فتح في تفكير المؤسسة الصهيونية ( 6 )
الكاتب علاء الريماوي
في مقال الأمس تحدثنا عن انعكاسات التعاطي الإسرائيلي مع حركة فتح على بنيتها التنظيمية والآلية التي إعتمدتها في التعاطي مع الحركة والتي يمكن تلخيصها بعبارة واحدة " العطاء المغدق ، مع تلويح الحرمان " .
هذا العطاء لم يكن مجاني بل حاول نتنياهو إستثماره من خلال فرض أجندة الليكود عبر رؤية المراوحة في الأمكنة الضيقة ، ثم سبقه منهجية لبيرس والتي كانت تهدف إلى وضع إطار حل دائم يعتمد على منهجية الزمن الطويل ، ثم كانت الخاتمة مع باراك الذي وصل إلى قناعة أن فتح باتت قادرة على توقيع إتفاق نهائي من غير القدس واللاجئين .
هذه القراءة كانت حذرة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلي خاصة جزئية القراءة الخاصة بشخص الراحل ياسر عرفات حيث كانت كافة التقارير تتوجس من الرجل ناسبة له التعاطي مع الأزمة بأكثر من خيار حتى لو كان خطرا .
المطبخ السياسي المحيط بالرئيس لم يكن قويا ، ولم يكن مؤثرا و حازما حين كانت المفاوضات في أشدها في كامب ديفيد ، دول عربية ، وشخصيات فلسطينية تخلت عن الرجل في اللحظات الأخيرة حين الحسم .
الإدارة الأمريكية وجدت فرصة ذهبية يمكن تحققها إذا عزلت الرئيس عن العالم الخارجي ، طبيعة الاتفاق وتفاصيله وإغفاله لكل الثوابت جعل الرئيس عرفات يميل إلى تصعيد الموقف من خلال الرفض مما خلق تصورا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ومعها الولايات المتحدة أن عرفات بات العقبة الحقيقية في وجه حل دائم في المنطقة .
الرجل وكعادته حين الأزمة كان يفر إلى مساحة ترتيب الأزمة ، مخطط الرجل كان يقضي إشعال الموقف من خلال إرسال رسائل السخط العام ، هذه الرسائل لم تكن موفقة في الزمان ، حيث كان شارون يجهز لعرش الولاية على حكومة دولة الإحتلال والذي أراد للقدس أن تكون مجده .
تدحرجت الأمور ، وغاب دور الولايات المتحدة في ظل صخب المزايدة على حلبة الانتخابات الإسرائيلية ، فتح بحثت في تلك الفترة عن تهدئة بضمانات ، لكن مشيئة الله أدخلت جنودا من الجيش الإسرائيلي إلى مدينة رام الله نجح الناس الوصول إليهم في مقر الشرطة الفلسطينية ، فقتلوهم على الهواء مباشرة مما أثار باراك الذي إتخذ قرارا بضرب مقرات السلطة .
هذا التصعيد واجه من قبل الرئيس عرفات وبعض من قيادات الصف الثالث بضرورة تحريك الرد العسكري عبر بعض مجموعات من الأجهزة الأمنية خاصة ال 17 ، وبعض التشكيلات من جهاز المخابرات .
جرعة التصعيد تعاطت معها إسرائيل بعنف كبير ، مما أتاح لحماس العودة بنشاطها ،وكذلك الجهاد الإسلامي ، و الجبهة الشعبية بشكل سريع وقوي مما أعجز الأطراف عن ضبط الإيقاع .
هذا التسارع وجدت فتح نفسها في عمقه ، فتخلت كثير من قيادات الحركة عن دورها حيث إنتقل زمام المبادرة للجيل الشاب في الحركة والذي ساهم بقوة في المقاومة .
في هذه الأثناء كانت قوة حماس منظمة في العام 2001 ، قياداتها خرجت من السجون ، خبراتها المتراكمة كانت عميقه ، لذلك أفرز هذا الحال مواجهة قاسية ، خاصة في العملبات التي نفذتها والتي تجاوزت حد الإحتمال في الجانب الإسرائيلي مضافا إلى ذلك كثير من العمليات النوعية التي نفذت على يد الفصائل الفلسطينة الأخرى .
هذا الكم من التصعيد أسقط حزب العمل وجاء بشارون الذي كان قراره إجتياح الضفة الغربية في عملية السور الواقي في العام 2002 والذي كان من جملة أهدافه ضرب المقاومة وتفكيك بيئتها مع إنهاء وجود الرئيس عرفات .
هذا القرار أفقد فتح ما أنجزته ، لكن ثمة متغير مهم وهو إجماع عالمي على تغيير القيادة الفلسطينية وضرب رجالاتها الأقوى من كل الفصائل .
فكان من بين الأهداف الشيخ أحمد ياسين وقيادة الحركة في الضفة وغزة ، ومن ثم أبو علي مصطفى ، وبعد ذلك كان المطلوب رأس الرئيس الراحل ياسر عرفات .
حكاية الطلب وآليته لم تكن سهلة عند المؤسسة الإسرائيلية ، في المتابعة للأواق الإسرائيلية تظل هذا القضية لغزا مهما يحتاج إلى عناية القراءة والتحليل ، ويحتاج أيضا إلى المعلومة الغائبة لأن كل سيناريو يرتبط بمعطيات مختلفة لا يمكن الحديث عنها في هذه القراءة .
لكن المؤكد أن الرجل رحل ، وأن قيادة جديدة تولت دفة إدارة الحركة ، لذلك ستناول في الغد مرحلة ما بعد الرئيس ياسر عرفات إن شاء الله .
م . للتواصل من المؤسسات الإعلامية مع الكاتب والصحفي علاء الريماوي رقم الجول 0595234380