[size="5"]هل تستطيع أن تترجم؟
تقديم:
الترجمة لاغنى عنها، وضرورة تحتاجها الأمم، تتناقل بينها تجاربها في العلوم والآداب والحياة بعامّة.. وهناك تفصلات أخرى ليس هذا موطنها.
ولكن..
البحث
لكل ّ لسان خصائصه،
ولكل أديب ملكاته،
تقتبس الألسنة بعضها من بعض، ويلوّن بعضها بعضا.
فتتقارب الألسنة في الخصائص، وتتباعد،
ولكنّها لا يمكن أن تتوحّد.
والأدباء يتلاقحون، يثري بعضهم بعضا،
فيتشابهون ، ويتنافرون،
ولكن لا يمكن أن يكون أحدهم نسخة من آخر.
يتأثرالأديب بما حوله، ثم– لا أدري كيف تتفاعل العناصرالمؤثرة فيه، ولا كيف تتلاقح مع ماعنده،- فيخرج للناس إبداعاً جديدا، ولو دخلت هذه العناصر عالم أديب آخر لما أمكن أن يخرج للناس الإبداع نفسه.
والنصّ الذي نريد أن نترجمه – والترجمة ضرورة لا يُستغنى عنها بالقدرات المتاحة التي نتملكها – ليس سوى عنصرمن العناصر التي يتلقاها الأديب الذي يُسمّى مترجما، فيخرج لنا إبداعاً جديدا تتيحه له قدراته الذاتية، ولسانه الناطق به.
إنّ دوافع الأديب المترجم عنه إلى الإبداع، وتفاعلها في نفسه بطريقة لايمكن أنْ تُفسّر، وخصائص لسانه الناطق به، ليست أبداًللمترجم،إنّما نحن أمام مؤثر جديد، وتفاعل مختلف في نفس الأديب، وخصائص لسان متميّز، وإبداع جديد.
من مظاهر الإبداع الأدبيّ فكر ومشاعر وتصوير وألفاظ وتعبيرات في تآلف لايمكن فصله إلا لضرورة الدرس والتقريب من أذهان القارئين.. ولن تكون في النصّ الأصل كما هي في النص المنقول عنه.
لا يمكن أن تُصور المشاعرنفسها، ونحن أمام لسان جديد له صوره ومجازاته وتعبيراته، وأديب - إنسان – مختلف في مشاعره وقدراته..، ولن يتمكّن أن يكون نسخة طبق الأصل من آخر.
النتيجة:
النصّ الأدبيّ الذي يُسمّى مترجما– أو معرّبا- إنما هو عمل جديد، كلّ ما فيه أن المعانيَ منقولة حسبما يتيحه هذا العمل.
نعم! قد يمكن نقل المعاني، مع العلم أن اللفظ ( الشكل ) ثوب يلائم لابسه أي المعنى( المضمون ).
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- يوسف ﴿الآية الثانية﴾
فهل نحن قوم ( متعصّبون ) إن قلنا: لا يمكن ترجمة القرآن الكريم، وإن لم نقبل باسم ( قرآن ) لغير هذا النصّ بلفظه العربيّ المنزّل!!
وهنا نستطيع أن نقول: كلّ ماقلناه خاصّ بالأدب، أمّا العلوم فلا خطرمن أن تُحرّف إذا نقلت إلى لغة أخرى عدا السهو والخطأ المعتادين.
ملحوظة:
عالم الأدب فوق مصطلحات جافّة كـ( العناصر والترجمة، وصورطبق الأصل..)، وعذري في إيرادها أنها محاولات لتقريب البحث من أذهاننا، كما نحاول أن نشرّح النصّ إلى فكر ومشاعر..