الدروس الخصوصية ظاهرة تنتشر بين طلابنا بالرغم من أعبائها المادية
المصدر آنا البني
14 / 03 / 2007
أسبابٌ عديدة ساهمت في انتشارها، منها ما يتعلق بالأساتذةِ أنفسهم، ومنها ما يتعلق بالطلاب، وعلى الرغم من أنها تحمّل الطالب أعباء مادية تفوق قدرة الأهل أحياناً إلا أن الإقبال عليها شديد. الدروس الخصوصية هذه الظاهرة التي زادَ انتشارها بكثرة في أيامنا هذه لدرجة أنها لم تعد مقتصرة على مرحلة عمرية معينة، بل امتدَّت لتشمل حتى طلاب المرحلة الابتدائية والصفوف الانتقالية، ولم تعد مقتصرة أيضاً على طبقة معينة من الناس فنلاحظ انتشارها بين طبقة ذوي الدخل المحدود، وفي كل الحالات فإن الدافع نحوها هو رغبة الأهل في دفع أبنائهم للتفوق والتحصيل العلمي، ورغبة الأساتذة في تحسين مردودهم المعيشي....
حول هذه الظاهرة وأسباب الإقبال عليها وتبعاتها السلبية والإيجابية كان لـ"بلدنا" استطلاع لبعض الآراء.
آراء بعض الطلاب:
يحدثنا "حامد" قائلاً "من الأسباب التي تجبر الطلاب إلى اللجوء للدروس الخصوصية هي مشكلة عدم إنهاء المنهاج خاصة في صفوف الشهادات العامة في وقت يكون الطالب بأمسِّ الحاجة للإلمام بكل حرف داخل الكتب".
أما "عمار" فيقول:"أصل في مدرستي إلى مرحلة لا أستطيع أن أفهم على الأستاذ بسبب الازدحام الطلابي في صفنا حيث نجلس كل ثلاثة في مقعد واحد، فيصل عددنا إلى حوالي 45 طالب، ناهيك عن أن مهمة الأستاذة هي إعطاء الدرس، لكن المسؤولية الأكبر والتحدي يقع على الطالب خاصة في الشهادات العامة كي يحصل على مجموع عالٍ يؤهله لدخول الفرع الذي يرغبه".
ويتابع "أنا أفضل الدروس الخصوصية في بعض المواد لأنها بمنزلة دعم لمعلوماتي حول المنهاج حيث يركز لي الأستاذ على النقاط الأساسية حسب مستواي، الأمر الذي يعجز عنه أستاذ المدرسة الذي يصل في بعض الأحيان إلى أنه لا يعرف طلابه بسبب كثرة الشعَب التي يدرّسها".
ويضيف"مجد أبو بكر" "لا ألوم المدرس الذي يعطي دروساً خصوصية، فهناك أسباب عديدة تدفعه إلى ذلك، من أهمها مدخوله المادي المحدود".
ويتابع "لكن من مساوئ الدروس الخصوصية بوجهة نظري أن الطلاب الذي يعتمدون على الدرس الخصوصي سيمضون نهارهم في المدرسة بالمشاغبة والتشويش على الآخرين لأن هناك من سيعطيهم المعلومة الجاهزة في المنزل دون عناء، الأمر الذي سيؤثر على بقية طلاب الصف ممن لايعتمدون على الدروس الخصوصية".
وبالنسبة لهاني فإنه يتمنى أن يتوسَّع موضوع الدرس الخصوصي وأن يسلط عليه الضوء من قبل وسائل الإعلام ويقول:" هناك بعض المدرسين ليس لديهم الأسلوب الجيد، والمبسَّط لتقديم المعلومة للطلاب مما يجبر الطالب للبحث عن الأستاذ الذي يقدّم له هذه المعلومة ففي الدرس الخصوصي الطالب هو الذي ينتقي أستاذه وليس العكس".
ويضيف "من المستغرب أحياناً أن أسلوب الأستاذ في إعطاء المعلومة بالدرس الخصوصي يختلف تماماً عن أسلوبه في المدرسة مع أن المدرّس نفسه والمعلومة ذاتها، لكن في الدرس الخصوصي يبذل جهداً أكبر لإيصال المعلومة لطالبه".
ويتابع "لكن لا ينطبق ذلك على كل الأساتذة فهناك الكثيرون ممن يعطون من قلبهم ويبذلون كل جهدهم لإيصال المعلومة لطلابهم في المدرسة".
في حين "رنا" تبيّن "لم ألجأ إلى الدروس الخصوصية في حياتي لأنني أشعر أنني مكتفية مع المعلومات التي يقدّمها لي أساتذتي في المدرسة، وفي حال صادفتني صعوبة في مادة ما فإنني أستعين بأحد أساتذتي خلال الدوام".
وتوضّح "هناك بعض الأساتذة يقومون بإعطائنا دروساً إضافية بعد الدوام عندما نكون بحاجة إليها".
بينما لمى ترى: "هناك بعض الأساتذة جديرون بالاحترام، والتقدير لكن هنالك آخرون ممن يجبرون الطالب على أخذ دروس خصوصية خاصة في الصفوف الانتقالية حيث يتحكم الأستاذ بمصير نجاح الطالب أو رسوبه بالمادة حتى إن بعض الأساتذة يميّزون بالتعامل، وبعلامات الطلاب الذين يأخذون دروساً خصوصية عندهم".
وتوافقها "رنا" التي حدثتنا عن تجربتها قائلة "أحد أساتذتي يبقى طوال الحصة الدرسية وهو يسمِّع الطلاب بضرورة أخذ دروس خصوصية عنده لنفهم المنهاج بشكل أفضل، وكأنه غير قادر على إيصالها لنا في الصف".
آراء بعض الأساتذة
"وائل" أستاذ محاسبة وعلوم تجارية في إحدى الثانويات حدثنا عن تجربته قائلاً "بدأت بالتدريس منذ كنت سنة رابعة في الجامعة كأستاذ مكلف ثم تركت التدريس بعد سنتين وبحكم تجربتي أنا لست مع الدروس الخصوصية لكن المدرس يجبر عليها بسبب محدودية المردود المادي في المدرسة، وخاصة بالنسبة للمكلفين الذين يعانون من تأخر رواتبهم بالإضافة إلى تواضعها.
ويضيف "برأي الشخصي إن الطلاب يلجؤون إلى الدروس الخصوصية لأن المدرسة لا تعطي كفاية الطلاب، ففي أغلب الأحيان لاينهي الأستاذ المنهاج وهذا الموضوع يشكل مصيبة حقيقية بالنسبة لطلاب الشهادات".
ويوافقه "محمد" أستاذ رياضيات قائلاً "لا يمكن أن نلوم الأستاذ الذي يعطي دروساً خصوصية لأنه كما للطبيب الحق في أن يعمل في عيادة خاصة، ومشفى حكومي كذلك للأستاذ الحق أيضاً أن يعطي دروساً خاصة".
وعن الأسباب التي تدفع الأساتذة للدروس الخصوصية يبيّن" مردودها المادي الجيد الذي يمكن الأستاذ من تحسين ظروفه المعيشية، ولكن هذا لا يعني أن لها مساوئ"
فهي تؤدي إلى كسر الحاجز بين الأستاذ والطالب خاصة إذا كان أستاذ الدرس الخصوصي هو نفسه أستاذ المدرسة، كما أنها تجعل الأستاذ لاشعورياً ينحاز إلى طالبه في الدرس الخصوصي، ويمكن أن يسرّب له أسئلة الامتحان بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.
وبالنسبة للمعيار الذي يختار من خلاله الطلاب أساتذتهم في الدرس الخصوصي وخاصة في وقت الامتحان يوضح "لم يعد المعيار هو كفاءة الأستاذ العلمية إنما هناك معايير أخرى فالأستاذ الذي يتوقع أسئلة الامتحان في صفوف الشهادات والأستاذ الذي يلخص المنهاج هو الأستاذ المفضل عند الطلاب وذويهم".
لقاء مع مدير تربية دمشق
وكان لـ"بلدنا" لقاء مع مدير تربية دمشق الدكتور "هزوان الوز" الذي بيَّن لنا أنه من أهم الأسباب التي جعلت ظاهرة الدروس الخصوصية تنتشر هي سعي فئة من الأساتذة إلى تحقيق نقلة سريعة في مستوى الدخل غير مهتمة بنظرة المجتمع إليها، وخوف الأهل من فشل أبنائهم، بالإضافة إلى طموح الطلاب في الحصول على درجات عالية للوصول إلى تعليم جامعي، وتراجع الدور التربوي والتعليمي للأسرة والتي هي المؤسسة التربوية الأولى والاكتفاء بالقيام بالدور المادي، ناهيك عن الكثافة الطلابية في الشعبة الواحدة ففي دمشق متوسط عدد الطلاب في الشعبة الواحدة يصل إلى 43 طالباً، بينما يحدد المقياس العالمي أن يكون عدد الطلاب في الشعبة الواحدة 24 طالباً.
ويتابع " للدروس الخصوصية آثار سلبية عديدة منها الشعور النفسي الذي تتركه لدى الطلاب أنفسهم من تفاوت ليس فقط في مستوى التحصيل بل شعور الطالب أن والده يستطيع أن يقدِّم له من شاء من المدرّسين مما يؤثر على نظرة الطالب لمدرسيه، بالإضافة إلى نظرة المدرس إلى الطلاب مادام يغنيه إعطاء عدد قليل جداً من الطلاب عن أجره".
ويضيف الدكتور الوز "تضعّف الدروس الخصوصية من اهتمام الطلاب بالدوام والانضباط والانتباه إلى شرح المدرس مما يؤدي لخلق حالة شغب، وفوضى داخل الصف، كما تعمل على جعل الطالب متلقياً، ومهملاً لواجباته والتزاماته كما أنها ترفع المستوى التعليمي للطالب ضمن أسس معينة فيرتفع بالتالي معدَّل القبول الجامعي هذا بالإضافة إلى الاستنزاف المادي الذي يؤثر على حياة الأسرة والمجتمع".
وحول مقترحاته لمعالجة هذه الظاهرة يوضّح "تحسين أوضاع المدرسين المادية، والتوعية المستمرَّة للأهل والطلاب من خلال تعريفهم بالبدائل المتاحة للدروس الخصوصية منها الوسائل المساعدة المختلفة، والمكتبات والأفلام المرئية وغيرها، وزيادة الاهتمام بإعداد برامج مساعدة للمواد العلمية، وبثها عبر القنوات التلفزيونية بأوقات مناسبة، وتوزيعها على المكتبات العامة وغيرها وتعويد الطلاب على الأساليب والطرق التعليمية التي تعتمد على التفكير والاستنتاج".
آخر تحديث ( 14 / 03 / 2007 )