عن صاحب الأزهار:
شارل پيير بودلير (1821-1867) هو شاعر وناقد فني فرنسي، يعتبر من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. حيث حُسب شعره على أنه متقدم ومتجاوز لشعر زمنه فلم يفهم جيدًا إلا بعد وفاته. بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه الشهير “أزهار الشر”، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبري مثل باريس.
عاش بودلير في عصر نضح بمتغيرات عدة، وعج بأسماء لامعة في الفكر والفلسفة والعلوم والأدب (فريدريك نيتشه، هيجل، كانت، كارل ماركس، فكتور هوجو، فلوبير، أوغست كونت، داروين، شوبنهاور وغيرهم)، خلاله صقل شخصية الشاعر الفذ فيه ومارس حريته في قول وفعل ما يريد. هو الذي يتحدث في يومياته عن أن الروح تمر بحالات تكاد تكون فوق طبيعية، يتجلى أثناءها عمق الحياة بأكمله في أي مشهد يتاح للعين مهما كان عاديًا. إن النظر إلى عمق الحياة هي مهمة الشاعر الحقيقي. لكن الشاعر لا بد أن يكون إنسانا قبل كل شيء، بما يحمله هذا الإنسان بداخله من تناقضات صارخة. إن المواءمة بين الشرط الشعري والشرط الإنساني هي التي تصنع الشاعر الحقيقي أو ما يسميه بودلير “الداندي” نسبة إلى “الدانديزم” الذي يعرفه بودلير بأنه المعادلة الخيميائية التي بفضلها يلتحم الشاعر بالإنسان لإنجاب الكائن الأسمى: الداندي.. هذا الداندي عليه، حسب بودلير، أن يعيش ويموت أمام مرآة، وأن يكون عظيما في نظر نفسه قبل كل شيء إذ أن “الأمم لا تنجب العظماء إلا مرغمة. إذن لن يكون الرجل عظيمًا إلا إذا انتصر على أمته جمعاء”، كما أن الداندي عاشق للفن والجمال، ولكن ليس الجمال النمطي المكرس والقار. الجميل عند بودلير هو شيء ما متأجج وحزين، شيء ما يفسح المجال للتخمين، ويجعل من شروطه الغموض والندم، ويضيف إليهما شرط التعاسة.
* قال عن نفسه في أحد خطاباته عام 1814:
“أنا إنسان مريض، شنيع الطبائع، والذنب هنا هو ذنب أبوي. من جراهما يسري البلى في نسجي وتنحل عراي وترث قواي؛ ذلك من يولد لأم في السابعة والعشرين وأب طاعن في الثانية والستين. فتأمل يا صاح خمسة وثلاثين عامًا بين الاثنين. تقول إنك تدرس علم البنية والطبائع. فسل نفسك عما ترى في الثمرة الناتجة عن قران كهذا القران.
* قال فيه الشاعر الفرنسي آرثر رامبو:
“إن بودلير لهو أمير الشعراء.. إنه إله حقيقي للشعر”
تقديم الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر لديوان “أزهار الشر”:
موقف بودلير الأصلي هو موقف العاكف على نفسه يتأملها كنرسيس الأسطورة. فليس لديه شعور مباشر لا تخترقه نظرة مرهفة. نحن عندما نتأمل مثلاً شجرة أو بيتاً نستغرق في هذه الأشياء وننسى أنفسنا، أما بودلير فإنه لا ينسى نفسه أبداً. فهو يتأمل نفسه عندما يتأمل الأشياء، وهو ينظر إلى نفسه ليرى نفسه يُنظر. إنه يتأمل شعوره بالبيت وبالشجرة لذا لا يراها إلا أشد ضآلة وأقل وقعاً كما لو كان ينظر إليها من خلال عدسة مصغرة. فلا تدل إحداهما على الأخرى كما يدل السهم على الطريق أو الإشارة إلى الصفحة. وفكر بودلير لا يضيع أبداً في متاهاتها ولكن على العكس يرى أن المهمة المباشرة لها هي أن تعيد له شعوره بذاته. لقد كتب يقول: “ما يهم ما تستطيع أن تكون الحقيقة الموضوعة خارج نفسي إذا هي ساعدتني على أن أعيش وأن أشعر إني موجود ومن أنا”. وفي نفسه كان همّه ألا يظهر الأشياء إلا من خلال جدار سميك من الشعور الإنساني عندما يقول في كتابه “الفن الفلسفي”.
“ما هو الفن الخالص في المفهوم الحديث؟” “هو أن تخلق سحراً متلاحقاً يحتوي الموضوع والعلة معاً والعالم الخارجي للفنان والفنان نفسه، بشكل يستطيع معه إلقاء محاضرة بعنوان ضآلة الحقيقة في العالم الخارجي” ذرائع، انعكاسات، أطر الأشياء كلها لا قيمة لها مطلقاً بذاتها وليس لها من مهمة سوى أن تعطي الفنان فرصة تأمل نفسه وهو يراها. لبودلير مسافة جوهرية تفصله عن العالم ليست هي مسافتنا نحن فبينه وبين الأشياء تتدخل دائمًا نصف شفافية لزجة قليلاً معطرة كثيراً كأنها ارتجاف هواء الصيف الحار وهذا الشعور المراقب والذي يشعر بأنه مراقب وهو يقوم بأعماله العادية، يفقد الإنسان عفويته كالطفل الذي يلعب في ظل مراقبة الكبار. هذه العفوية التي كرهها بودلير بقدر ما ندم على حرمانه منها. هو لا يملكها مطلقاً فكل شيء عنده مزيّف لأنه مراقب فأتفه نزوة وأقل رغبة تولد مراقبة وحلولة الرموز. وإذا ما تذكرنا المعنى الذي أعطاه “هيجل” لكلمة مباشرة أدركنا أن تميز بودلير العميق يكمن في كونه الرجل الذي فقد المباشرية. ولكن كان لهذا التميز من قيمة بالنسبة لنا نحن الذين نراه من الخارج، فغنه وهو الذي ينظر إلى نفسه من الداخل لم يستطيع أن يمسك به مطلقاً. كان يفتش عن طبيعته أي خصائصه وكيانه، لكنه لم يدرك سوى توالي حالاته النفسية الرتيبة الطويلة التي جعلته يسخط عليها. كان يرى جيداً ماذا يصنع خصوصية الجنرال أو بيك وخصوصية أمه. فكيف إذنْ لم يتمتع بخصوصية شخصه هو. ذلك لأنه كان ضحية وهم طبيعي، بموجبه ينطبع داخل الإنسان على خارجه. وهذا غير موجود. وهذه الصفة المميزة التي تشير إليه دون الآخرين، لا اسم لها في لغته الداخلية. فهل يرى نفسه روحانياً أم مبتذلاً أم متميزاً؟ أو هل باستطاعته حتى أن يدرك حيويته وسعة ذكائه؟ هذا الذكاء الذي لا يحدّه سوى نفسه، وما لم يتدخل المخدر ليسرّع قليلاً من مجرى أفكاره فقد كان معتادًا على وتيرتها وكانت تعابير التشبيه تنقصه ليعرف كيف يتذوق سرعة جريانها. أما عن تفاصيل أفكاره وعواطفه المتوقعة والمعروفة حتى قبل أن تظهر والشفافة من كل النواحي فإنها تلوح له معروفة جداً، قد رآها من قبل ولها في نفسه ألفة لا رائحة لها ولا طعم. آتية من حياة سائبة. إن نفسه مملوئة بنفسه حتى الفيضان. لكن هذه النفس ليست سوى مزاج كابٍ فَقَدَ التماسك والمقاومة، حتى عجز عن الحكم والملاحظة دون ظلال ولا أنوار. إنه وعي ثرثار يرود نفسه بهمس متلاحق ويلتصق بنفسه التصاقاً يمنعه من قيادة نفسه ورؤيتها بوضوح. وهنا تبدأ المأساة البودليرية.تصوروا الشحرور الأبيض أصيب بالعمى ـ لأن النور المبهر إذا انعكس على العين يعادل العمى ـ فتسلطت عليه فكرة البياض المنتشر على جناحيه, يراه كل الشحارير و يحدثونه عنه وهو وحده لا يستطيع أن يراه, ووضوح بودلير الشهير ليس سوى مجهود لتعويض الخسارة. فالأمر يتعلق باستعادة نفسه وبما أن النظر تملّك فيجب أن يرى نفسه ولكن لكي يرى نفسه يجب أن يكون شخصين. إن بودلير يستطيع أن يرى يديه وذراعيه لأن العين مختلفة عن اليد لكن العين لا تستطيع أن ترى فنسها إنها تشعر بنفسها وتعيشها غير أنها لا تستطيع أن تتخذ المسافة الضرورية لكي تتذوق نفسها. وعبثاً ما يصرخ في أزهار الشر قائلاً:
وجهاً لوجه كئيباً واضحاً
يقف وقلبه مرآته
وهذه المواجهة ما تكاد خطوطها الأولى ترتسم حتى تتلاشى لأنه لا يملك سوى رأس واحد. وسينحصر مجهود بودلير في دفع المحاولة المجهضة من الازدواجية إلى نهايتها القصوى، والتي هي الضمير العاكس. وإذا تمتع مبدئيا ًبالوضوح فليس ذلك من أجل أن يقدم لنفسه حساباً عن أخطائه ولكن من أجل أن يصبح اثنين. وإذا أراد أن يكون اثنين فلكي يحقق من هذا الازدواج الامتلاك النهائي للأنا بواسطة الأنا وهكذا يضج منه وضوحه. فلم يكن سوى شاهد نفسه وسيحاول أن يكون جلادها لأن التعذيب يولد ازدواجية كاملة الاتحاد، فيه يستولي الجلاد على الضحية. وبما أنه لم ينجح في رؤية نفسه فلا أقل من أن ينبشها كما تنبش السكين الجرح آملاً من وراء ذلك أن يصل إلى الوحدة العميقة التي تكوّن حقيقة طبيعته:
أنا الجرح والسكين
أنا الضحية والجلاد
فهل هذا التنكيل بنفسه يقلدّ الامتلاك؟ إنه ينزع إلى خلق لحم تحت أصابعه، لحمه هو حتى يعرف أنه لحمه من خلال ما يشعر به من ألم. فأنْ تجعل إنساناً يتألم ذلك يساعدك على امتلاكه وخلقه كما يساعدك على القضاء عليه. والصلة التي تجمع بالتبادل الضحية والمحقق هي صلة جنسية. وعبثاً يحاول أن ينقل إلى حياته الشخصية هذه العلاقة التي لا معنى لها إلا بين أشخاص متمايزين. أن يحول إلى سكين وجدانه العاكس وإلى جرح وجدانه المستقبل في حين أنهما في الواقع واحد.لا يمكن أن يحب الإنسان نفسه ولا أن يكرهها ولا أن يعذب نفسه، فالضحية والجلاد يختفيان في عدم تمييز مطلق عندما يطالب الأول بالألم والثاني يمارسه بعمل إرادي وحيد. وبودلير أراد بعمل معاكس، لكنه يهدف إلى الغاية نفسها، أن يجعل من نفسه الشريك المتكتم بوجدانه المستقبل، ضد وجدانه العاكس. وعندما يكف عن جعل نفسه تستشهد فذلك لأنه يحاول أن يندهش من نفسه، وسيدّعي عفوية محيّرة، وسيتظاهر بالاستسلام إلى أكثر النزوات مجانية، لكي يضع نفسه فجأة أمام نفسه، كشيء معتم وغير منتظر، أو بتعبير آخر كشخص يختلف عن شخصه. فإذا نجح في هذا المسعى، فالمشكلة محلولة جزئياً وباستطاعته إذن أن يتمتع بشخصه. ولكنه هنا أيضاً لا يكوّن سوى شخص واحد مع الذي يريد أن يفاجئه، وأقل ما يقال أنه يحدس مشروعه حتى قبل أن يضعه. إنه يتوقع مفاجأته ويقيسها ويركض وراء اندهاشه الشخصي دون أن يستطيع أبداً إدراكه. فبودلير هو الرجل الذي اختار أن يرى نفسه كأنه شخص آخر ولم تكن حياته كلها سوى قصة هذا الفشل. وعلى الرغم من الخدع التي نسجت صورته في نظرنا إلى الأبد فإنه يعرف تماماً بأن نظرته الشهيرة ليست هي والشيء المنظور سوى واحد. وأنه لن يصل أبداً إلى امتلاك حقيقي لشخصه ولكنه يصل فقط إلى ذلك التذوّق الفاتر الذي يميز الوجدان العاكس.إنه يشعر بالضجر وهذا الضجر “تلك العاطفة العجيبة التي هي أصل كل أمراضه وكل نجاحاته البائسة” ليس حالة عارضة أو كما يدّعي هو أحياناً ثمرة عدم فضوله القرف: إنه “الضجر النقي من الحياة” الذي تكلم عنه “فاليري”، إنه الطعم الذي يملكه الإنسان لنفسه بالضرورة إنه طعم الوجود.
أنا غرفة انتظار عتيقة
مليئة بالورود الذابلة
يملؤها خليط عجيب
من أزياء فات زمانها
ولا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب
إلا الرسوم النائحة
ولوحات بوشيه الشاحبة
هذه الرائحة الخفيفة التي تتصاعد من حق مفتوح إنك لا تكاد تشعر بها، لكنك تراها فهي حاضرة بكل هدوء وفظاعة، لأنها الرمز الأمثل لوجود الوجدان من أجل نفسه. فهل الضجر أيضاً شعور ميتافيزيقي.
هذا هو المنظر الداخلي لبودلير والمادة الأزلية التي صنعت منها أفراحه وغضبه وأحزانه. وها هو تناسخه الجديد: بعد أن سدّ عليه حدسه، بتفرده الصريح، المنافذ كلها، يدرك أنه وقف على كل إنسان. فسار في طريق الوضوح ليكشف عن طبيعته المتميزة وعن مجموع الملامح التي تستطيع أن تجعل منه الرجل الذي لا يمكن تعويضه. أما ما وجده في طريقه فلم يكن وجهه هو، لكنه الأنماط الغامضة للضمير الكوني. فالكبرياء والوضوح والسأم كلها واحدة في نظره. ففي داخله وعلى الرغم منه، يصل ضمير المجموع إلى ضمير الفرد ويتعارفان.
مختارات من “أزهار الشر”:
القطرس
غالبًا ما يصطاد البحارة طلبًا للتسلية
طيور القطرس. هذه الطيور الكبيرة
التي تتبع بغير مبالاة السفينة المنسابة
فوق اللجج كأنها رفاق السفر
وما إن يضع البحارة ملك الفضاء هذا
على ألواح السفينة
حتى يتحول إلى أخرق خجل
يترك جناحيه الكبيرين الناصعين
يجرجران إلى جانبه كالمجاديف
بصورة تدعو للرثاء
يا له من أخرق تافه مضحك بشع
هذا المسافر المجنح الذي كان في غاية الجمال
فواحد يزعج منقاره بغليونه
وآخر يقلد وهو يعرج هذا المريض الذي كان يحلق
ما أشبه الشاعر بأمير الفضاء هذا
الذي كان يرود العاصفة ويهزأ بالرماة
إنه على الأرض منفيّ بين الغوغاء
وأجنحته الجبارة تعوقه عن مواصلة المسير.
العدوّ
شبابي لم يكن سوى زوبعة قاتمة
اخترقته هنا وهناك الشموس اللامعة
فقد عبث المطر والرعد ببستاني
فلم يبقيا فيه إلا القليل من الثمار الذهبية
وها إن أفكاري قد بلغت خريفها
ولا بد لي من استعمال الرفش والمسلفة
لأعيد تنظيم هذه المزارع التي غمرتها المياه
وحفرت فيها حفرًا واسعة كالقبور
من يدري إذا كانت هذه الأزهار الجديدة
التي كنت بها أحلم
ستجد في التربة المغسولة كالرمل
الغذاء الرمزي الذي يبعث فيها النشاط
أيها الألم إن الزمن يُبلي الحياة
والعدوّ الغامض الذي ينهش قلوبنا
على دمنا المسفوح ينمو ويقوى.
الرجل والبحر
أيها الإنسان الحر ستحب البحر دائمًا
فالبحر مرآتك تتأمل نفسك في انبساط أمواجه
غير المتناهية، في حين
أن روحك هاوية لا يقل عنه مرارة
ومن دواعي سرورك أن تغوص في أعماق صورتك
وتضمها بعينيك وذراعيك
وقلبك يلهو أحيانًا بخفقانه
وبصخب هذه الشكوى الوحشية المتمردة
فأنتما غامضان لا تبوحان
فيا أيها الرجل.. لم يستطع أحد أن يسبر أغوار نفسك
ويا أيها البحر.. لم يستطع أحد أن يعرف مقدار ثروتك
الدفينة في أعماقك
لحرصكما الشديد على كتمان أسراركما
ومع ذلك فإنكما تحتربان بلا شفقة ولا ندم
لأنكما تحبان كثيرًا الموت والمجازر
يا أيها المتحاربان الأزليان
والأخوان اللذان لا يعرفان الهدوء
بكاملها
زارني الشيطان يومًا في غرفتي العالية
محاولاً أن يضبطني متلبسًا بالخطيئة
فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها
فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها
ومن الأشياء الوردية والسوداء
التي تكوّن جسدها الفاتن
أي شيء هو الأجمل
أراك يا نفسي تجيبين كارهة
لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم
فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها
أجدني أجهل الشيء الذي سحرني
إنها كالفجر تبهيني وكالليل تعزيني
والانسجام الذي يلف كل جسدها
بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصّر
عن تعداد توافقاتها العديدة
فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة
إن أنفاسها تصنع الموسيقى
وإن صوتها يصنع العطور.
الشبح
كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغًا وسيستمر باردًا حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب.
موت الفقراء
إنه الموت الذي يعزي واحسرتاه
وهو الذي يحملنا على الحياة
إنه غاية الحياة والأمل الوحيد
الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا
ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية
عبر الإعصار والثلج والجليد
هو الضوء المتموّج في آفاقنا السود
إنه الفندق الذائع الصيت
الذي يوفر الطعام والراحة والنوم
إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية
الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة
ويسوي مضاجع الفقراء والعراة
هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي
وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم
إنه الرواق المفتوح على الآفاق
المجهولة.
(ترجمها عن الفرنسية: حنّا وجورجيت الطيّار)