النكبة حية وأسبابها قائمة
ا.د. محمد اسحق الريفي
لا يزال الشعب الفلسطيني يكتوي بجحيم ما يعرف بالنكبة منذ أكثر من ستة عقود، فهي نكبة حية ومستمرة، وأسبابها لا تزال قائمة. وأخشى إذا لم يعالج الشعب الفلسطيني الأسباب التي أدت إلى النكبة أن ينجح الأعداء في تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، ولهذا لا بد للشعب الفلسطيني من أن يضع على رأس قائمة أولوياته التخلص من أسباب النكبة، لا أن يكتفي بإحياء ذكراها وإلقاء اللوم على الجهات التي تآمرت على الشعب الفلسطيني وفرطت بفلسطين.
من الأسباب التي أدت إلى النكبة؛ الفراغ القيادي والسياسي والعسكري في فلسطين في عهد الدولة العثمانية، وفي عقود الانتداب البريطاني الثلاثة على فلسطين، فبينما كان الصهاينة يشكلون العصابات المسلحة، ويبنون نواة جيشهم الذي يطلق عليه الصهاينة الآن اسم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وبينما كانوا يقيمون أسس كيانهم الصهيوني السياسي والاقتصادي والعسكري بدعم غربي؛ خلت الساحة الفلسطينية من نظام سياسي فلسطيني يقود الشعب الفلسطيني ويواجه الاغتصاب الصهيوني المنظم للأراضي الفلسطينية، وخلت فلسطين من جيش فلسطيني منظم يتصدى للعصابات الصهيونية. فقد قسمت الدولة العثمانية فلسطين إلى ثلاث مقاطعات أو ثلاثة سناجق؛ القدس، وحيفا، وعكا، وكان سنجق القدس يدار من اسطنبول، أما سنجقا عكا وحيفا؛ فكانا يتبعان ولاية بيروت. وهكذا كان حال فلسطين دائماً عبر التاريخ، فقد كانت تحكم من القاهرة، أو دمشق، أو اسطنبول،... وهكذا. ولم أسمع بوجود حكومة فلسطينية إلا "حكومة عموم فلسطين"، التي أنشأها مفتي القدس الحاج أمين الحسيني في 1948، في محاولة لسد الفراغ السياسي والقيادي في فلسطين، وذلك بعد استيلاء العصابات الصهيونية على ما يعرف الآن بالداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948.
وقد رفضت جامعة الدول العربية دعوة حكومة عموم فلسطين لحضور اجتماعها في ذلك العام بناء على توصيات من المملكة الأردنية الهاشمية، التي ضمت إليها الضفة الغربية الفلسطينية مباشرة بعد الإعلان عن البرنامج المقاومة لحكومة عموم فلسطين في مؤتمر عقدته في مدينة غزة في أكتوبر 1948. وبعد أسابيع معدودة، وضعت الإدارة المصرية قطاع غزة تحت إدارتها، وفرضت إقامة جبرية على حكومة عموم فلسطين. وبذلك ظل الفراغ القيادي والسياسي الفلسطيني قائماً، وانقسم الشعب الفلسطيني إلى ثلاثة أجزاء: جزء في المناطق التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية، وجزء ثاني في الضفة الغربية الفلسطينية، وجزء ثالث في قطاع غزة، ما أدى إلى منع قيام كيان سياسي فلسطيني. ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من هذا الانقسام وغير قادر على تجاوزه كونه من أهم أسباب النكبة وتداعياتها.
أما على المستوى العسكري؛ فقد أسس الشهيد عز الدين القسّام؛ وهو سوري المولد، أول تنظيم عسكري سري عام 1928، وبذلك يكون القسّام أول قائد يقود المقاومة المسلحة ضد البريطانيين والعصابات الصهيونية في فلسطين. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن البريطانيين؛ في عقود الانتداب البريطاني لفلسطيني، كانوا يحولون دون قيام أي كيان سياسي فلسطيني، وكانوا يعدمون كل فلسطيني يعثرون بحوزته على رصاصة أو ذخيرة أو سلاح.
وصحيح أن تنظيمات سياسية وعسكرية فلسطينية عديدة قد قامت في فلسطين المحتلة، ولكن هذه التنظيمات تفتقر إلى إطار عمل موحد يجمع بينها، ويوحد مقاومتها ضد العدو الصهيوني؛ على أسس وطنية مقاومة للمشروع الصهيوني. وتفتقر الساحة الفلسطينية إلى مظلة سياسية حية وفاعلة ومستقلة تنظم العلاقات بين التنظيمات السياسية المختلفة، وتقود مقاومة الشعب الفلسطيني، وتفرض نفسها ممثلة للشعب الفلسطيني، محلياً وإقليمياً وعالمياً. والحديث في هذا السياق عن منظمة التحرير الفلسطينية يثير الألم والغضب، فقد تم تفريغ هذه المنظمة من مضمونها، وتحولت إلى أداة بيد الغربيين الداعمين للكيان الصهيوني؛ وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبيد حلفائها الرسميين العرب، وسيطر عليها تيار متصهين، ولهذا لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني بأي حال من الأحوال.
يحلم الفلسطينيون بأن يقيموا في ذكرى النكبة مؤتمراً فلسطينياً جامعاً؛ يعالج الانقسام الفلسطيني وخلل الشرعية الفلسطينية، ويلزم جميع التنظيمات بأجندة مقاومة للمشروع الصهيوني ومشروع الهيمنة الأمريكية، ويخلص الشعب الفلسطيني من التبعية للأنظمة العربية المتخاذلة والمتواطئة، ويعالج الأسباب الفلسطينية الداخلية إلى أدت إلى النكبة والهزيمة.
16/5/2010