قوقعة الصبر
بقلم عبد القادر كعبان
إهداء إلى صاحب رائعة "أنا مش عارف أتغير"- الفنان المصري تامر حسني-
وصلت الى البيت لتوي.. مثقلا بهموم الحياة الروتينية.. دخلت غرفتي الضيقة الأركان بهدوء مفتعل.. هويت متمددا كثعبان في سريري البارد.. هي ليلة طويلة كغيرها.. يعاف فيها النعاس ملاطفة أجفاني.. لا أزال عاطلا عن العمل.. أشعر بفراغ قاتل يطوقني.. أحاول عبثا النوم.. أشد وسادتي الناعمة على صدري.. يعود ذلك الصوت الداخلي يهمس خافتا في أذني.. الى متى ستظل تتقلب في مكانك هكذا؟.. في مخيلتي تراءت لي صورة أمي المسكينة.. تلك التي لا تكاد تنام هي الأخرى.. أجدها قبيل الفجر تتمتم بآيات قرآنية تحفظها.. تصلي على خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام.. و كلما لمحتني وجهت نظراتها الخفية الى السماء.. حسبها تدعو المولى عز و جل أن يفتح في وجهي الأبواب.. فجأة.. يرتفع صوت المؤذن مناديا للصلاة.. الله أكبر.. الله أكبر.. أسرع لأطبع على جبينها قبلة و أعدو نحو مسجد الحي القريب.. أجتمع بخير الفتية من رفاقي خالد و مصطفى.. بعد الصلاة.. يعود كل منا الى بيته.. أجدها قد أعدت قهوة الصباح.. تجلس وحيدة بإنتظاري و هي تمسك بيدها سبحة طويلة.. نتناول الإفطار سويا.. بعدها تحملني خطواتي المثقلة ككل يوما بحثا عن وظيفة تمنعني مذلة السؤال.. تتلاطمني أفواج من البشر لاهثة حول رغيف الخبز.. أيقنت أن الأيام تدفعنا للعيش داخل قوقعة الصبر.. لم أكن أتخيل أننا سنواجه قسوة الزمن بهذا الحد.. للحظة.. فتحت الباب (هي أمي الحنون) للإطمئنان علي.. حينها وجدتني أدفن وجهي الذي نزلت من على خدوده دموع ساخنة بين ثنايا تلك الوسادة..