(( وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ))
ما أشقى هذا الإنسان وما أعجب أمره .. !
فهو لا يكف ولا يمل من الجدل والحوار مع نفسه .. بل إنه ليبرر لنفسه بعض تصرفاته وممارساته حتى ولو خالف بذلك منطق العقل والقانون والفطرة ..
وإن يكن الشيطان هو أول مخلوق بدأ بالمجادلة عندما حاول أن يجد سبباً لرفضه طاعة الرحمن بالسجود لأدم وإن يكن التبرير الذي قدمه إبليس واهياً وساذجًا وهو أن آدم خلق من طين لازب لا يصمد أمام لهيب النار ..
إن يكن كل ذلك فإن بعض البشر يجادل في كبير المجادلين .. بل بعضهم اعتبر مجادلة الشيطان لربه نوعاً من الحرية!
صحيح أنها حرية تجوز بين البشر لكنها لا تليق بحق الله الذي لا يسأل عن شيء وهم يسألون"
والجدل المغروس في طينه الإنسان يبدأ في الظهور على شكل أسئلة بريئة تقذفها أفواه الأطفال الطاهرة فيحار في الإجابة عليها الوالدان مهما بلغوا من العلم ..
والجدل الأعمى هو السائد بين المثقفين اليوم لأن أكثرهم غايته الانتصار للذات وتصفيه الحسابات لا من أجل الوصول إلى الحقيقة ..
والإنسان إن لم يجد من يجادله .. جادل نفسه في إبحار خيالي مع النفس التي يحيط بها الهوى والشيطان والواقع المتناقض ..
لذا جدل الإنسان مع نفسه طويل وعميق .. وربما كان عقيماً .. !
لكن يبدوا أن هذا الجدل هو الحجة التي يقيمها المرء على نفسه من حيث لا يشعر في يوم تسقط فيه كل الأقنعة وتتجلى الحقيقة كالبدر الساطع .. فلا مجال إلا للسكوت والإذعان لما سيقوله الحي القيوم العالم بالجهر وما يخفى .. سبحانه جل في علاه ..
بدر عمر المطيري "فتى الغواني"