النقد الدرامي وحالة السبات
كان الحضور الدرامي
السوري طوال عقدين من الزمن قوياً، ما جعله واحداً من أهم الدرامات العربية
وأميزها، ولا سيما مع دخول الألفية الثالثة، فقد كانت التجربة الجديدة التي تخوضها
الدراما السورية مميزة، حتى مع وجود بعض الأخطاء والعثرات التي صادفتها، التي لابد
من وجودها لاكتمال المشهد المميز الذي أبدعه صناع الدراما كتّاباً ومخرجين وممثلين
وفنيين.
وهكذا انفتحت السوق على مصاريعها بسبب التسهيل الذي حصل عليه القطاع
الإنتاجي الخاص، فكثرت الشركات الخاصة التي أبدعت وتميزت بمستوى الدراما التي عملت
عليها، إن على صعيد الشكل أو المضمون، وهذا ما جعل هذه الشركات في حالة تنافسية
منطقية دائمة لتقديم أفضل ما عندها، فكل واحدة منها تريد تقديم الأفضل والأميز في
الموسم الدرامي، الذي يشكل شهر رمضان وجهه الأبرز.
ولكن ما كان خطأً فادحاً خلال
هذين العقدين الدراميين السوريين، هو غياب، أو شبه غياب للنقد الحقيقي، الذي كان
يجب عليه مسايرة الدراما السورية في عملية صعودها لتتربع عرش الدراما العربية، إذ
اقتصرت عملية النقد على الصحفي منه، والذي لا يُعنى كثيراً بدراسة الفكرة والصراع
الدرامي والفعل الدرامي (الحدث) والحبكة وصولاً إلى الذروة، كما لا يُعنى بطابع، إن
كانت مأساة أو كوميديا أو ميلودراما أو غيرها، مبتعداً كل البعد عن الممارسة
النقدية الأكاديمية الحقيقية، فهو لا يعدو في أغلبه أن يكون متابعة تقليدية بائسة
لهذا العمل أو ذاك، واكتفى الجميع بهذه المتابعات التي لا تقدم للعمل أو تؤخر،
فضلاً عن أنها ليست سوى إعلان ودعاية لهذا العمل أو ذاك، فيما كان المطلوب أكبر
لأجل أن تظل الدراما في حالة تجدد وعطاء مستمرين.
أخطأ النقاد، ولن أقول
بانعدامهم أصلاً في رفد الدراما السورية بالدراسات النقدية المستفيضة التي تُعنى
بهذه الصناعة من مختلف جوانبها، بدءاً بالفكرة التي تدور في ذهن الكاتب ووصولاً إلى
الإنتاج وانتهاء بالتسويق، مما أدى في أحيان عدة إلى أن تكبو هذه الصناعة وتتعثر،
وهو ما أدى إلى انتكاسات عدة في السنوات الست الأخيرة، الأمر الذي أثر في عملية
الإنتاج عموماً.
ولا ننكر الوضع السياسي المضطرب الذي يشهده العالم العربي من
أدناه إلى أقصاه، وهذا عامل مهم في تراجع الدراما العربية عموماً والدراما السورية
منها على الخصوص، فضلاً عن الهروب إلى الوراء الذي شكله الارتماء بأحضان الدراما
التركية، ذلك الاكتشاف التعيس جداً لصُنّاع الدراما السورية، والذي لم يكن منضبطاً،
ما آل إلى نكوص درامانا إلى الوراء، والانكفاء خلف التركية التي احتلت المساحات
الساعية الكثيرة من البث التلفزيوني العربي، وحتى خوض تجارب الدراما العالمية بنسخة
معربة، كما هو الحال مع مسلسل (روبي) الشبيه بالدراما المكسيكية والتركية، مما شوه
صورة العمل.
لن أكون متشائماً بشأن الدراما السورية، ولكن ما لم تتقدم
الأقلام النقدية لتلافي النقص الحاصل في صناعة الدراما، والذي يختص بالنقد تحديداً
فستظل هذه الدراما في تراجع مستمر إلى أن نجد أنفسنا نبكي على هذا الزمن الدرامي
الذي أضعناه بين نقد صحفي استعراضي للأعمال الدرامية، ونقد لا يتجاوز نفسه إلى قلب
الصناعة الدرامية.
عبد الغفور
الخطيب