وثائق العجلاني...

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي








‎ in Damascus, Syria


مقالتي الأسبوعية في صحيفة الوطن ليوم الاثنين 1-12-2014 العدد 2032
من رواد الصحافة السورية...الصحفي الذي شهد اغتيال المالكي وأنقذ رئيس الوزراء من القتل 3من 3
خلال النصف الثاني من عام 1938 م والنصف الأول من عام 1939 م كانت قضية سلخ لواء إسكندرون عن سورية موضوع الساعة وموضوع صراعات داخلية وخارجية، وكان رئيس الوزراء آنذاك جميل مردم بك وهو أحد أعمدة حزب «الكتلة الوطنية» وفي المقابل كان هنالك الوطني الكبير زعيم حزب «الشعب» عبد الرحمن الشهبندر حامل لواء المعارضة ولواء الدفاع عن لواء إسكندرون السوري.
اشتد الصراع الداخلي حول موضوع اللواء واتهمت الحكومة آنذاك بضلوعها بعدم الدفاع عن اللواء وقامت المظاهرات بدمشق ضد الحكومة ويروي نصوح بابيل قائلاً: «حدث في تلك الفترة أن قام رئيس الوزراء مردم «المقصود جميل مردم بك» بسيارته يصحبه الوزير الدكتور عبد الرحمن الكيالي بجولة في بعض الشوارع الرئيسية في المدينة وكان مع الرئيس إضافة للوزير الكيالي مرافق الرئيس يركب إلى جانب السائق، وكان مدير الشرطة العام نافع مجيب القدسي ومعاونه بسيارتهما يسيران وراء سيارة الرئيس «جميل مردم بك» ولما بلغت السيارتان «سوق الهال» صادفتا مظاهرة كبيرة، وتبين للمتظاهرين أن رئيس الوزارة في السيارة الأولى فصاحوا: «ها هو.. مردم اقتلوه.. اقتلوه..» ولكن قادة المظاهرة وكلهم من الشهبندريين وفي مقدمتهم كامل البني من أعضاء أسرة «الأيام» أسرعوا للحؤول دون الاعتداء، ولما شاهد الرئيس «المقصود جميل مردم بك» الأستاذ البني قال له: «كامل.. كامل.. أنقذ الموقف» في حين الوزير الكيالي سقط في أرض السيارة. ولما حاول مرافق الرئيس أن يشهر مسدسه، صاح به البني: «أعد مسدسك إلى مكانه، وإلا فإن المتظاهرين يقتلونكم جميعاً».. فأيده الرئيس مردم وقال لمرافقه: «أعد المسدس حالاً كيلا يراه المتظاهرون». ولما لم يجد البني ما يقنع به المتظاهرين بترك الرئيس وشأنه مع صحبه، قال البني مخاطباً المتظاهرين: «يا إخوان: أبشركم أن الوزارة قد استقالت.. وأن الاتفاق قد تم ولله الحمد بين الزعيم شهبندر والرئيس مردم بك «ففعلت هذه العبارات فعلها في نفوس المتظاهرين الذين هتفوا على الفور: «ليحيا الزعيم.. وليعيش الاتفاق والتضامن». وبهذه الوسيلة تمكن الرئيس مردم وصحبه من أن يشقوا طريقهم بسيارتهما بعد لحظات كانت محفوفة بالخطر.. غير أن حصيلة هذه العملية كانت إصابة البني بطلق ناري طائش أصابه عندما أطلق المتظاهرون بعض الطلقات النارية على السيارة.. وصاح البني برفقائه: «ويحكم.. ابتعدوا عن السيارة، ولا تمسوها بسوء.. لأن قيادتنا لا تقبل ذلك».. فاستجاب المتظاهرون إلى النداء وشقوا الطريق للسيارة حتى اجتازت منطقة الخطر، وذهبت بسلام.. «ويتابع نصوح بابيل بالقول»: «وفي أعقاب ذلك جاءني عدد من قادة المظاهرة إلى مكتبي في «الأيام» غاضبين على كامل البني، لأنه حال دون وصولهم إلى رئيس الوزارة، فقلت لهم بشدة «مرحى كامل.. وألف مرحى لأن ما فعله هو الصواب بعينه.. قيادتكم وعلى رأسها الشهبندر لا تستخدم سلاحاً إلا سلاح الحوار المنطقي والقول المعقول، وتستنكر الاعتداء أيا كان نوعه» وبذلك أنقذ كامل البني رئيس الوزراء وصحبه من الخطر أو القتل على أيدي الجماهير الغاضبة والمؤيدة للدفاع عن لواء إسكندرون.
الشاهد على مصرع المالكي
استشهد العقيد الوطني المحبوب عدنان المالكي في الملعب البلدي بدمشق أثناء مباراة لكرة القدم يوم 22 نيسان عام 1955، إثر ثلاث رصاصات استقرت بجسده، واعتبرت قضية اغتيال المالكي واحدة من أكبر المؤامرات على سورية وأعقد قصص الاغتيالات السورية!؟ والتي قيل: إن خفاياها تشكل لغزاً عند السوريين إلى الآن، ولم نزل نعاني تداعياتها حتى يومنا هذا!!؟؟
شاءت الظروف أن يكون الصحفي كامل البني حاضراً بالقرب من الشهيد المالكي أثناء اغتياله في الملعب البلدي، واستدعي للإدلاء بشهادة من المحكمة في نفس اليوم الذي وقع فيه الحادث أي شهادة فورية، شهادة البني كانت في غاية الأهمية، وتعتبر وثيقة مهمة في مجريات التحقيق في اغتيال المالكي.
«المحضر رقم 3»

بناء على الدعوة، حضر الأستاذ كامل بن محيي الدين البني من أهالي دمشق، عمره 45 سنة. المهنة أمين سر الاتحاد السوري لكرة القدم، وصاحب جريدة الأسبوع الرياضي. متزوّج متعلم سوري. يعرف المرحوم العقيد عدنان المالكي ولا يعرف الرقيب الأول يونس، خالي العلاقة والقرابة والعداوة معهما، وبعد تحليفه اليمين القانوني المنصوص عنها في المادة 77 من الأصول الجزائية سُئل فأجاب:
س- ما معلوماتك في حادث الاعتداء على العقيد عدنان المالكي، باعتبارك أميناً للسر في الاتحاد العام لكرة القدم وقريباً من مكان الحادث.
ج- في هذا اليوم كنت في الملعب البلدي بمناسبة مباراة بكرة القدم بين فريق خفر السواحل المصري، وفريق شرطة الجيش السوري، وقد كنت في الجناح الأيمن من المدرج في أسفل المنصّة، وفي الصف الأول وكان بجانبي عن اليسار الأستاذ أنور تلو، وعلى يميني الدكتور غيه، وكان في المنصّة ثلاثة كراسي كبيرة معدة لجلوس رئيس الأركان في الوسط، وكرسي للسفير المصري على اليمين، وكرسي لرئيس بعثة خفر السواحل على ما أذكر على يسار رئيس الأركان. وخلف الصف الذي يجلس عليه رئيس الأركان، كان صف يجلس عليه بعض كبار الضبّاط المدعوين، وخلف هذا الصف صف آخر كان يجلس فيه المرحوم العقيد عدنان المالكي، وإلى جانبه أمين المعارف الأستاذ أحمد الفتيح. وقد بدأ اللعب وكان الحديث بين العقيد وجاره أمين المعارف مستغرقاً اهتمامه، لأنني ألاحظ العقيد عدنان منهمكاً في الحديث ومقبلاً عليه ومنحنياً إلى جهته، وكان يعطي اللعب في الملعب اهتماماً قليلاً لانشغاله بالحديث خلاف عادته، وبعد نحو عشرين دقيقة تقريباً من بدء اللعب، سمعنا صوتاً يشبه ألعاب نارية كما ظنناه لأول وهلة، وبفعل منعكس التفتُّ إلى جهة الصوت فأبصرت شخصاً عسكرياً وبيده المسدّس مشهراً ووجهه ممتقع، وهو يحمله بوضعية الحذر والمبادرة للهجوم، فصحت فوراً.. وإذا بي أشاهد الطلق الثاني ينطلق إلى جهة المنصّة الرئيسية، وبعد انطلاق الطلقة الثانية لاحظت أن صاحب المسدّس أخذ يعالجه، كان المسدّس توقف عن الانطلاق، وكان بعض الموجودين من الضبّاط على المنصّة الرئيسية قد أسرعوا نحوه، وكنت في هذه الفترة أتقدّم بسرعة نحوه وأنا أصيح، فانطلقت الثالثة ولا أدري كيف كان اتجاهها، وكنت لاحظت أن صاحب المسدّس بعد الطلقة الثانية أخذ يتراجع إلى الخلف، ولم أنتبه إذا كان هو يتراجع قد ولى ظهره للناس، أو مازال مولياً وجهه نحوه، ولما شاهدت العقيد مصاباً اتجهت نحوه ولم أعرف ما جرى للمعتدي، وقد أحاط الضبّاط بالعقيد وحملوه، وقد استرخى رأسه والدماء تنزف منه، ولم أسمع إذا كان قد تكلم لأن الضبّاط هم الذين أحاطوا به وهذه شهادتي. تليت عليه إفادته البالغة صفحة واحدة فأيدها.
كاتب الضبط صاحب الإفادة معاون النائب العام العسكري.
وأخيراً
قرابة السبعة عشر عاماً مرت على رحيل عميد الصحافة السورية محمد كامل البني رمز ومدرسة الإعلام النضالي والرياضي في سورية وعلم بارز من أعلامنا الوطنية جسّد للوطن مسيرة الرياضة بإنجازاتها وأبطالها.
محمد كامل البني.. رائد من رواد الصحافة والرياضة منذ الأربعينيات إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي.. تاريخ طويل سبعة وثمانون عاماً قضى جلها في النضال لصون الوطن والدفاع عن قيمنا النبيلة وتاريخنا العريق..
كم هو رائع أن يطلق الاتحاد الرياضي السوري اسم البني على إحدى قاعاته.. أو يعلق صورة له في مبنى اتحادنا الرياضي تذكّر أبناء اليوم برجالات الأمس.. كم هو رائع أن يطلق اسم البني على مدرسة من مدارسنا أو شارع أو حارة أو حتى زقاق.. كم هو رائع أن نذكّر أولادنا وأحفادنا برجالات الأمس... أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك... ونحن قادمون... مقاومون... منتصرون.
http://www.alwatan.sy/view.aspx?id=24103