حي بن يقظان





مقدمة

كتاب «حي بن يقظان» قصة رمزية فلسفية
تعرض نمو العقل الموحد منذ بداية خلقه
حتى وصوله مرتبة الاتحاد بالخالق


مؤلف الكتاب: هو «ابو بكر محمد بن عبدالملك بن محمد بن طفيل القيسي» الذي ولد في «واد آش» في الشمال الشرقي من «قرطبة»، «بالاندلس» والارجح
انه ولد في السنوات العشر الاولى من
القرن الثاني عشر الميلادي


درس «ابن طفيل» الطب ومارسه، كما اشتغل كاتباً
لعامل «غرناطة» ولكن الفترة الهامة في حياة «ابن طفيل» هي
تلك التي امضاها بحضرة «أبي يعقوب يوسف بن ابي محمد» سلطان
الموحدين وكان عالي الثقافة ذا حظ من العلوم العقلية
الى جانب معرفته بأخبار العرب


كان «ابن طفيل» شاعراً، وله مؤلفات في الطب والفلك
وقد اشار «ابن رشد» الى احدها على ان الجانب الفلسفي
في فكره هو الجدير حقاً بالعناية والتقدير بيد انه
لم يبق لنا من آثاره في الفلسفة
غير كتاب واحد هو «حي بن يقظان».


وخلاصة كتاب «حي بن يقظان» ان «ابن طفيل» يتخيل ان احداً
سأله ان يبثه ما تيسر بثه من اسرار الحكمة الشرقية
التي ذكرها «ابن سينا» ودعا الى طلبها
وهذا امر لا يمكن ان يقوم به الا من وصل رتبة
في الكشف، تتجلى فيها حقائق الأشياء ذوقاً


و«حي بن يقظان» انسان ولد في جزيرة من جزائر «الهند» تحت
خط الاستواء، وهناك فرضيتان في شأن ولادته، فرضية
تجعله يولد من أبوين، شأن اي انسان، وفرضيته
تجعله يولد من الطين مباشرة. وحسب الفرضية
الاولى: كان بازاء تلك الجزيرة، جزيرة اخرى عظيمة
يملكها رجل شديد الغيرة، وكانت له اخت ذات جمال
فمنعها من الزواج لانه لم يجد لها كفؤا
وكان له قريب يسمى «يقظان» فتزوجها سراً
ثم انها حملت منه، ووضعت طفلاً


فلما خافت ان يفتضح امرها، وضعته في تابوت
وخرجت به الى ساحل البحر ثم قذفت به في اليم
فدفعه الموج الى تلك الجزيرة واشتد الجوع بالصغير
فبكى، فوقع صوته في اذن ظبية فقدت ولدها
فتتبعت الصوت، وضربت بأظلافها لوح التابوت
حتى انفتح، فحنت عليه وألقمته حلمة ثديها
وما زالت تتعهده حتى كبر اما الفرضية الثانية
فهي ان بطناً من ارض تلك الجزيرة تخمرت فيه طينة
على مر السنين حتى امتزج فيها الحار بالبارد
واليابس بالرطب، وحدث فيه شبه نفاخات الغليان
ويستمر «ابن طفيل» في بيان كيفية ايجاد سائر الاعضاء
حتى تم خلقه، بعد ان تعلق بها ذلك الروح
الذي هو من امر الله، ثم استغاث ذلك الطفل فلبته
ظبية فقدت ولدها وهكذا في الحالتين تربى الطفل ونما
وتدرج في المشي، وظهرت اسنانه وكانت الظبية تحمله
من مكان الى آخر، حيث الثمر الوفير


وحاكى الطفل نغمة الظبية بصوته وكذلك كان يحاكي
جميع ما يسمعه من اصوات الطير وسائر انواع الحيوانات
فألفته الوحوش وألفها وبالملاحظة رأى انها مكسوة بالوبر
او الشعر او الريش فاتخذ من اوراق الشجر العريضة
شيئاً جعل بعضه ساتراً له، ولم يفارق الظبية
الى ان اصابها الهزال وادركها الموت، فجزع
وتشتت فكره، ثم انه رأى غرابين يقتتلان
حتى اذا صرع احدهما الآخر، حفر حفرة في الارض فوارى فيها
ذلك الميت، فاهتدى الى ان يصنع ذلك لأمه.


وقد بقي «حي بن يقظان» زمناً يتفحص انواع الحيوان والنبات
فاتفق له ان رأى ناراً تنقدح في شجر، فوقف متعجباً
ومد يده فأحرقته فاهتدى الى ان يأخذ قبساً
وظل يمده بالحشيش والحطب، واعتقد
انها افضل الاشياء لديه، وهناك ظن ان الشيء الذي ارتحل
من قلب امه الظبية لابد انه من جوهر النار
واكد ذلك في نفسه ما كان يراه من حرارة الحي
وبرودة الميت. وقد قام بتشريح الحيوانات
ولم يزل يفكر فيما يراه حتى بلغ في ذلك
مبلغ كبار الطبيعيين فتبين له ان كل حيوان
وان كان كثيراً بأعضائه فإنه واحد بتلك الروح
وأوصله التفكير في سائر الاحياء الى ادراك
ان حقيقة وجود كل واحد منها، مركبة من الجسمية
ومعنى آخر زائد على الجسمية


فلاحت له صور الاجسام على اختلافها، وهو اول ما لاح له
من العالم الروحاني، اذ هي صور لا تدرك بالحس
وانما تدرك بالعقل فلما تبين له ان الكون
كله كشخص واحد، وانه محتاج الى فاعل، تساءل
وقد اوصله تساؤله الى ان الخالق لهذا الكون
لا يمكن ان يدرك بالحواس. وبعد ان حلق «ابن طفيل» ببطله
«حي بن يقظان» عاد به الى العالم المحسوس
وهو في سن الخمسين فيلتقي بتلك الجزيرة بفتيان
من اهل الفضل وقد قام احدهما بتعليمه الكلام
فبدأ «حي بن يقظان» بالكلام عن تجربته فتبين
ان جميع الاشياء التي وردت في شريعة «حي» هي من أمر الله عز وجل.


إعداد ـ محمد سطام الفهد
__________________