كتابة السيرة في زمن الصورة
محمد سعيد الريحاني
الكتابة عموماً هي شكل من أشكال تحقيق الفكر وجعله واقعاً على الورق أو على الأرض. لكنها أيضاً دعم للبحث عن الحقيقة في نسبيتها ومطلقها. فإذا كانت الصورة معادلة للحقيقة، فلماذا لا تستثمر الصورة في كتابة السيرة لدعم الحقيقة التي تنشدها حقيقة المحكي، وحقيقة ما جرى؟
السيرة الذاتية المصورة لون أدبي فني وليد جديد على الثقافة العربية أولاً، وعلى الثقافة الإنسانية عموماً. وأملنا أن تكون هذه السيرة الذاتية المصوّرة المنشورة بعنوان "عندما تتحدث الصور" الحجر الأساس لهذا الجنس الأدبي الفني الذي نأمل أن يصبح تقليداً إبداعياً راسخاً في الثقافة العربية والإنسانية عموماً، يصالح القراء مع الكتاب في زمن العزوف عن القراءة، ويعرِّف القارئ عن قرب على المؤلف جاعلاً من الكتاب ملاذاً حميماً مادامت السيرة الذاتية تقرأ أصلاً بشكل مختلف عن باقي الأشكال المكتوبة. وهذا ما يفسر الإكبار الذي لقيته المعلقات، والذي لم يتكرر بعد عصر الجاهلية بسبب خروج الشعر عن الفخر بالذات والانحباس في مقايضة مال السلاطين بهبة الإبداع...
محاولات الكتابة في السيرة المصورة تكاد تنحصر في الكتابة عن سيرة الغير من طرف المعجبين والاتباع على السواء، لذلك فهي تنضوي تحت جنس "السيرة الغيرية المصورة"، كما هو الحال مع "فوتو بيوغرافيا ألبرت أينشتاين"، للكاتبة "مارفيه فرغسن ديلانو"، و"فوتو بيوغرافيا لينكولن"، للكاتب "راسل فريدمن" و"فوتو بيوغرافيا غاندي" للكاتب "بيتر روهه" و"فوتو بيوغرافيا مارتن لوثر كينغ"، للكاتبين "بوب أدلمن"، و"تشارلز دجونسن"، و"فوتو بيوغرافيا تشي غيفارا"، للكاتبين "كرستفر لافينيه" و"كريستوف لافينغ"... لكن هدفنا من المشروع الراهن، "عندما تتحدث الصورة"، ليس هو دعم السيرة الغيرية المصوّرة التي استنفدت جهداً أكثر من باحث في أكثر من ثقافة، وأكثر من لغة، وإنما التأسيس لتقليد أدبي إبداعي جديد، السيرة الذاتية المصورة، يشرف فيه الكاتب بنفسه على إنطاق الصور بدلاً من تزيين السيرة بالصور الذي يبقى هدف غيرنا.
الفرق بين "السيرة الغيرية المصورة" و"السيرة الذاتية المصورة" يمكن الانتباه إليه من عدة زوايا، أهمها خاصية الكتابة من الداخل (حالة "السيرة الذاتية المصورة" التي يشرف عليها الكاتب بنفسه)، وخاصية الكتابة من الخارج (حالة "السيرة الغيرية المصورة" التي يشرف عليها المعجبون والأتباع).
أما الفرق بين "السيرة الذاتية المصورة"، و"السيرة الذاتية المزينة بالصور"، فيمكن الانتباه إليه من عدة زوايا، أهمها
أولاً أن "السيرة الذاتية المصورة" تبقى كتابة أدبية بينما تنفتح "السيرة الذاتية المزينة بالصور" على الكتابة التعليمية (سير عظماء التاريخ، مثلاً) والكتابة التسويقية (سير الفنانين والنجوم والمشاهير)...
ثانياً أن الصورة محورية في "السيرة الذاتية المصورة" فهي السارد وهي الموضوع في الآن ذاته؛ فالصورة سابقة على النص لذلك كانت مولدةَ له. وهي بذلك غير وصفية ولا تكتفي بالتعليق. إنها تعيد عقارب الزمن ووجدان الكاتب معاً إلى الوراء لإعادة الحياة إلى مجال حيوي أحاط بالصورة عند التقاطها.
أما في "السيرة الذاتية المزينة بالصور"، فالصورة مجرد تزيين ثانوي يمكن حذفه دون تأثير على بنية العمل الأدبي لأن النص، سابق للصورة وربما مغيّب لها فنص السيرة هو أول ما يكتب ثم يتم البحث بعد ذلك عن الصور لتوضيح المكتوب. فيما يبقى دور الفنان المنشط للكتاب بالصور أو الموضح لأفكاره بالصور دوراً غير مهم داخل العمل، لأنه لم يعايش اللحظة التي تسجلها الصورة.>