقيل إنه لايجب ضمّها إلى الاتحاد الأوروبي لأن علمانيتها وديمقراطيتها لاتكفيان لجعلها جزءاً من قيم الحضارة الغربية .
ماذا كنت ستفعل، عزيزي القاريء، لو كنت مُسلماً أوروبياً في مثل ظروف كهذه؟