تلك الزمردات الخضراء البراقة المنثورة في قلب البحر المتوسط من الجهة الغربية لا يتذكرها الآن إلا الذين يقصدونها من أجل التصيف على شواطئها وتمتيع أنظارهم في موجها الهادئ وتذ ُكرها أيضاً الخرائط من أجل الملاحة والطيران .
يطلق حالياً على تلك الزمردات اسم جزر البليار تشكل مجموعة كبيرة من الجزر الصخرية تغطي مساحة كبيرة حوالي 4900كم2ووصل عدد سكانها إلى نصف مليون نسمة وهناك خمس جزر رئيسية هي ميورقة ومنورقة ويابسة وفرمنتيرة وقبريرة ويوجد أيضاً مائة جزيرة صخرية وتتمتع تلك الجزر بمناخ رائع جداً فمعدل الحرارة 15درجة مئوية في فصل الشتاء أما في فصل الصيف 27درجة فإن هذا الاعتدال أدى إلى تنوع تضاريسها ما بين سهول خضراء وجبال شامخة وشواطئ أخاذة تلك الطبيعة التي تملك على الرائي عقله ووجدانه لبه وبيانه حقاً سبحان الله الذي خلق فأبدع وصور كأنها فردوس يخيم عليه الهدوء والسلام ولوحة أبدعها الخالق تنبض بالحيوية والجمال لكن للأسف العرب المسلمون يجهلون حتى وجودها مع أنها فصل من تاريخ الأندلس . تلك الجزر لعبت دورها الكبير في النضال ضد الصليبيين , كشفت عن دور رجال الفكر في تاريخ الإسلام . تلك الجزر عانت ما عانت من الحروب . سحقتها حرب ضروس مع الصليبين والبيزنطيين والرومان لكن بالرغم من ذلك حافظت عبر القرون الطويلة على الطابع الإسلامي في العديد من مدنها حتى في أساليب العمران في شوارعها وأزقتها التي تقرع أذنك بصدى الإسلام المشرق , حتى وجوه أهلها توحي لك بملامح الإسلام . لقد أبادت الحروب الإسبانية كل معالمها الإسلامية , وهي الآن قابعة تحت الحكم الإسباني ولا تعرف الإسلام في شيء , فأين التاريخ الأندلسي الذي كان يملأ أرجاء تلك الجزر حيث الفكر بامتدادته والأدب بألوانه و الرفعة والعلو في الدين. والشأن كله إنما هو عن تاريخها الإسلامي المشرق لكي تصبح حقاً منسية . وقد ألّف الدكتور عصام سالم كتاباً راقياً عن التاريخ الإسلامي لهذه الجزر , منذ عام 1982 م وقد وفق في كتابه هذا فجاء وافياً شافياً , والكتاب مجلّد ضخم عدد صفحاته / 679/ صفحة ونشرته له دار العلم للملايين في بيروت 1984م . بالطبع لست من المختصين بالتاريخ لكن لدّي ثمّة اهتمام في بعض جوانبه لا سيما الإسلامي لصلته بتخصصي كباحث في الشريعة الإسلامية , أثارت جزر البليار في نفسي مشاعر الإحساس بعظمة هذه الأمة , وما قدّمته للإنسانية من حضارة راقية شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء وجزر البليار بتاريخها الإسلامي الخصب عطاء شاهد ناطق بذلك .