دعوة لقراءة الدستور
كثر الحديث في الآونة الأخير عن الثورة التشريعية الهائلة التي تعيشها سورية
كما أن الشغل الشاغل للجميع الآن ما يجري حولنا من تطورات وتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وتشريعية
وفي خضم بحثنا عن الإصلاحات ركب البعض منا موجة أو موضة التغيير أو التطوير والتحديث. بينما ظل البعض منا أيضاً معتلياً موجة اللوبي الحكومي الذي يمدح ويمجد ما تم من إنجازات أسطورية وبأن ليس بالإمكان أكثر مما كان.
وبين هذا وذاك هناك غالبية عظمى ترى أن تعديل التشريعات بات طريقاً مملاً الكل ينادي به لكن من دون جدوى.
وبين هذا وذاك وأولئك ضاعت الحقيقة.
لم نجد جوابا على سؤالنا من الذي يشرع في سوريا. ولم نعرف كيف يتم تطوير التشريع في سوريا. ولم نتبين ما هو المنهج أو الأساس التشريعي في سوريا. وما هي الخطة التشريعية في سوريا. وما هو منهج وفلسفة القانون السوري.
لقد غاب عن ذهن الجميع أن كل ما سمي من ثورة تشريعية وما صدر من قوانين لم يكن إلا ترميمات وترقيعات قانونية وترقيع على الترقيعات تأخرت كثيراً .
اللافت للنظر في هذا الأمر هو علو الصوت الشعبي والاجتماعي على الصوت العلمي والقانوني. وأصبحت الدعوات لسن القوانين أو تعديلها أو إلغاءها يتم من خلال المواقع الإلكترونية والصحافة والإعلام والشكاوى والعرائض وهنا الطامة الكبرى. فقد غابت أهم الفئات وهي المؤسسات الدستورية التشريعية.
بل أكاد أقول أن الصوت القانوني للمثقفين الحقيقيين ورجالات الشرع والفقه و القضاء والقانون يكاد يكون الصوت الغائب الوحيد عن هذا الحراك الشعبي المتزايد.
كنت أنتظر و لا أزال وسأبقى أنتظر أن أسمع أساتذتي ونظرائي من أهل الفقه والقانون و هم يدلون بقسطهم في محتوى التطوير القانوني المطلوب.
إننا جميعاً ننادي بالتطوير القانوني وبقوانين حديثة معاصرة تتناسب مع الألفية الثالثة. لكن هذا التطوير لا يمكن أن يستند إلى الحراك والصوت الشعبي وحده ولا إلى العرائض والدعوات والاستدعاءات دون أن يقابله أو يرافقه تحرك علمي منهجي من رجالات الفقه والقانون، والمؤسسات القانونية المسؤولة أولاً وأخراً عن تطوير التشريع.
إصلاح القوانين لا يمكن أن يتم إلا من قبل مؤسسات تشريعية دستورية مثقفة وواعية ومختصة، حرة ونزيهة ومستقلة.
إصلاح القوانين بالسن والتعديل والإلغاء لا يعقل أن يكون نتيجة ظروف دولية أو إقليمية محيطة يبدأ مع وجودها ويتلاشى مع زوالها.
إصلاح القوانين ليس حالة أنية موقوتة تولد مع ظرف ما وتنتهي مع انتهاء هذا الظرف.
إصلاح القوانين حالة متجددة مستمرة لا تنتهي وإن انتهت لا تلبث أن تبدأ من جديد. فالتغيير سنة الله في خلقه.
إصلاح القوانين يحتاج قبل كل شيء لوعي وإدراك وثقافة قانونية عامة وخاصة.
إصلاح القوانين لا يمكن إلا بعد التثبت من مدى صحة، ونجاعة، وصوابية أو خطأ القواعد والأحكام القانونية التي تضمنتها، ومن ثم يأتي بعد ذلك ضمان احترام القانون وتطبيقه التطبيق الكامل والصحيح والشامل.
إصلاح القوانين لا يكون بالرتي والترقيع وإنما بالدراسة الشاملة الممنهجة المبنية على قاعدة بيانات شاملة تحتوي كل القوانين السورية النافذة والملغاة والمعدلة الصادرة منذ بداية القرن الماضي وحتى الآن، وقراءتها قراءة صحيحة وتحليلها وتفنيدها من قبل مختصين قانونيين بالاستناد إلى وقائع وإحصائيات.
كثير منا طالب بتعديل قوانين أو إلغاءها دون أن يعرف محتواها.
كثير منا يطالب بسن قوانين دون أن يعرف نتائجها وتأثيراتها وما إذا كانت تناسب مجتمعنا أم لا.
كثير منا يطالب بسن قوانين عصرية جديدة ولا يدري ما هي هذه القوانين وكيف تكون.
والأهم جملة كبيرة من القوانين صدرت وعدلت وكانت في صدورها وتعديلها مخالفة لأحكام الدستور الذي هو القانون الأساسي للدولة.
أستطيع أن أتطوع وأكون أول من يقول بفشل التكوين القانوني السوري الحديث فكل التشريعات التي صدرت عدلت ورقعت ومازالت بحاجة للمزيد المزيد من التعديل والترقيع.
أعلم أن إشكالات عدة تحيط بصناعة القانون في سوريا ومن ثم بتطبيقها في خضم تداخل الخطوط والحدود بل أكاد أزعم بتجمعها في يد واحدة. كما يضاعف العقدة مشكلات تتعلق ابتداءا بالسلطة التشريعية ومستوى أعضائها من الثقافة العامة والقانونية ويكاد يجاور الصفر، والطريقة التي وصلوا بها إلى هذه السلطة وآلية اختيار وعمل هذه السلطة ، ثم انفصال رجال الفقه القانوني والمختصين عن الواقع و ما يجري من تشريعات قانونية.
بيد أن تراكم الإشكالات ليس محرضا على السكون القانوني. إذ الوضع في حد ذاته يمثل دعوة عاجلة لرجال القانون وأساتذته لقول صادق أمين في هذا الترميم و التعديل.
لست مؤهلا الآن والمجال لا يسمح لأن أشير وأضع كافة القوانين والتشريعات السورية على طاولة البحث لنتناولها بالنقد والجرح القانوني وذلك بسبب ما ذكرته من أن ذلك يحتاج لقاعدة بيانات كاملة غير متوفرة حتى اللحظة.
كل القوانين السورية بحاجة للتقييم والدراسة وإعادة النظر أولها الدستور وأخرها قانون الشركات الأخير وبينها قانون الطوارئ.
كثيرة هي القوانين المخالفة للدستور، وهذا لا يجوز.
لن أبدي رأياً مؤيداً أو معارضاً للأحكام الواردة بالدستور. وكذلك لن أفعل في بقية القوانين النافذة في سوريا. ولكن أقول صححوا الدستور أو صححوا القوانين. لا يجوز أن يبقى التعارض قائماً.
وإذا أردنا أن نبدأ بخطوات صحيحة واثقة لتطوير قوانيننا يجب أن نبدأ من الأساس وهو الدستور وبعدها تأتي البقية.
أدعو القارئ أن يقرأ نصوص الدستور.
لماذا؟
الدستور يمثل عقدنا الاجتماعي الذي يحكم أركان القانون في دولتنا. لذا فإن أقل ما يجب علينا الآن هو أن نقرأه ونعرفه ونحفظه عن ظهر قلب هو ما اتفقنا (أو ما يفترض أنه متفق) لنكون على دراية ووعي.
هذه الدعوة موجهة للقانونيين والعامة.
لست أذيع سرا حين أقول أن أكثر أهل القانون محامين قضاة حقوقيين طلبة القانون وخريجي وأساتذة كليات الحقوق لم يقرؤوا دستور الدولة ولا يعلمون عنه شيئاً!! فكيف بغير أهل الصنعة.
أعتقد وأوقن وأكاد أجزم أنه إن أطلقت صيحة أو دعوة لدستور جديد معاصر يليق بسورية القرن الواحد والعشرين أو تعديل الدستور وتصحيحه فسأواجه بعاصفة هوجاء من النقد والانتقاد والسب والشتم. وسينقسم الذين تصلهم دعوتي بين مؤيد ومعارض وجلَّ هؤلاء وهؤلاء مع وضد لم يقرأ الدستور ولم يعرف ما فيه.
أرجو أن نقرأ النصوص بتأن وتدقيق.
الدستور هو القالب الرئيس الذي يجب أن تصاغ كل قوانيننا على أساسه ، والذي لا يجوز أن تخالفه أو تخرج عنه شكلاً أو مضموناً.
حاولوا أن تقرؤوا بنظرة نقدية واتركوا للعقل الحر أن يطرح الأسئلة ويجيب عليها.
لن أضع أسئلة ولن أشير لأي مادة حتى أترك الحرية للقارئ.
وبعد قراءة الدستور سأدعوكم بعدها لقراءة دساتير أخرى مقارنة عربية وأجنبية مثل الدستور اللبناني أو المصري ، والدستور الفرنسي (معظم قوانيننا الأساسية تستمد مصادرها من القانون الفرنسي).. الخ.
لنحاول أن نتعرف إلى الفوارق في الصياغة والمضامين.
وبعد أن نفهم دستورنا ونعيه ونتفق عليه تبدأ عملية شاملة لإصلاح كل القوانين السورية بما يتفق وينسجم مع الدستور ومع حاجاتنا وطبيعة مجتمعنا ومصالحنا الوطنية.
أترككم مع الدستور السوري
تقبلوا تحياتي

</b></i>