الكذب والفتنة، أم وابنتها، فلا كذب لا يؤدي إلى فتنة، ولا فتنة لا تنتج عن كذب، فإن رأيت فتنة مستفحلة، فابحث عن الكذب، وإن رأيت كذبا متفشيا، فارتقب فتنة (!!) بقلم أسامة عكنان
ArabNyheter | 2014/02/15لا يوجد تعليقات
"الحدث السياسي" مشهد في فيلم، أما "القصة السياسية" فسيناريو فيلم (!!)عندما نعتبر أن "الحدثَ السياسي" هو ذاته القصة السياسية، وننطلق منه وحده فنحوله هو ذاته إلى سيناريو، بينما نختزل "القصة السياسية" المتكاملة، في حدث سياسي مبتور ومزيَّف، فإننا نثبت أننا جهلة بالسياسة بمنتهى الجدارة (!!)أسامة عكنانفلتبسِّط المسألة ونُجَليها للقارئ (!!)أن ترتفع وتيرة القتل عبر الاستخدام المُرَوِّع للبراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة، وإحكام الحصار على هذه المنطقة أو تلك في سوريا، فنحن نشير إلى "حدث سياسي" (!!)أن تتجسَّد التجاذبات بين المعارضة والنظام السوري في مؤتمر "جينيف 2"، إلى درجة تضارب تصريحات الطرفين المتفاوضين، والراعيين، والوسيط العربي والدولي معهما، وتقلُّبها من لحظة إلى أخرى، إلى درجة إشعارنا باليأس والإحباط من احتمال تحقيق أيِّ اختراقات قد تضعُ الأزمة على سكَّة الحلول أيا كانت، فنحن نتحدث أيضا عن "حدث سياسي" (!!)أن يستقبل الرئيس الروسي بوتين، زعيمَ الانقلاب المصري المشير "عبد الفتاح السيسي"، ليعقدَ معه صفقةَ أسلحةٍ بمليارات الدولارات تموِّلُها السعودية والإمارات العربية المتحدة الداعمتين الكبيرتين للمعارضة السورية المسلحة التي يتخندق الروس ضدها، وهما الدولتان ذواتا التبعية المطلقة للولايات المتحدة، فيما قد يبدو للسُّذَج عصيا على الفهم، حدث سياسي يجب التوقف عنده مطولا (!!)أن يطالب بوتين نفسه قبل أسابيع قليلة الرئيس الأوكراني بسحق المعارضة المتفاعلة باضطراد في الشارع الأوكراني والمدعومة من قبل الأوربيين والأميركان، قبل أن تعزلَه إن تباطأ في سحقها بعد شعوره بقرب سقوط حليفه الأهم في مخلفات الاتحاد السوفياتي السابق، وبضخامة الدعم الأوربي والأميركي لمعارضيه، هو في واقع الأمر حدث سياسي بالغ الخطورة والأهمية (!!)أن يبدأ الرئيس الإيراني "حسن روحاني" وفور انتخابه وتكريسه رئيسا، مفاوضات جادة مع الغرب حول الملف النووي الإيراي الذي مثلَّ عُقْلَةَ الإصبع في الصراع الشرق أوسطي لجهة الدور الإيراني على مدى سنوات، وأن يتمَّ إحراز تقدم كبير وسريع أسفر عن توقيع اتفاقيات بُدِئَ بتنفيذها فورا، وتكلَّلَت بتوقفِ إيران عن أعمالٍ كان الغرب يعتبرها عدائية في مجال الملف النووي، وبرفع التجميد عن بعض الأرصدة الإيرانية المُجمدة، وبرفع بعض مظاهر العقوبات الاقتصادية عنها، لهي أحداث سياسية لا يستهان بها (!!)أن يستفحلَ الصراع الدامي بين فصائل مقاتلة يفترض أنها كانت منذ وقت قريب تقف في خندقٍ واحد ضد النظام وإن يكن شكليا، ويتم حرص بعضها على إضعاف البعض الآخر وتحييده وتقليص نفوذه على الأرض بالقتال الشرس، والبدء بإلصاق التهم به باعتباره خادما للنظام وأداة له، من مثل ما حصل على الأرض بين "النصرة"، و"داعش" من جهة، وبين "الجيش الحر" و"داعش" و"مجموعات إسلامية" أخرى من جهة أخرى، لهو حدث سياسي لا يصح المرور عليه مرور الكرام، فالكرم في مثل هذه الوقائع يعتبر رذيلة لا فضيلة (!!) أن يُعلِنَ الرئيس الأميركي "باراك أوباما" انتقاداتِه اللاذعة للنظام السوري في ضوء سيرورة المفاوضات في "جينيف 2"، وأنه سيغيِّرُ تعامله مع الأزمة السورية، ليطالبَ روسيا بالضغط على حليفها في دمشق ليكونَ إيجابيا في المفاوضات التي أثبتت المعارضة خلالها – كما صرَّح هو وغيره – أنها أكثر نضجا وعقلانية وحرصا على الحل السياسي من وفد النظام، يعدُّ من الأحداث السياسية بالغة الأهمية (!!)أما أن تُصْدِرَ المملكة العربية السعودية تصريحا رسميا بموافقتها على دعم المقاتلين السوريين المعارضين للنظام بصواريخ أرض جو مضادة للطائرات، محمولة على الكتف، يعتبر أهم الأحداث السياسية الأخيرة على الإطلاق (!!)نعم إن كلَّ تلك الوقائع التاريخية التي ذكرناها هي "أحداثٌ سياسية" متناثرة، يعرفها المتابع العادي والمراقب متواضع البصر والبصيرة (!!)ولكن هذه "الأحداث السياسية"/المَشاهِد، تبقى غير قادرة على منحنا "فهما سياسيا"، إذا لم نتمكن من مَنْتَجَتِها وتوليفها بحِرَفِيَّةٍ عالية، لتشكِّلَ سيناريو لفيلم يروي لنا "القصة السياسية" الكامنة وراء تلك المشاهد المتناثرة ذاتها (!!)فما هي "القصة السياسية" التي ترويها تلك "الأحداث السياسية" (؟!) قد يتوقف المحلل السياسي المراقب للأحداث عن كثب عند اعتبار تلك الأحداث: إما مقدمات لحلٍّ قد اقترب، يحرص النظام فيه على مواقع تفاوضية متقدمة، ويحرص معارضوه على كسب مواقع متقدمة ضاغطة عليه لضمان نتائج تفاوضية تصب في خنادق إستراتيجياتهم (!!) وإما أنه مقدمة لتأجيلٍ طويلِ المدى للحل النهائي للأزمة، عبر فرضِ حالةٍ أمنية وإنسانيةٍ بالغة الخطورة وغير مسبوقة في تاريخ الأزمة، يُعْتَبَر التنازل عن بعض مُكَوِّناتها لاحقا ومن خلال التفاوض إنجازا في ذاته يُحْسَبُ للنظام، كي يصبحَ الحديث عن حلٍّ يتنازل فيه النظام عن أمور أخرى حديثا مُحرجا للطرف الآخر وأنصاره، أمام حالةٍ يبدو أن النظام يتنازل فيها أمنيا وإنسانيا، ولا يتنازل خصومه، بل لا يجيدون غير مطالبته بالتنازل دون تقديم شيء من طرفهم (!!)ليس بأمر شديد الأهمية إدراك "المنعطفات في السيرورة الحَدَثِيَّة" في "قصةٍ سياسية" ماَّ تُعْتَبُر أكبرَ من كلِّ أحداثها، إنما المهم هو تَلَمُّس فصول القصة ذاتها من خلال الترابطات المرجَّحَة بين تلك الأحداث، في سياقِ قراءةٍ أشملَ، تستدعي التاريخ وكلَّ حواضنِ تطوُّرِ الإقليم الأساس، القادرة وحدها على تقديم تفسيرٍ أعمق وأنضج للفيلمِ المعروضةِ أمامنا مشاهدُه، المشهد تلو الآخر بتسارعٍ قد يفقدنا السيطرة على جهاز "المافيولا السياسي"، إن استجبنا للارتجال الذي تفرضه علينا تلك السرعة، ولم نتح لعقولنا الفرصة كي تخوضَ في الأعماق وتقتنص اللآلئ المكنونة في صدفات "صُناع الأحداث" الإقليمية والدولية (!!)قراءةٌ تحليليةٌ في سياقٍ تاريخي له دلالات (!!)في نهاية سبعينيات القرن العشرين حدث أمران كبيران هزاَّ الإقليم الذي تعرفه الأدبيات السياسية العالمية بالشرق الأوسط، هزاًّ عنيفا، وهما أمران يقعان على طرفي نقيض، لكنهما يستنهضان الماردَ النائمَ والغافلَ نفسَه: الأمر الأول.. إبرام مصر السادات اتفاقيات "كامب ديفيد" مع "إسرائيل"، مُسْقِطَة خيارَ مواجهة ومقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني، تاركة كلَّ القضايا الناجمة عنه مُعلَّقَة بلا حلول وهي: "الجولان"، و"الضفة الغربية الأردنية"، و"القضية الفلسطينية"، و"جنوب لبنان"، بكل ما يعني انسحاب مصر من خندق المواجهة والمقاومة من معاني اليُتْم الذي أصاب العرب بوفاة الأب الراعي.الأمر الثاني.. سقوط شاه إيران بالثورة الإيرانية التي أطلقت على نفسها اسم "الثورة الإسلامية"، مغيِّرَة معادلات الصراع في المنطقة تغييرا جذريا، ومدخلة عنصرا جديدا جدَّةً كاملة في تلك المعادلات، هو عنصر "الدين الإسلامي" عبر مبدأ "الجهاد" البراق والأخاذ والجذاب لمئات الملايين من المسلمين الذين كانوا ينتظرون لحظةً يجدون فيها من يوجههم عبر بوابة الجهاد إلى تحرير فلسطين ومسرى الرسول الكريم ومسقط رأس المسيح.إذن كان هذان الأمران هما الزلزالان اللذان أصابا الإقليم في تلك الفترة، وهما زلزالان متناقضان، أحدهما يمثل "هزيمة" والآخر يمثل "انتصارا". كانت الهزيمةُ هزيمةً للنظام العربي القائم على فكرة "القومية"، مثلته انتكاسة "كامب ديفيد". وكان الانتصار انتصارا لنظام جديد كان العرب قد افتقدوه منذ أكثر من نصف قرن، هو النظام القائم على فكرة "الإسلام الجهادي" الأممي والعالمي الذي يعلو ويسمو على كلِّ القوميات والاثنيات، مثلته "الثورة الإيرانية" – على الأقل في خطابها المعلن الذي جسَّدته مواقفها الفورية من القضية الفلسطينية – التي أسقطت واحدا من أعتى الأنظمة الوظيفية المساندة للإمبريالية والصهيونية في العالم وهو نظام الشاه "محمد رضا بهلوي".فإذا كانت هزيمة "كامب ديفيد" وحدها كافية لأن تجعل البُنْيَة الثقافية العربية تبدأ بالبحث عن أرضية أيديولوجية ومعتقدية جديدة تخوض بها ومن خلالها غمارَ معركةِ تحرُّرِها ونهضتها، من الصعب أن تكون شيئا آخر سوى "الإسلام"، في ظل تخاذل "القومية العربية" بموت الأب "مصر"، وفي ظل عدم قدرة "الشيوعية الأممية" على أن تكون البديل المحتمل للقومية وللإسلام اللذين يقدران دون غيرهما على الاستجابة للمكونات الثقافية للإنسان العربي، فلنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يفعله الزلزال الآخر الذي مثل "زلزال الانتصار" الذي ساقته الأقدار متزامنا مع "زلزال الهزيمة"، من تفعيلٍ لعملياتِ التخلُّق الثقافي الجديدة، ومن تسريع لها، لتستعجلَ احتضان تفاعلات المرحلة الجديدة التي أطلت بوجهها عبر "هزيمة" القومية العربية، و"انتصار" الإسلام الجهادي، وهما ما لم تجد الأمة فيهما سوى محفِّزَين على استنهاض المارد نفسِه، ألا وهو "المارد الإسلامي الجهادي" الغافل والنائم.تُذَكِّرُنا الفضاءات التي أنتجتها هذه المعادلة الثنائية المُكَوَّنَة من "هزيمة القومية العربية" في كامب ديفيد، ومن "انتصار الإسلام الجهادي" في الثورة الإيرانية، بحالة تاريخية شبيهة تماما بهذه المقاربة التي تكاد تكون ناموسا تاريخيا يُجَسِّدُ العلاقة بين الهزيمة والنصر بصفتهما نقيضين في إحداث التغيير غير المتوقع، عبر تخليق حالةٍ تقدُّمِيَّةٍ جديدة مُكَوَّنَة من نتاج صراعهما كضدَّين، عندما يكونان هزيمة ونصرا يلتقيان عند نقطةِ تَمَرْكُزٍ تاريخية عالية الكثافة والاحتقان. إن هذه الحالة الشبيهة هي ما حدث في الأردن في منتصف عقد الستينيات من القرن العشرين، عندما أسهمت كلٌّ من "هزيمة حزيران" و"انتصار الكرامة" وهما الضِّدان المتناقضان، في دعم وتفعيل المد الثوري الشعبي المقاوم لإسرائيل باعتباره حالة تقدمية نشأت في بيئة الصراع المجتمعي المتخلِّق في قلب صراع ذينك الضِّدَّين المتناقضين.سقط المشروع القومي العربي بالزعامة الناصرية سقوطا مروعا في "حرب حزيران عام 1967"، سقوطٌ كان أكبر من مجرد هزيمة عادية. ولأن القدر ألحقَ بهذه الهزيمة التي تعرَّض لها "نظام المواجهة القومي العربي الرسمي"، انتصارا بعد أقل من عام حققه "نظام المواجهة الثوري الشعبي" في معركة الكرامة في آذار عام 1968، بشكل غير متوقع ولا مسبوق، فقد خلق هذا الضِّدُّ حالةَ صراع عميقة وحادة مع ضِدِّه السابق وهو "الهزيمة"، كان من الطبيعي أن يحصل بسببه – أي بسبب ذلك الصراع بين الضدَّين – تولُّد بٌنْيَة تقدمية جديدة، جسَّدها الالتفاف الجماهيري والشعبي حول الظاهرة الجديدة التي حققت الانتصار وأنجزته، لتصبح هذه البُنيَة هي مجسِّدَة مشروع التحرير الذي فشل فيه النظام العربي الرسمي. فهزيمة حزيران جعلت اللاوعي العربي ممثلا في رأس حربته الأردنية الفلسطينية يبحث عن البديل الأيديولوجي والمعتقدي القادر على تحقيق النصر وقيادة عملية التحرير، وفي سياق البحث يسوق القدر ذلك النموذج "الكرامي" الذي انتصر، ليصارعَ ضدَّه وليخلقَ به ومن خلاله مولودا جديدا وقع الخيار عليه ليكون هو البديل الذي كان الكلُّ يبحث عنه.
إن هذا التناغم بين هزيمةٍ للنظامِ العربي الرسمي حصلت في "حزيران"، وبديلٍ ثوري شعبي تجسَّد لاحقا في انتصار "الكرامة"، يتماهى كلَّ التماهي، ويحاكي كلَّ المحاكاة ما حدث في نهايات سبعينيات القرن الماضي، ولكن في نطاقٍ جغرافي أوسع، هي حدود الإقليم كله، بعد أن كان النموذج "حزيران – الكرامة" محصورا داخل الجغرافية الأردنية الفلسطينية. فكانت "هزيمة القومية العربية" في "كامب ديفيد"، التي ألحقها القدر بانتصار "الإسلام الجهادي" في "الثورة الإيرانية"، هي حالة التناقض والتضاد التي تكرَّرت مشابهة لحدث ستينيات القرن نفسه، ليكون "الإسلام الجهادي" هو الأيديولوجيا الجديدة التي كان على المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي أن يواجهَها ويعمل على إفشالها وتفريغها من كلِّ الزَّخم المتوقع منها على صعيد إعادة إنتاج المنطقة بشكل يهدد ذلك المشروع برمته، ويمهدُ الطريق لتحرير فلسطين والقضاء على إسرائيل الصهيونية.أتراهُ أمرا عابرا بلا دلالة عميقة، أن تتوجه الأنظار جميعها في تلك الفترة صوبَ "أفغانستان"، لتحريرها من الغزو الشيوعي الإلحادي(!) الذي جاء محتلا أرض المسلمين(!) ليغزوَ منها العالم الإسلامي(!) وينشرَ فيه الإلحاد والفسق والفجور.. إلخ(؟!)
هل يعتبر أمرا عاديا وغير مثير للريبة، أن تكون دماء القتيل الذي تمَّ دفنه في "كامب ديفيد" وهو "المشروع القومي العربي" لم تجف بعد، وأن يكون الشارع العربي ما يزال يغلي لمدى الاستهانة بفلسطين وبحق العرب والمسلمين فيها وفي الضفة الغربية وفي الجولان وفي جنوب لبنان المحتل.. إلخ، ومع ذلك تبدأ كلُّ عمليات التعبئة والحشد الجهادية وتنصبُّ باتجاه أفغانستان على بعد ثلاثة آلاف ميل من قلب بؤرة الصراع الحقيقية ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي، لتغدوَ هي قبلة الجهاد ودولة الخلافة المرتقبة التي قال عبد الله عزام – غفر الله له – في كتابه "السرطان الأحمر" أنها ستكون طريقنا إلى فتح "روما"، تصديقا لحديث الرسول الكريم الذي لست أدري أيُّ الشياطين نسبه إليه عليه السلام (؟!)هل يُعدُّ أمرا بريئا لا غبار عليه، أن يتمَّ امتصاص كلِّ أجِنَّة الثورة العربية المرتقبة، والتي بدأت تجد مبررات اكتشاف نفسِها في الخروج على نموذج "كامب ديفيد" مستقويةً بالنموذج "الإيراني"، بصفتيهما النموذجين النقيضين اللذين سيُخَلِّقان تلك الأجِنَّة.. نقول.. هل يُعدُّ أمرا بريئا عابرا أن يتمَّ امتصاص كلِّ ذلك فقط بإعلان الدول العربية مقاطعة مصر السادات، مُلْهِيَة الجماهير العربية بلغَطٍ ولغوٍ عديم القيمة حول هذه المقاطعة يستنزف زخم غضبتها، والتحوُّل مباشرة صوب القبلة الجديدة "كابول"، وفتح كلِّ الطرق لنقل الشباب المتحمس ليموت هناك، وليجاهد الملحدين هناك، وليحرِّرَ الأرض التي احتلها الملاحدة هناك، وليقيمَ دولة الخلافة هناك، ولينشرَ الإسلام من هناك، حيث أعلى نسبة أمية وبدائية وتخلف في العالم على الإطلاق، لتتمَّ أكبر عملية حرف للبوصلة التي كانت قد بدأت تتوجَّه بفعل الزلزالين نحو فلسطين، فتحمل كلُّ الدول العربية الوظيفية لواء العمل الدؤوب على إنجاح مشروع حرفِ البوصلة هذا، لتنفرد إسرائيل مجددا بالمقاومة في لبنان وتقضي عليها قضاء مبرما ونهائيا، مهيِّئةً كلَّ الفرص لكامب ديفيد ولكافة مشاريع التسوية اللاحقة لأن تتثبَّت وتتجذَّر وتترسَّخ بعد أن تمَّ حرف جيلٍ بأكمله عن جادة الصواب ليخدم الشيطان ومشاريع الشيطان (؟!)نعم إنها الحقيقة المُرَّة التي لا يصح أن نمرَّ عليها مرور الكرام، ولا أن نغمضَ أعيننا عنها بحال، لأنها مثلت وما تزال أكبر عملية تزييف للوعي الجمعي لجيلٍ بأكمله من الشباب العربي، وأكبر عملية تعبئة مشوَّهَة في التاريخ لمهزلة من مهازل الاقتتال البراغماتي الميكافيللي، الأبعد ما يكون عن الإسلام وعن خدمة المسلمين ومصالحهم، والتي سُمِّيَت زورا وبهتانا "جهادا"، إنها تلك الحقيقة المرة التي جعلت "أفغانستان" موطن الجهل والأمية والمخدرات والأفيون والقَبَلِيَّة البشعة، بؤرة الإسلام، وقِبلة المجاهدين، ومفتاحَ جنةِ المريدين، إنها بلا أدنى تحفظ جزءٌ مظلمٌ من تاريخنا ما نزال ندفع ثمنه حتى الآن على كل الصُّعُد، وهو في الوقت ذاته جزءٌ لا يتجزأ من المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي اقتضته ظروف المرحلة التي فرضت على ذلك المعسكر الثلاثي المعادي للأمة أن يتعامل مع إقليمٍ بدأ يتغير ويتحول متأثرا بأكبر زلزالين قلبا فيه كلَّ المعادلات هما "كامب ديفيد" و"الثورة الإيرانية"، كي لا يحدثُ التغيير فيه، بل كي يحدث إن حدث بعيدا عنه في أقاصي بلاد المسلمين حيث توفرت عناصر الترحيل والتحويل وإمكان التزييف والتزوير في تلك المرحلة.لقد كانت أفغانستان إذن هي أكبر فخٍّ إستراتيجي اسْتُدْرِجَ إليه جيلٌ بأكمله من الشباب العربي المتعطش للموت في سبيل الله تحريرا لأرضه المحتلة، وأكبر حقنة مقويات حقنت بها شرايين الأنظمة الوظيفية لتعيد إنتاج وظيفيتها وتقاوم عناصر التآكل والتَّحَلُّل والفناء التي بدأت تهددها بفعل الزلزالين، كي تستمر في الحياة، بعد أن بدأت تساعد على ذلك عناصر اسْتُكْمِلَت من خلالها أجِنَّة البناء الأيديولوجي الدافعة لجيل الشباب الباحث عن "الجهاد" كي يخوضَ معركته التاريخية الفاصلة. ولقد كان كهنة الوظيفية العربية ممثلين في كلٍّ من "النظام السعودي" وباقي دول الخليج من جهة، و"النظام الأردني" و"النظام المصري" من جهة أخرى، هم من تولى كبرَ هذه الجريمة التاريخية، فقادوا عملية الحشد والتعبئة والتسهيل والإرسال والتمويل والتدريب.. إلخ، باتجاه أفغانستان.اليوم تتكرَّر اللعبة، ويُصار العمل على قدمٍ وساقٍ لإعادة إنتاج "أفغانستان" في "سوريا"، واستبدال "كابول" بـ "دمشق" (!!)
ولكن ما الذي حصل في الإقليم من الأمور الشبيهة بما حصل في أواخر سبعينيات القرن الماضي ليُصارَ إلى إعادة إنتاج النموذج الأفغاني على شكلِ نموذج سوري هذه المرة، ولتغدوَ القبلة هي "دمشق" بعد أن كانت هي "كابول" فيما مضى (؟!) إنه الثنائي المتناقض نفسه بالضِّدَّين الأزليين الصانعين للقفزة التقدميَّة المبشِّرَة، يطِلُّ برأسه ليؤكد لنا على أنه ناموسٌ لا محيد عنه، إنه ثنائي "الهزيمة" و"النصر"، "هزيمة النموذج القومي العربي المقاوم"، و"انتصار النموذج الشعبي العربي الثائر"، الهزيمة تجسَّدت في احتلال العراق على ذلك النحو المهين الذي رأته الشعوب يحدث أمام أعينها، دون أن يحرك أيُّ نظام عربي ساكنا إلا باتجاه إخراس أيِّ مواطن عربي تُسَوِّلُ له نفسه الاعتراض على عملية الاغتصاب المعيبة، والانتصارُ تجسَّد في إسقاط ثلاثة أنظمة عربية وظيفية، أو تغيير بعض أركانها على الأقل بالفعل الشعبي المنتفض على الأرض (!!)الهزيمة أسقطت كلَّ ما تبقى من أملٍ في الرهان على كرسيِّ أو عرشِ حاكمٍ أداةً للتغيير والتحرير، والانتصار أسقط كلَّ حواجز الخوف، وعقدَ الآمال على حركة الشعوب، بعد أن أنجز المصريون، والتونسيون قبلهم، واليمنيون بعدهم، بعض مظاهر ثوراتهم وإن لم يستكملوها قطعا، مع أنهم جميعا ما يزالون يتخبطون بسبب أن هنالك من دخل على خط اللعب ليُفْقِدَ الانتصارَ الجزئيَّ قيمتَه ورونقَه وأهميتَه، وليعيدَ إنتاجَه على نحوٍ يتماهى مع وجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي في المرحلة المقبلة، مستغلا المتغيرات الحاصلة على أرضٍ هَشَّة وغير صلبة – شكَّلَ هشاشتَها وخلَّقَها الافتقارُ الواضح إلى "المشروع النهضوي" لدى كلِّ الحراكيين والثائرين في تلك الدول التي تمت جندلةُ رؤسائها – بكفاءةٍ للقفزِ عليها واستلابها وسرقتها كي تفقدَ سيرورتَها الحقيقية نحو الإنجاز التغييري والتحريري والوحدوي والنهضوي عموما (!!)الهزيمة في بغداد، وبعد أن ساقت لها الأقدار تلك الانتصارات المحدودة المتخبطة في القاهرة وتونس وصنعاء، أعادت إنتاج، أو على الأقل فتحت الباب على مصراعية لإعادة إنتاج هذا الجيل من أبناء الأمة العربية على نحوٍ بدأ يعيد النظر معه في كلِّ أبنيته الثقافية، والتي على رأسها تلك المتعلقة بفلسطين، وبالمشروع الإمبريالي الصهيوني، وبالوظيفيات.. إلخ. فكان لزاما بالتالي أن يتمَّ البحث عن مُتَنَفَّسٍ تتمُّ إعادة الإنتاج هذه فيه، وكان لزاما أيضا أن يتمَّ توجيه بوصلة التغييرات التي حصلت لتفقدَ قيمتَها خارج نطاق الوجهة الجديدة التي تمَّ رسمها لتوجيه الجيل الجديد إليها. وإذا كان التاريخ قد ساق لقادة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي في نهاية السبعينيات إقدام السوفييت على احتلال أفغانستان ليتمَّ اختيار هذه الأخيرة متنفسا وقبلة جديدتين يتمُّ صب ذلك الجيل في أتون محارقهما، فإن التاريخ ساق لقادة هذا المشروع المعاصرين الحدث السوري المُبَكِّر بكل خصوصياته وتشعباته وتعقيداته باعتباره حالة من حالات التغيير والتحرك الشعبي التي راحت تتلاحق في الإقليم، ليلعبوا من خلاله اللعبة نفسها، وليقوموا بعملية الحشد والتعبئة والفرز التي حدثت في أفغانستان ذاتها، بتغييرات رتوشية قِشْرِيَّة فقط تفرضها التباينات الزمانية والمكانية بين الحالتين ليس إلا.فلنتابع وجه الشبه التي تصل إلى حدِّ التطابق بين النموذجين: في أفغانستان تجلَّت الحالة في بدايتها على شكلِ معارضةٍ تثور ضد نظام شيوعي مدعوم من السوفييت (!!)
وفي سوريا بدأت الحالة تتجلى في التوصيف السائد لها في معارضةٍ تثور ضد نظام دكتاتوري طائفي مستبد مدعوم من إيران (!!)في أفغانستان تطورت الحالة إلى دعم عربي خليجي للثوار الأفغان، تعاطفا مع ثورتهم ضد نظام شيوعي يريد أن يُخَرِّبَ حياة شعبٍ مسلم (!!)وفي سوريا تطورت الحالة إلى دعم عربي خليجي للثوار السوريين، تعاطفا مع ثورتهم ضد الاستبداد والدكتاتورية والعلمانية والطائفية.. إلخ (!!)في أفغانستان وبعد أن شعر السوفييت بالخطر على النظام الذي يدعمونه، تدخلوا بطلب منه لحمايته، فاستفحل الأمر وغدا غزوا واحتلالا شيوعيا إلحاديا لبلاد المسلمين (!!) وفي سوريا وبعد أن شعر الإيرانيون بالخطر على النظام الذي يدعمونه تدخلوا مباشرة عبر قوات القدس وقوات الحرس الثوري، أو بالوكالة عبر حزب الله، لمساندته فيما لا يستطيع القيام به باعتبار جيشه مؤسسة عسكرية نظامية غير مدربة على مواجهة الحرب الشعبية (!!)في أفغانستان وبعد أن استقرَّ وضع الصراع على اعتبار أنه غزوٌ سوفييتي شيوعي إلحادي لدعم نظام شيوعي إلحادي يريد أن يُدَمِّرَ الإسلام وأن يغزوَ بلاد المسلمين منطلقا من أفغانستان، استقرت الأوضاع في الجانب الآخر، ليتدخل كلُّ العرب الوظيفيون وكلُّ الغرب بشكل علني لدعم الثوار الأفغان سياسيا وتسليحيا وإعلاميا وماليا لحماية المسلمين من الإلحاد (!!) وفي سوريا وبعد أن استقرَّ وضع الصراع وتمَّ توصيفه على اعتبار أنه غزوٌ إيراني عبر رأس حربته حزب الله بطابعه المذهبي الشيعي الذي يريد أن يدمِّرَ الإسلام السُّنِّي ويقضي على المسلمين السُّنَّة بالتحالف مع النظام الطائفي العلوي في سوريا، استقرت الأوضاع في الجانب الآخر، ليتدخل كلُّ العرب الوظيفيون وكلُّ الغرب بشكل سافر ومعلن ليبديَ الجميع استعدادهم لدعم المعارضة السُّنِّيَّة بالسلاح، مع التركيز على الطبيعة المذهبية لأطراف الصراع، كما كان يتمُّ التركيز على الطبيعة المعتقدية لأطراف الصراع في أفغانستان (!!)في أفغانستان وعندما أصبح الأمر بمثابة سياسة عامة للدول الوظيفية وإستراتيجية ثابتة لها في قلب الإستراتيجية الإمبريالية الصهيونية، بدأت الآلة الدينية تتحرك لتدعو إلى الجهاد لتحرير بلاد المسلمين من الاحتلال الشيوعي الإلحادي الذي يقوده الدبُّ الأحمر.. إلخ، وراحت الفتاوى تنهال كالمطر على رؤوس الشباب من كلِّ حدبٍ وصوب، حتى غدا الجهاد في أفغانستان عقيدةً يتمُّ التشكيك في عقيدة من يُشَكِّكُ في مشروعيتها (!!) وفي سوريا وعندما أصبح الأمر بمثابة سياسة عامة للدُّوَل الوظيفية وإستراتيجية ثابتة لها في قلب الإستراتيجية الإمبريالية الصهيونية كما هو واضح، بدأت فتاوى العلماء المسلمين تمطرُ رؤوسَنا ورؤوسَ هذا الجيل من شبابنا، مستغلة ارتباطهم العاطفي العميق والأصيل بثورات الشعوب العربية التي يعتبرونها على حق – وهي بالفعل كذلك قبل أن يتم حرفُها والقفز عليها واستدراجُها إلى مَقاتِلِها بالعسكرة أو بغير العسكرة – لتشكيل العقيدة الجديدة التي تريد أن تنشئَ قبلةً جهادية جديدة هي سوريا بدل فلسطين، بعد أن لم تعد أفغانستان بؤرة استقطاب لا مناسبة ولا ملائمة ولا مقنعة حتى للقطط المتسكعة في الشوارع والأزقة، لأداء هذا الدور في هذه المرحلة من تاريخنا – الذي اكتشف فيه شبابنا وأبناؤنا وكلُّ من كان يساند مشروع الجهاد في أفغانستان، أن أفغانستان هذه كانت أكبر كذبة وخدعة وقعوا فيها بعد خدعة جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948، الذي جاء في حقيقة الأمر لإنقاذ المشروع الصهيوني من جهاد الفلسطينيين، وليس لإنقاذ الفلسطينيين وفلسطين من المشروع الصهيوني – ولتنشِئَ استقطابا مذهبيا سُنِّيا شيعيا، أو سنيا علويا، أو إسلاميا مسيحيا.. إلخ، يكون الجهاد قائما على أساسه ووفق معطياته، بعد أن لم يعد هناك أيُ مسوِّغ لأن يكون الجهاد المستهدف قائما لمواجهةِ إلحادٍ وشيوعيةٍ لم يعد لهما وجود أصلا، ولتنشئَ جيلا جديدا من المتشددين والمتطرفين يملأون الأمة خرابا ودمارا كلما عادوا من أرض الجهاد السورية إلى بلدانهم، بعد أن لم يعد هناك من يقوم بالمهمة بعد تصفية وشيخوخة جيل المتشددين الذين أفرزتهم أفغانستان ومرحلة أفغانستان (!!)وبإجراء مقارنة بين الحالتين الأفغانية والسورية وفقَ السياق التوصيفي المرسوم لهما من قلبِ المعسكر الإمبريالي الصهيوني الوظيفي نجد ما يلي: * نظام الحكم السوري يحاكي نظام الحكم الأفغاني الذي حصلت الثورة ضده (!!)* المعارضة السورية المسلحة تحاكي الثوار الأفغان الذين فتحت لهم خزائن الأرض بشكل مدروس، والذين ستُفْتَح لهم في المرحلة القادمة إذا استوجب الأمر ليستمروا في جهادهم على النحو المرسوم (!!)* العلماء المسلمون وفتاواهم الراهنة للجهاد في سوريا، تحاكي فتاوى من سبقوهم للتأصيل للجهاد في أفغانستان (!!)* تَدَخُّلُ حزب الله بطلبٍ من سوريا وبدعمٍ من إيران، وتَدَخُّل إيران ذاتِها يحاكي التدخل السوفياتي في أفغانستان بطلب من الحكم الشيوعي الأفغاني (!!)* شيعية حزب الله وداعمته إيران، والطبيعة العلوية الملصَقَة بالنظام السوري منذ الأزل، تحاكي شيوعية وإلحادية النظام الأفغاني والسوفييت الذين تدخلوا لدعمه (!!)* المسلمون والإسلام في أفغانستان، يحاكون المسلمين والسنة في سوريا (!!)* الذين لم يتغيروا وبقوا هم أنفسهم في خندق واحد، ليؤدوا المهمة نفسَها في المرحلتين وفي الحالتين وفي النموذجين، هم الوظيفيون والإمبرياليون والصهاينة (!!)لقد كان أول مسمارٍ دُقَّ في نعشِ الربيع العربي برمته، هو عسكرة الحراك الشعبي السوري الذي أقنعوه بأنه سيحتاج إلى نموذج ليبي أكثر من حاجته إلى نموذج تونسي أو مصري أو يمني، تمهيدا لـ "سَوْرَنَة" النموذج "الأفغاني"، أو "أفغنة" النموذج "السوري" (!!) لقد تمَّ النجاح في استدراج المعارضين المطالبين بالإصلاح إلى دائرة العنف والقتال والعسكَرَة، إما باختراقهم، وإما باستغلال جهلهم وقصرِ نظرهم. وكان هذا من ثمَّ بمثابة أولِ قائمةٍ تُثَبَّتُ في صرح نجاح المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي، الذي أراد أن يتخلَّصَ من تداعيات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن، ليضمن تفريغَه من روحه الثورية، كي لا يتجه بمشروعه نحو فلسطين باعتبارها بوصلة الحقيقة الدائمة في نجاح أيِّ مشروع تغييري في الوطن العربي.ثم كان تدخل حزب الله وقبله إيران في سوريا بصرف النظر عن العناوين التي طرحها لذلك، فالمسألة في ذاتها أكبر من أيِّ اختزال للأمر في هذا العنوان أو ذاك، هي المسمار الثاني الذي دُقَّ في نعش الربيع العربي والثورة السورية، وبالتالي هي القائمة الثانية في صرح نجاح المشروع المعادي للأمة.ثم كان الافتاء بضرورة الجهاد في سوريا لإنقاذ الشعب السوري من الغزو الصفوي الشيعي، وإبداء الاستعداد لتسليح المعارضة السورية بشكل علني من قبل الولايات المتحدة والسعودية، بما يلزمها لتحقيق التوازن الإستراتيجي على الأرض، هو المسمار الثالث والقاتل الذي دُقَّ في نعش الربيع العربي والثورة السورية، ليكون هو القائمة الثالثة التي بدأ المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي يستكمل بها توازنه في خطته القاضية بمواجهة تداعيات الربيع العربي وتوجيهه نحو الخُلُوِّ من أيِّ خدمة حقيقية لمشروع التغيير والنهضة والتحرير العربي.لقد نحج قادة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي في جعل كلِّ أطراف الصراع في سوريا يخدمون خطتَه، سواء من كان منهم في خندقه في الأساس، أو من كان منهم مضطرا للتعامل معه من منطلق الحاجة والمصلحة، أو من كان منهم في الخندق المعادي له تقليديا، جاعلا منهم جميعا أدواتٍ ترفد هذا المشروع بمتطلبات نجاحه أيا كانت مواقعهم. فالنظام البعثي الحاكم بمنظومة المصالح التي يدافع عنها، والتي تراكمت على مدى قرابة نصف قرن من الحكم الاستبدادي العسكري الفاسد، بعيدا عن أكاذيب المقاومة والممانعة والقومية والوحدة العربية (!!) وإيران بطموحاتها الإقليمية الواسعة، وبقوتها العسكرية الصاعدة الخادمة لهذا الطموح، وبملفها النووي الذي كان الورقة الكبرى التي أتقنت استخدامها اتقانا منقطع النظير، لتحقيق وتجسيد طموحاتها الإقليمية تلك (!!) وحزب الله الذي أثبت أنه "جوكر" قابل للحرق في أيِّ لحظة، وتقديمه قربانا وكبش فداء على مذبح أيِّ تسوية إقليمية يتمُّ فيها توزيع المغانم على المتنافسين الكبار، إيران، وإسرائيل، وتركيا، والذي قّبِلَ بأن يضحي بدون أدنى خجل بكلِّ دعاوَى المقاومة والممانعة كاشفا عن جوهره "الجوكري" الضئيل (!!)والمعارضة المسلحة التي تتوزع بين مختلف الفصائل التي كانت وستكون هي قائدة الشعب السوري وسوريا إلى محرقته في أفران "الأفغنة" تحت مختلف العناوين الجهادية المُفترى عليها (!!) وحراس الفهم الرجعي للنصوص المقدسة ممن يطلق عليهم علماء الإسلام، من مُلَفِّقي الحقائق ومُزَوِّري الدين ومُحَرِّفي القرآن والسنة (!!) والشعوب العربية المتعاطفة مع معاناة الشعب السوري تعاطفا مشروعا وبريئا خاليا من أيِّ لوثة مصلحة بسبب ضحاياه وخسائره التي فاقت كلَّ التوقعات وانتصرت على كلِّ الخيالات (!!) ومصر ما بعد الانقلاب التي دشَّن رئيسُها المرتقب زعيم وعميد الانقلابيين العرب "عبد الفتاح السيسي" مسيرةَ استعدادِ بلاده للتماهي التام مع المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي القائم على "أفغنة سوريا"، بزيارته الأخيرة الخاطفة إلى موسكو بدعم سعودي إماراتي واضح وجلي تجسَد في تمويل صفقة السلاح المصرية الروسية التي أريد لها أن تكون بدايةَ الطعوم المقدمة إلى براجماتيي مافيا ما بعد الاتحاد السوفياتي في موسكو، كي يندمجوا في المعادلة الجديدة ألا وهي "أفغنة سوريا"، دون الانزلاق إلى وهم أن "السيسي" وإنقلابييه وببغاوات المنساقين وراءه من أدعياء المدنية الهزيلة الضيئلة المبتذلة في مصر، يضغطون بزيارة السيسي إلى موسكو وعقد تلك الصفقات الباهتة معها على الولايات المتحدة، في مسيرة بحثهم عن صيغة توازن في علاقاتهم الخارجية مع أكثر من قطب عالمي، مدغدغين عواطف المصريين البسطاء والسّذَّج بأكاذيب العودة إلى ما يشبه المرحلة الناصرية.. نقول.. دون الانزلاق إلى هذا الوهم، إذ في اللحظة التي كان السيسي يوقع مع بوتين – الذي بدا مُفَوَّضا بإعلان ترشيح المشير لخوض انتخابات الرئاسة في مصر من موسكو – اتفاقياتٍ لها علاقة بصفقات التسليح المضحكة المُمَوَّلَة سعوديا وإماراتيا لإيصال الدلالات الشكلية المستهدَفة لتقوية أركان الانقلاب في مصر، كانت هناك ثلاث اتفاقيات استثمارية ضخمة تتعلق بالتنقيب عن النفط في مصر، بقيَمٍ ابتدائية تجاوزت الـ "250" مليون دولار، تُوَقَّع مع شركات نفطية عالمية إحداها "إماراتية"، والأخرى "إيطالية"، والثالثة "أيرلندية"، وكلها برؤوس أموال أساسية وإدارات أميركية قلبا وقالبا، ما يعني أن ما تمَّ الاتفاق عليه في موسكو بأربعة مليارات دولار سعودية وإماراتية هو بمثابة رشوة مقطوعة لقادة روسيا كي يقبلوا الاندماج والتماهي مع المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي القاضي بأفغنة سوريا، في الوقت الذي نجزم فيه بأن بوتين كان يفضِّلُ على مثل هذه الصفقة العسكرية المقطوعة، صفقة استثمارية نفطية طويلة الأمد مع مصر كتلك التي تمَّ توقيعها مع تلك الدول الثلاث (!!)إن الولايات المتحدة تَرشي روسيا بالمال السعودي والإماراتي مستخدمة طموحات ومخططات السيسي وزمرته العسكرية في القاهرة، كي لا تظهر مواقف روسيا القادمة في الأزمة السورية بمثابة تنازلات من قِبَل "روسيا المرتشية" للأميركيين والخليجيين الراشين الفعليين، بل لتظهرَ باعتبارها انتزاعات إقليمية روسية من فم الأسد، بناء على منظومة مصالح تقررها السياسة العليا لروسيا القيصرية المعاصرة، جعلتها تتنازل في "دمشق" كي تكسب في "القاهرة"، مع أنها لم تكسب شيئا سوى المال وبيع السلاح فقط (!!) كما أن الولايات المتحدة تُمَهِّدُ لتسليح المعارضة السورية بصواريخ متطورة مضادة للطائرات تُحْمَلُ على الكتف، من خلال السعودية التي سيكون شراؤها للسلاح أو امتلاكها له شرعيا ولا يعارضه الكونغرس الأميركي، ولا ينتقده الشعب الأميركي، لأجل أن تصبح المعارضة – وبشكل مدروس بعناية – مسلحة بما يكفي لأن تكون سيساسة الأفغنة ذات معنى ومجدية على الأرض من خلال توازنات عسكرية وتسليحية (!!) كما أن الولايات المتحدة تعترف لإيران بجزء من طموحها الإقليمي سواء في العراق أو في الخليج العربي أو في البرنامج النووي مقابل تنازل إيران عن مواقفها المتشددة إزاء الأزمة السورية، وحزب الله، تمهيدا لقصقصة أجنحة النظام السوري، إما كي يجد نفسه يقاتل وحيدا وبدون سند سياسي أو عسكري بعد أن يكون فقد جزءا مهما من عناصر دعم داعميه الأساسيين وهم روسسا وإيران وحزب الله (!!)وكي تشعر روسيا بالقلق، وبأنها لا تملك كلَّ ما تتخيله من أوراق مفتوحة الفضاءات، وكي لا تبالغَ في استغلال موقعها الجيوسياسي من الأزمة السورية، فتندفع نحو مقابضة تنازلاتها بابتزازٍ واسع النطاق للولايات المتحدة وللخليجيين، فإن توقيت الأزمة الأوكرانية الداخلية الضاغطة بشكل كبير على الرئيس بوتين وعلى إدراته في الكريملين، سوف تقوم بهذا الدور خير قيام، فيجد الروس أنفسَهم معنيين بالتواضع في مطالبهم الخاصة بجني ثمار ارتزاقهم السياسي الإقليمي، بالضغط على حليفهم السوري ضغطا قد يصل إلى حدِّ التخلي إذا تطلب الأمر ذلك (!!)كلُّ تلك الحلقات والدوائر السياسية تهدف إلى خلق العناصر الموضوعية لاستكمال مشروع الأفغنة الذي ستتولى تلك التنظيمات المقاتلة البائسة الإجهاز من خلاله على ما تبقى من سوريا، سواء انهار النظام وقَبِلَ بالتسوية أو لم يقبل، فهو إن قبل، فسوف تتحول وجهة الاقتتال والاحتراب ليستمر ويتواصل بين الميليشيات المتحاربة باسم الدين، وإن هو لم يستجب واستطاع تأمين نفسه لمدة أطول رغم ما سوف يعانيه بسبب تخلي الكثيرين عن دعمه المفرط، فإن الأفغنة ستتم من خلال وجوده طرفا في معادلة الاقتتال القادمة المستمرة المتواصلة (!!)فلم يعد هناك تخوف من الموقفين الروسي والإيراني، لأنهما يُشْتَرَيان الآن، ويتمُّ تحويل مضخاتهما لتتجهَ صوبَ الصَّبِّ في خنادق المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي المتمثل في الأفغنة، وما على النظام إلا أن يتجاوب مع الحلِّ المؤدي إلى تلك الخنادق ليُبْقي على البقية الباقية من رجالاته وقواته، وإن لم يتجاوب فسيقاتل وحيدا حتى ينهار نهائيا (!!)كل هؤلاء خدموا هذا المشروع، وأسهموا في تنفيذ هذه الخطة، كلُّ من موقعه ووفق ما يتيحه ذلك الموقع من سياسات وقرارات وممارسات وأداءات وأدوار.لا أحد من هؤلاء لم يسهم أو لم يشارك في التأسيس للكارثة القادمة. كلهم آثمون، كلهم مدانون، كلهم متواطئون، متورطون، بحسن نيتهم هم كذلك، بعلمهم هم كذلك، بإدراكهم هم كذلك، بجهلهم هم كذلك، بأجنداتهم الضيقة هم كذلك، بأيِّ صفة ألصقتَها بهم هم كذلك. الأمة مقبلة على كارثة ستعيد لنا عهد الثمانينيات والتسعينيات بأسوإ ما فيهما إن لم نتدارك أنفسنا ونتدارك الهاوية التي نحن منحدرون إليها، قبل الوقوع الكلي فيها، فلا يعود هناك من مجال للرجوع.