تحليل المعلومات وتفسيرها
الكلية كلية التربية الاساسية القسم قسم اللغة العربية المرحلة 2
أستاذ المادة ضياء عويد حربي العرنوسي
- تحليل المعلومات وتفسيرها :
لما كانت دراسة الحالة تعتبر المحصلة النهائيية لكل المعلومات التي تتعلق بالفرد بما فيها وسائل التقويم الاختياري , ولمل كانت هذه المعلومات تتجمع على شكل مجموعات تصنيفية بحيث تختلف كل مجموعة منها عن الاخرى , فأن مهارة تحليل المعلومات وتفسيرها تتطلب عناية فائقة تتمثل في مهارات تحليلية فرعية , تختص كل منها بتحليل مجموعة معية من تلك المموغات المصنفة من المعلومات . فمثلا مجموعة المعلومات التي تتعلق بالهوية الشخصية للمسترشد تحتاج الى مهارة خاصة بتحليلها تختلف عن المهارة التي يجب ان تمارس لتحليل مجموعة المعلومات التي تتعلق بشخصيته وابعادها وهذه بدورها تختلف عن المهارة التي تمارس لتحليل مجموعة مصنفة ثالثة من المعلومات مهما كان تصيفيها سواء كانت تختص بالجانب الصخي ام بالجانب الدراسي ام بالجانب الأسري وتكمن مهارة المرشد النفسي التحليلة والتفسيرية في اختيار انسب الوسائل التحليلية بحيث تتناسب كل منها مع كل مجموعة من المجموعات المصنفة بحيث يفسر كل مجموعة منها على حدى ثم ربطها مع بعضها حتى تبدو في النهاية في صورة متكاملة .
أولا : مهارة وصف المعلومات :
مما لا شك فيه ان وصف المعلومات المجرد في حد ذاته لا يعني شيئا للمرشد ولا المسترشد , ان لم يتناول المتضمنات التي تختبئ في ظلها حيث ان الهدف الاساسي من هذا الوصف هو القاء الضوء على الظلام ال1ي يخيم علة خائص هذه المعلومات التي جمعت متناثرة من كل مصدر ممكن ومحتمل ان يكون مختلفا عن الاخر وحتى يكون الضوء ساطعا وكاشفا لأي تضمين مختبيء بين ثناياها, يجب علي المرشد النفسي أن يمارس هذه المهارة وفقا لأسس علمية مدروسة وهي :
1- الموضوعية :
تتحقق الموضوعية للمعلومات التي توصف بتوفر الصدق في محتواها , والثبات في تداولها . فلا يجوز أن توصف المعلومات المتجمعة حول المسترشد وفق تخمينات المرشد النفسي أو تصوراته أو آرائه الشخصية انما يجب أن توصف كما هي بصراحة ووضوح كما حصل عليها بلا زيادة أو نقصان . ولا يجوز أن يحتمل الوصف أكثر من معني في رؤية أي فرد يطلع علي المعلومات أو يقرأها ,بل ويجب أن يتضمن الوصف معني واحدا لها لأي عدد من الأفراد يتناولونها بالاطلاع والقراءة .
2- النمطية :
تتحقق النمطية في وصف المعلومات عندما يستخدم المرشد النفسي خطوطا عريضة تشكل الاطار العام لمحتواها , متضمنة بنودا محددة في صور منظمة , بحيث لا يجوز اضافة أي بنود اليها ولا حذف أي منها الا اذا اقتضت الضرورة ذلك . إن وصف المعلومات في الصورة النمطية التقليدية التي يستخدمها المرشد النفسي يضمن عدم تسرب أية معلومات خارج الاطار العام للمعلومات , ويضمن عدم نسيان أو اهمال أية حقيقة حول المسترشد لما تشتمل عليه من تسلسل منطقي وفق المجموعات التصنيفية للمعلومات .
3- التكامل :
إن المعلومات المتناثرة هنا وهناك لا يمكن أن تعطي تصورا واضحا عن محتواها ,ولا يمكن أن يلقي الضوء علي الهدف من تجميعها , لذلك علي المرشد النفسي أن يمارس مهارة ربط هذه المعلومات عند وصفها بحيث تتشابك خيوطها في نسيج قوي يظهر شكلها ويحدد ملامحها ويبرز متضمنات ها المختبئة بين ثناياها .
ثانيا : مهارة الاستدلال من تجميع المعلومات وتأثيرها علي حالة المسترشد :
قد يختلف مرشدان نفسيان فيما توصلا إليه من استدلال عند تحليل وتفسير المعلومات المصنفة في مجموعات , والمتجمعة حول نفس المسترشد . ويتوقف هذا بالطبع علي مدي الممارسة الميدانية والكفاءة المهنية وأثرها علي ممارسة كل منهما لمهارة دراسة الحالة . وكلما ازداد تدريب المرشد النفسي علي ممارسة هذه المهارة , وكلما كثرت الحالات التي يزاول دراستها مما يتوفر من التدريب علي تنظيم المعلومات المصنفة المتجمعة حول أصحابها وتسجيلها , ثم التدريب علي تحليل مجموعاتها المصنفة وتفسيرها , فان المرشد النفسي سيكون أكثر من غيره قدرة علي الاستدلال من تجميع هذه المعلومات المصنفة في مجموعات .
ويلعب الاتجاه الإرشادي الذي يعتنقه المرشد النفسي ويتبع خطاه والذي يخطط استراتيجياته الإرشادية علي هداه , دورا هاما في الاستدلال من تجميع المعلومات المصنفة في المجموعات , والمتجمعة حول مسترشد ما , وفي الاستدلال حول تأثير تلك المعلومات علي حالة هذا المسترشد التي وصل اليها فمثلا المرشد النفسي الذي يتعامل مع مسترشديه وفقا للاتجاه التحليلي سوف يعلل كل ما حلي بالمسترشد من مشكلات وما ألم به من صعوبات الي خبرات الطفولة المبكرة في حياته مما يجعله يركز تركيزا كبيرا علي الماضي باحثا عما يخبئه من متضمنات في ثنايا المعلومات المتجمعة حول المسترشد منذ مولده وحتى وضعه الراهن , متأكدا من ومؤكدا علي أن كلمة معلومة عنه في الماضي كان لها دور مؤثر علي حالته التي توصل إليها في الحاضر .
ويسلك المرشد النفسي الإنساني الذي يتعامل مع مسترشديه وفقا للاتجاه الجشطالتي مسلكا آخر عند ممارسة مهارة الاستدلال من تجميع المعلومات المصنفة في مجموعات حول المسترشد الافتراضي الذي سبق ذكره , وسوف يختلف تعليله لتأثير تلك المعلومات علي حالته التي وصل عن تعليل زميله التحليلي لها . سوف يركز المرشد النفسي الجشطالتي علي المعلومات الكلية التي تتعلق بالمسترشد ككل والتي وصل إليها .
وعندما يمارس المرشد النفسي العقلي الذي يتعامل مع مستر شديه وفقا للاتجاه الانفعالي العقلاني مهارة الاستدلال من تجميع المعلومات حول المسترشد وتعليل تأثيرها علي حالته نجده ينحو منحي أخر مغايرا تماما . يبحث المرشد النفسي العقلي في كل المعلومات المصنفة في مجموعات , والمتجمعة حول ذلك المسترشد الافتراضي عن الأفكار غير العقلانية , غير المعقولة (irrational ideas ) التي تختبئ في ثناياها ويظهرها في تسجيله للمعلومات , ويرد إليها كل الاضطرابات السلوكية التي تطرأ على المسترشد عند تحليله لتلك المعلومات وعند تفسيره لبنودها , ومن ثم يبني المرشد النفسي العقلي تعليلاته للاضطرابات السلوكية التي تظهر على المسترشد على الأفكار غير العقلانية التي تتضمنها المعلومات المتجمعة حوله عند ممارسته لمهارة الاستدلال من تلك المعلومات المذكورة .
وقد يضطرب تفكير القارئ الآن بعد تلك الأمثال الثلاثة حول ممارسة مهارة الاستدلال من المعلومات المتجمعة حول المسترشد ومدى تأثيرها على حالته . وقد تطفو عدة تساؤلات على سطح تفكيره مستفسرة عن الأصح والاوفق في الممارسة لهذه المهارة ؟ وعن أي مسلك يتبع المرشد النفسي , وفي أي إتجاة يسير ؟ . والرد على هذه التساؤلات يكمن في ممارسة مهارة الوصف التي تعتمد على الموضوعية والنمطية والتكامل بالدقة المطلوبة وبالكفاءة المرجوة . ان المرشد النفسي الجيد , والمحتك في ممارسته الميدانية وفي كفاءته المهنية يمارس أولا مهارة الوصف وفقا للأسس العلمية الثلاثة التي سبق ذكرها بالتفصيل في المبحث السابق , ثم يمارس بعدها مهارة الاستدلال بناء على الوصف المنزه عن أي تحيز أو تطرف .
وحتى يتحقق الهدف الأمثل من ممارسة مهارة الاستدلال يجب على المرشد النفسي أن يكون ملما بكل النظريات والاتجاهات والاستراتيجيات الارشاديه التي تمكنه من نسخ الخيوط المتناثرة في المعلومات لتعطي نسيجا متكاملا يربط الماضي بالحاضر , يربط مشاعر المسترشد وأحاسيسه بالمعلومات المجردة عنه , يربط السلوكيات المضطربة الصادرة عنه بالأفكار المعقولة وغير المعقولة التي تشغله , يربط وسائل تعلمه للسلوك غير السوي بوسائل تعلمه للسلوك السوي , حتى يصل في النهاية إلى وضع الصورة المتكاملة التي تعكس شخصية المسترشد بكل أبعادها في إطار المؤثرات عليها من معلومات الماضي والحاضر واحتمالات المستقبل بموضوعيه مجردة دون تحيز او تطرف .عند ئذ يمكن للمرشد النفسي ان يتعامل مع مسترشده وفق اتجاهه الذي يتبعه سواء اكان اتجاها تحليليا ام سلوكيا ام انسانيا ام انفعاليا عقلانيا ,..., ام أي اتجاه اخر بناء علي السجل الموضوعي لدراسة حالته الذي بين يديه.
ثالثا : مهارة التنبؤ من تجميع المعلومات :
مما لاشك فيه ,تختلف القدرة علي التنبؤ من تجميع المعلومات المصنفة حول مسترشد مابين مرشد نفسي وآخر , وفقا لمهارته الشخصية وممارسته الميدانية وخبرته المهنية. ولا يمكن أن تمارس هذه المهارة الا في ضوء المعلومات المتكاملة الصادقة والثابتة المتجمعة حول المسترشد حيث بناء عليها يمكن التنبؤ بما قد يكون عليه مستقبلا , أو بما يحتمل أن تصل اليه حالته فيما بعد . وبالرغم أن التنبؤ قد لا يكون صادقا في الكثير من الأحيان , أو قد لا يتحقق بالصورة المأتمل فيها , الا أن ممارسة مهارته تعتبر ضرورة ملحة تفرضها الاستراتيجية الارشادية . وقد أكد مهل هذا المعني عندما أشار الي أن بعض البحوث المبنية علي قياس قدرة الأخصائيين النفسيين في التنبؤ أضهرت تباينا في صدق تنبؤاتهم وفقا لمهارة كل منهم وممارسته وخبرته , مما جعله لا يثق في التنبؤ الاكلينيكي بصورة عامة . وقد رد عليه ثورن بأن الاخصائي النفسي الكفء تفوق تنبؤاته اية تنبؤات أخري ولو كانت من مصدر أخصائي .
يجب علي المرشد النفسي أن يكون حذرا جدا عند ممارسة مهارة التنبؤ من المعلومات المتجمعة حول مسترشد ما . فلا يجوز تعميم تنبؤ من معلومات متجمعة حول مسترشد معين علي مسترشد آخر له نفس الظروف ومتشابه معه في المعلومات , فقد تظهر مفاجآت بيئية خارجية لم تكن في الحسبان تقلب الاوضاع وتغير الاحوال وتبطل صدق التنبؤ . فمثلا اذا دفعت الظروف مسترشد ما الي أن يرتكب جريمة السرقة , فليس بالضرورة أن تكون الظروف المتشابهة لمسترشد آخر دافعا له أيضا لارتكاب جريمة السرقة . وكلما كانت المعلومات المتجمعة حول المسترشد علي أسس تقويمية سليمة مثل الوسائل الاختبارية وغير الاختبارية بما تتضمنها م مقاييس واختبارات نفسية بأنواعها , والملاحظة بطرقها , والمقابلات بتكرارها , كانت الممارسة الفعلية لمهارة التنبؤ من المعلومات اقرب ما تكون للصدق والصحة والتحقق, ولا سيما أن ممارسة هذه المهارة تعتمد أساسا علي مجهودات المرشد النفسي.