أساتذة العمارة . .ريشة ترسم الضوء والظلبدأت صالة مشوار موسمها الفني التشكيلي لهذا العام بمعرض جماعي، يجمع الفنانين التشكيليين المدرسين لمادة الرسم في كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق، يتسم المعرض بروح الصداقة والمحبة التي تجمع الأساتذة الزملاء، وتقوم تجاربهم على أسس أكاديمية وتقنيات متنوعة وأساليب مختلفة.
وتبقى لكل فنان خصوصيته وسماته التي تميزه عن الآخر. وقد تطرقت مديرة وصاحبة الصالة السيدة ميادة إكلينيكي في حديثها إلى أهمية هذا المعرض الذي يضم روّاد الفن التشكيلي مع جيل الشباب الذين أغنوا جميعهم الحركة الفنية التشكيلية، وقد فوجئت بتعاونهم ومحبتهم.
ضم المعرض ثمانية فنانين (نشأت الزعبي-نعيم شلش- بسيم سباعي- فهد شوشرة- محمد غنوم-خالد الأسود- موفق مخول- لين سباعي)
«البعث» زارت المعرض وكانت لها هذه الوقفة مع المشاركين
أصوّر الأشياء التي لا تُرى
اتسمت مساهمة الفنان نشأت الزعبي بمسحة روحية شفافة تدخل في فضائها المرأة بقوة، خيمت عليها الألوان الفاتحة التي تدل على عالمها الداخلي، وقد علق الزعبي على مشاركته قائلاً: ترتكز تجربتي على المرأة الممتزجة بصور من الطبيعة والطيور إلا أنني أبحث عن الأشياء الكامنة لوحتي، فأصوّر الأشياء التي لا تُرى وأجنح نحو الداخل، أقصد اللاوعي في اللوحة، ومساحة اللون عندي تساهم بخلق جو عام مندمج تماماً مع خطوط الغرافيك الواضحة التي أخطط بها الطيور والورود وأرسمها بأسلوب بدائي و فطري وأشغل فضاء اللوحة كاملاً، أهتم بالتفاصيل لأنها تغني موضوعي، وفي تجربتي بشكل عام أعود إلى مخزوني البصري ففي البداية أنقاد وراء عاطفتي ثم أركز على الهندسة الداخلية للوحة التي تلغي الزائد وتبقي على الشيء الجوهري – وكما تقولين - الألوان ساحرة وشفافة وتأتي من تموجات الزهر،إلا أنني لا أركز على اللون بشكل صريح وإنما يأتي تلقائياً متناغماً مع إحساسي.
البناء الحروفي بناء معماري
وعرض د.محمد غنوم نماذج من حروفياته من خلال لوحتيّ “حب وبلدي” اللتين جسدها بأبعاد متعددة، وتتابع لونين متجانسين ما بين الزهر والأزرق، إلا أنه لم يعتمد على التعتيق الذهبي،وقد فسر ذلك بقوله: لكل تجربة خصوصية تدخل ضمن تداخلات الهندسة المعمارية، فالبناء الحروفي بناء معماري، إذ يتسم كل جزء من اللوحة بوظيفة ترتكز على جزء آخر، لذلك عملي الفني ليس بعيداً عن العمارة بمفهومه الفني، والحرف العربي بالمفهوم التشكيلي هو مفردة ومن خلالها أعبّر عن هموم وقضايا العصر وعن عواطفي، تساعدني ديناميكية الحرف وحركته من خلال المدّ والانخفاض وتشكيلات العناق والصعود والهبوط، في لوحة بلدي أتغنى ببلدي من خلال الخط، وفي لوحة حبّ أعبّر عن المعاني الساحرة لهذه الكلمات،وفي منحى آخر فإن الحرف يعزف لحناً موسيقياً وله صوت وليس شكلاً فقط، إذ يتداخل مع اللون ليشكل عرساً مبهجاًً يشدّ الناظر ويدهشه، أما عن التعتيق باللون الذهبي فله معطياته لأن الخطوط المذهبة تعود إلى شرقنا وتاريخنا وإلى الثقافة البصرية الإسلامية والعربية، وأنا أستفيد منه بدقة بعيداً عن الإفراط، وبالتأكيد يشكل هذا العنصر أحد الروافد الهامة التي ترفد الحركة التشكيلية بصورة جميلة.
أرسم انطباعات الإنسان مع ظله
وتشير لوحة د. فهد شوشرة التي شارك بها في المعرض إلى تجربة متميزة ألقت الضوء على الشخوص الجماعية التي رسمها من الخلف، وهي تنظر إلى الأمام نحو المستقبل مركزاً على التناغم ما بين الإضاءة والظل كعنصر أساسي في اللوحة فقال : أرسم انطباعات الإنسان مع ظله، فأرصد حالة نفسية لحالة الوعي واللاوعي، ولوحة التجمعات البشرية كانت مشروع تخرجي في فرنسا 2009، إذ تأثرت بمعاناة الفلسطينيين وأحداث غزة وحاولتُ أن أقدم عملاًً خاصاًً، فاشتغلت مع بروفيسور ألماني لرسم الوجوه الخلفية كنظرة إلى الأمام وإلى المستقبل، وهذا ما يفسر غياب الملامح – كما تقولين- أما ملاحظتك عن الألوان فهي دقيقة إلا أنها ليست مائية، وإنما تتكون من مجموعة أحبار طبيعية ممتزجة بالعسل كنوع من تقنيات طبيعية عشبية، فأنا لا أحب استخدام الألوان الصاخبة والمفتعلة، وأميل إلى الألوان الترابية الهادئة والمستوحاة من البيت الدمشقي القديم المتسم بالسقف الخشبي والأحجار والأقواس، أحسست بأن اللون الواحد يمنحني قدرة كبيرة على التعبير من خلال تدرجاته ويوصلني إلى الإحساس الذي أريده، وفي منحى آخر جسدت المرأة كتكوين إنساني جمالي.
الرجل الريفي يسكنني
ومن أكثر اللوحات واقعيةً وقرباًً من المتلقي كانت لوحات نعيم شلش، التي جسدها من خلال وجوه ريفية لأشخاص مسنين، خيم الحزن على قسماتهم الكبيرة المنسجمة مع الألوان الرمادية فصرّح: منذ السنوات العشر الأخيرة وأنا أشتغل بعفويتي الخاصة، وقد تركت كل المفاهيم ولجأت إلى مخزوني الداخلي وركزت على رسم الوجوه بملامح كبيرة لأفرغ شحنة داخلية تسكن داخلي منذ سنوات وكأسلوب بعيد عن الواقعية المحضة وأقرب إلى التعبيرية، يسكنني هذا الإنسان المتعب المنهك من عذابات السنين ولا سيما أنني عشت في الريف سنوات طويلة وتأثرت بسكانه، فأنا أشعر بصدقه وباختزاله مخزوناً كبيراً من الحزن والألم.
أما اعتمادي بالدرجة الأولى على الرماديات فلأنها أقرب إلى الصراحة الداخلية من الألوان الساطعة وحقيقة الأبيض والأسود المكونة منهما تعطي الحقيقة بلا زخرف.
التخاطب مع لغة الجسد
كما اتخذت مشاركة الفنان بسيم سباعي منحى الدخول بعمق إلى متاهات السريالية والتخاطب مع لغة الجسد، من خلال لوحات منفردة وثنائية وجماعية ومفارقة التناوب بين الظل والنور، وقد شغل اللون الأبيض مساحة من فضاء اللوحة، فعبّر عن تجربته بقوله: أطرح أفكاري الفلسفية والأسطورية التي تنم عن حاجات إنسانية من خلال اللوحة وحركة الجسد التي تخفي وراءها موضوعات إنسانية هامة.
فأنا لا أشتغل على ملامح الوجه واللون الصريح، وأرى في السريالية مجالاًً واسعاً يمنحني الكثير من الحرية التي تستهويني وأجد فيها خيالاً رحباً لتشكيل الأشياء التي أرتئيها.
فمثلاً في لوحة المرأة تظهر جماليات متنوعة للشكل والفكر والخيال صورتها بحالة الشرود الذهني الذي نجد فيه عدداً لا حصر له من الأفكار والأحلام وأشياء كثيرة قابلة للبحث والتصوير، وفي لوحة ثنائية الرجل والمرأة تبدو حركة الرقص واضحة، أرمز من خلالها إلى الحنين إلى زمن ما، وكذلك عالجت في هياكلي الجماعية العشاء الأخير بطريقة جديدة، تجربتي تختصر المفارقة بين الموت والحياة وتثير تساؤلات عن الوجود، هذا العالم الذي يستهويني.
أما تركيزي على اللون الأبيض فأعتقد أنه يمثل مرحلة من المراحل وهنا يشغل جزءاً من فضاء اللوحة كي يساعدني على خلق المناخ الضبابي الذي يناسب الأسلوب السريالي البعيد عن الواقع والجانح نحو الحرية والتحليق وأعمل أيضاً على إظهار التنافر اللوني بين الظل والنور .
آراء الحضور
أما الفنانة كلوديا الخن فترى في هذا المعرض تنوعاً بين التجارب والأساليب تغني ذائقتنا التشكيلية بعيداً عن الوحدة الكاملة المنفردة لأي معرض.
الفنان عمار صاروخة أُعجب ببورتريهات نعيم شلش وبقدرته على اختزال اللون واللعب بتدرجاته، أما د. شفيق آشتي فيؤكد بأن المعرض قدم تجارب مميزة لأعلام معروفين على صعيد الحركة التشكيلية والأهم أنه جمع بين رواد الفن التشكيلي وجيل الشباب الذين أصبحوا أساتذة أيضاً.
مِلده شويكاني
ت: قاسم سليمان
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1303&a=116064