فتح في تفكير المؤسسة الصهيونية ( 3 )
الكاتب علاء الريماوي
في المقال السابق تحدثنا عن واقع حركة فتح بعد الخروج من لبنان في العام 1982 والذي يمكن إجمال هذا الواقع " بالمأزوم خاصة بعد محاولة بعض الدول العربية صياغة فتح وفق متطلباتها كدول ، واستعمال الحركة في الخلافات - العربية العربية- مما أثر بشكل واضح على أولويات فتح ، مما اضطرها لتقديم تنازلات لمصلحة تكيفها مع متطلبات الواقع الجديد .
الأهم الذي ناقشناه في الأعوام 83 ، 84 ، 85 كثرة المبادرات والحديث السري عن تسوية الصراع الفلسطيني من خلال وسطاء كثر والذي إنعكس بدوره على بلورة تيار قوي داخل فتح بات مقتنعا بضرورة التوجه إلى خيار التسوية مع ( إسرائيل) و الذي أعطاه الرئيس الراحل شرعية حذرة عبر السماح له باتصالات تخدم هذا المشروع الجديد .
لعبة الخيارات الجديدة وتياره أربكهما العام 1987 الذي وجه لهما لطمة قاسية لم تكن في الحسابات ، خاصة بعد اتساع جذوة الانتفاضة المباركة ومشاركة فتح الداخل من خلال كوادرها في العمل الجماهري بشكل قوي عزز حضورهم على حساب قيادة الخارج التي بدأت تفقد من وزنها وقدرتها على التحكم بمقاليد الأمور .
هذا الواقع كانت ترقبه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتحاول معه ترسيخ قواعد هذا المتغير الجديد الذي تعززت معه فرصة الضربة الأقوى لحركة فتح عبر إغتيال القائد العسكري والسياسي في الحركة خليل الوزير " أبوجهاد " والذي كان يمسك بخيوط العلاقة مع الداخل الفلسطيني ويدير معهم أولويات المرحلة القائمة .
في فتح الداخل كانت بعض بوادر الخلاف قائمة مع الخارج ، لكن الأهم هو بدء تشكل فرز مناطقي عزز قسمة الداخل أيضا ، هذا الحراك وإن كان هادئا إلا إنه كان متسارعا خاصة مع توسع علاقة قيادات الحركة وعبر سجون الاحتلال مع كافة القيادات الإسرائيلية الأمنية والتي أعطت تصوراتها الإيجابية للمستوى السياسي عن إمكانية إقامة تسوية مع قيادة قتح .
انتفاضة الحجر أدخلت إلى الساحة الفلسطينية متغير منافسة مربك جديد وتمثل في بروز حركة المقاومة الإسلامية حماس مصاحبا ذلك إرتفاع في رصيد الحركات الإسلامية على الجبهة اللبنانية والتي كانت القراءة لهذه الظاهرة في فتح من أنها ستمثل خطرا حقيقيا على البيئة التنظيمية لها ، خاصة في الداخل لأن الفئات المنضوية تحت لواء حماس ظلت هي الأقرب لحركة فتح من الأحزاب اليسارية الأخرى .
خليط المتغيرات ظل متزامنا مع اتساع ظاهرة الانتفاضة وفشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وقفها ، بل تحول طابع المقاومة الشعبية إلى النكهة العسكرية و التي أخذت مداها الجيد في المواجهة مع الاحتلال مما سرع لدى الاحتلال خيار الالتفاف على مقاومة الشعب الفلسطيني وفتح إتصالات مع قيادات في الداخل الفلسطيني وخارجه بشكل مباشر وغير مباشر للحديث عن مسار تسوية برعاية أمريكية وغربية .
الولايات المتحدة وعبر وسطاء عرب وشخصيات أوروبية نجحوا في بلورة خطوط عريضة سمحت بالحديث العلني عن إمكانية مشاركة فتح في تسوية مع الاحتلال من خلال المظلة العربية وخاصة الأردنية وبدعم من المملكة العربية السعودية .
هذا التوجه الجديد أعاد مصر الدولة إلى واجهة المنطقة بعد مقاطعة عربية رسمية خجولة وشكلية بعد كامب ديفيد ، لتعلب دورا مهما في احتضان فتح مرة أخرى في توجهاتها الجديدة التي شكلت غطاءا وبوابة عبور لكثير من الأنظمة لإعلان علاقتها مع دولة الاحتلال .
إسرائيل وكعادتها حين لعب الأوراق تحسن استخدام القراءة قبل المواجهة ، حيث اعتمدت في لعبها على تباين الداخل والخارج ، كما أضافت لذلك نزعة الإستفزاز للرئيس الراحل عبر المس بمكانته كرئيس لمنظمة التحرير من خلال استثنائه من دائرة الاتصال المباشر ، لتترك لمسار القنوات السرية يستثمر كل أوراق الضغط المحيطة بفتح .
فتح وقعت في الفخ الإسرائيلي وتقدمت تحت وطأت الضغط دون كوابح ، ودون سابق معرفة بالإحتلال وقدرته على المراوغة مع عجز واضح لدى المفاوض الفلسطيني الذي لم يعتمد الإستراتيجية بل ذهب إلى التكتيك دون سقف .
هذه الحالة سنتاولها في الحلقة القادمة إن شاء الله ومعها سنركز في واقع فتح قبيل مؤتمر مدريد للسلام وما تلاه من منهجية وضعت الشعب الفلسطيني في عصر جديد وجب الوقوف عليه جيدا