اهلا وسهلا بكم في بلاد الرافدين
ما ذكره عبد الوهاب الدباغ عام 1969 عن النخلُ و التمْر في التاريخ
ما ذكره عبد الوهاب الدباغ عام 1969 عن النخل و التمر في اللغة و الأدب
قاموس النخيل و التمور في العرف المحلي العراقي
البصرة مدينة النخيل والشعر والتاريخ
النخلة المقدسة بين التراث والدين
البصرة عبر العصور تعرضت للعديد من النكبات لكن مكانتها كانت ترتفع جيلا بعد جيل
النخل في العصور القديمة
وادي الرافدين
ان اقدم ماعرف عن النخل كان في بابل التي يمتد عمرها الى حوالي اربعة آلاف سنة قبل المسيح . فقد خلفت آثاراً لهذا الشجر في مواضع مختلفة منها. ولايستبعد أن يكون النخل معروفاً ومألوفاً قبل ذلك التاريخ. فمدينة "أريدو" الواقعة على مسافة 12 ميلاً جنوب "أور" والتي تعتبر من مدن ماقبل الطوفان كانت قائمة في أوائل الالف الرابع قبل الميلاد، وقد ثبت كونها منطقة رئيسة لزراعة النخل اذ كانت حينذاك على مشارف منطقة الاهوار . وكانت النخلة مقدسة عند السومرين والبابلين والآشوريين لاهميتها المعاشية والاقتصادية. ومما يثبت توغل وجود النخل في القدم بحنوب العراق ، ان العلامة المسمارية التي كان يكتب فيها النخل بدأت في كتابات عصر فجر السلالات (3000-2400) ق.م، ثم انتشرت في العهود الاخرى. وفي احدى الوثائق من عهد الملك "شوسن" من سلالة "أور" الثالثة (1978-1970) ق.م. اشارة الى بستان نخل مزدهرة تقع في المنطقة الممتدة بين بلدتي "أوما" و"لگاش" وتعود الى معبد اله "اوما". وقد قسمت البستان الى ثمانية أقسام حسب عمر النخل ودرجة ثماره . وكان انتاج البستان للتمر تقدر كميته بالكيلة لا بالوزن.
مخلفات النقوش السومرية للنخل:
الشكل (2) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، قصة آدم وحواء وأغراء الحية بهما كما ظهرت على ختم يعود للعهد السومري (عن احمد سوسة 1969 )
في (الشكل 1) نقش للنخلة يرجع تاريخه الى العهد السومري. حيث ترى النخلة المقدسة وقد تدلى منها عذقان ، وفي كل من جهتي النخلة تقف امرأة مادة يدها نحو العذق مع انها تحمل عذقاً بيدها الاخرى . كما ترى احدى المرأتين تناول العذق الذي في يدها ثالثة . والمرأة الثالثة تمد يدها اليسرى لاستلام العذق في حين انها تحمل عذقاً آخر في يدها اليمنى . مما يشير الى وفرة غلة النخلة.
الشكل (1) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، النخلة المقدسة في العهد السومري البابلي
وكان الاشوريون يقدسون أربع شعارات دينية ، احداها النخلة والثلاثة الباقية هي : المحراث والثور والشجرة المقدسة. عثر على هذه الشعارات منقوشة على تاج وضع في أعلى محراب يعود الى عصر "أسرحدون" (680-669) ق.م. وفي النقش الذي يمثل "قصة آدم وحواء واغراء الثعبان بهما" والذي عثر عليه مدوناً على ختم اسطواني يعود الى العهد السومري القديم لما يسترعى الملاحظة والتأمل. ذلك لان ماورد في التوراة عن قصة آدم وحواء وجنة عدن وكيفية اغراء الثعبان بهما على اكل ثمار شجرة معرفة الخير والشر رغم التحذير من أكلها تجدها متمثلة في النقش المذكور و(بالشكل 2) تشاهد في النقش رجلا وعلى رأسه قلنسوة بقرنين وأمامه امرأة حاسرة الرأس ، وبينهما شجرة تمثل النخلة يتدلى من جانبيها عذقان من التمر ، وتمتد يد كل من الرجل والمرأة نحو العذق القريب منه للاقتطاف من ثمره. كما تشاهد الثعبان وقد انتصب خلف المرأة يغريها على الاكل من الثمرة المحرمة. فشجرة معرفة الخير والشر الواردة في التوراة هي شجرة النخل بالنسبة للسومرين الذين الفوها عندهم . أما هذا النقش التاريخي الفريد فقد وضع قبل تدوين التوراة بأكثر من الفي عام لان التوراة لم تدون بنصها الحالي الا في القرن الثامن والتاسع قبل الميلاد
الشكل (2) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، قصة آدم وحواء وأغراء الحية بهما كما ظهرت على ختم يعود للعهد السومري (عن احمد سوسة 1969 )
ولقد ترجم "سايس" (A.H.Sayce) بعض النصوص الاثرية عن النخلة بما يأتي: " ان الشجرة المقدسة التي يناطح سعفها السماء وتتعمق جذورها في الاغوار البعيدة لهي الشجرة التي يعتمد عليها العالم في رزقه. فقد كانت بحق – شجرة الحياة – وعلى هذا فلقد تمثلت بأوقات مختلفة في هياكل بابل وآشور" ففي بابل كانت هذه النخلة المقدسة تزين ردهات المعابد الداخلية ومداخل المدن وعروش ذوي التيجان .. فالآه النخل كان يظهر على هيئة امرأة ينتشر عن اكتافها السعف كالاجنحة .
ولقد قننت شريعة حمورابي عددا من موادها لحماية زراعة النخل وتعهده : فالمادة التاسعة والخمسون من شريعة حمورابي تنص على : تغريم من يقطع نخلة واحدة بنصف (من ) من الفضة (أي نحو نصف لبرة) ولابد أن تكون هذه الغرامة باهضة في ذلك العهد .
وتنص المادة الستون على انه : اذا اعطى شخص ارضه لاخر ليغرسها بستاناً فليس له الحق في العوض لاربع سنين وفي السنة الخامسة يتقاضى نصف الناتج. ولقد كانت جميع المقاولات التي تتناول البساتين ايام حمورابي تشير الى التمر. وان غرس البستان يعني غرس النخل. وان تحديد المدة بأربع سنين في تلك الشريعة مما يثبت على ان غرس النخل لابد وان كانت يجري بالفسيل لا بالنواة ، لان النخلة النامية من النواة تستغرق اكثر من ست سنين حتى تثمر . وقد اختصت المادة الرابعة والستون والخامسة والستون في تلقيح النخل (5) فتنص الاولى على انه : اذا عهد مالك الى فلاح تلقيح نخيل بستانه والعناية بها فعليه ان يسلم ثلثي الحاصل الى صاحب البستان ويأخذ لنفسه الثلث . واما المادة الخامسة والستون فتنص على انه : اذا اهمل الفلاح تلقيح النخل وسبب نقصا في الحاصل فعليه ان يؤدي ايجار البستان اسوة بالبساتين المجاورة.
وهنالك الفاظ قديمة لايزال يستعملها زراع النخل العراقيون : لفظة " التال " المستعملة محليا لتعني " الفسيل " وجدت بالمصادر المسمارية بلفظة " التالو " ، " تالا" بالآرامي . ولفظة "التبلية " أي الالة التي يصعد بها الى اعالي النخل اصلها " توبالو" بالبابلية .
واما الاسم البابلي للنخل فهو " جشمارو" Jishimmaru مأخوذ من الكلمة السومرية "جشمار" Jishimmar والتمر في السومرية "زولوم ما Zulumma " ومنه الكلمة البابلية " سولبو Suluppu " . والنخل بالآرامية "دقلة Diqla " وفي العبرية " تامار Tamar " وفي الحبشية " تمرة Tamart " . وكان البابليون يستفيدون من التمر ونخله فوائد جمة . وفي القصيدة البابلية من العهد الفارسي تعداد لفوائد النخل اذ قد احصيت في 365 فائدة. ولعل ذلك مماثلاً للاغنية التدمرية القديمة التي تعدد فوائد نخل تدمر بــ 800 فائدة . ولقد ذكر "سترابو" أهمية النخل للعراق القديم بقوله : " تجهزهم النخلة بجميع حاجاتهم عدا الحبوب " .
تصف المصادر المسمارية اصنافاً كثيرة من التمر تتجاوز السبعين صنفاً . كما انها تذكر اصنافاً بأسماء مواضعها مثل : تمر تلمون ( يرجح ان تكون البحرين ) ، تمر مجان (أي عمان ) ، تمر ملوخاً . وقد ذكر " بلني Pliny " 49 صنفاً من اصناف التمور .
وقد ادخل البابليون والاشوريون التمر في بعض الوصفات الطبية كأستعمال تمر تلمون للدمامل والقرح بشكل لبخة . ووصف ماء التمر مع ماء الورد للمعدة وعسر البول مع الحليب . ووصف مسحوق نوى التمر مع شحم الخنزير للرضوض والاورام . وكذلك مسحوق النوى وماء الورد لمداواة العيون.
وكان البابليون يستحضرون شرابا من نسغ النخلة يسمى " شراب الحياة " وان عناية البابلين في رعاية النخلة وخدمة تربتها قديمة اذ وجدت وثيقة من العهد البابلي تلزم مستأجر النخل بالواجبات التالية : حراثة الارض المزروعة بالنخل ومراقبة الطلع وتلقيحه . ولقد كانوا يزاولون تسميد النخيل وتنظيف قواعده من الفسيل.
ولقد ذكر " هيرودوتس Herodotus " الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد – خشب النخل في بابل كما ذكر ان معظم نخل بابل كان ينتج تمرا جيدا يؤكل .
وعندما غار الساميون على جنوب بابل – بتاريخ لم يحدد – وجدوا النخل هناك وكانوا قد الفوه في ديارهم . وهناك من الدلائل مايشير على ان النخل قد انتشر من وادي الرافدين شمالا حتى وصل فينيقيا وسوريا حيث كانت " عاملا مألوفا في التزيين ".
وادي النيل :
لاشك ان نخيل التمر كانت مغروسة بمصر في عصور ماقبل التاريخ وهي في ذلك شبيهة بوادي الرافدين . فالاسم الهيروغليفي للتمر هو " بنراو بنرت BNR و BNRT " ومعناه " الحلاوة " . وهذه التسمية قديمة تنفرد بها اللغة الهيروغليفية مما يدل على قدم توطن النخل في مصر .
عثر الدكتور " رين هارت Dr.Rein Hardt " في مقبرة بجهة الرزيقات قرب ارمنت على مومياء من عصر ماقبل التاريخ ملفوفة في حصير من سعف النخل ... كما عثر على نخلة صغيرة كاملة بأحدى مقابر سقارة حول مومياء من عصر الاسرة الاولى ( حوالي 3200 ق.م) . وقد استعان المصريون في عمل سقوف منازلهم ومقابرهم المصنوعة من اللبن بجذوع النخل من عصر ماقبل الاسرات . ولما استعملوا الحجر في البناء في عصورهم التاريخية لم ينسوا النخيل فقلدوا شكل جذوعه في اسقف مقابرهم كما يشاهد في مقبرة ( رع ور ) بالجيزة من عصر الاسرة الرابعة (حوالي 2720 ق.م) .
وكان أحسن اصنافه مانبت في مصر العليا ، وعلى حافة الصحراء المجاورة لوادي النيل . وقد عرفوا اصنافا كثيرة من ثماره منها مايعرف الان بالابريمي والعامري والسيوي الخ ... وقد اكلوا ثماره طرية ومجففة واستخرجوا من منقوع التمر نوعا من الخمر لا يزال بعض اهالي الوادي يستخرجونه منه ، كما استعمل في نقع الجثث المعدة للتحنيط لاحتوائه على الكحول .
وكان النخل من أهم الاشجار التي ازدانت بها الحدائق المصرية القديمة ، ومن أمثلة ذلك الحديقة التي تنتمي الى عصر الاسرة الرابعة (حوالي 2720 ق.م) وهي معروفة بأسم حديقة " متن Methon " بسقارة . ولم تقتصر فائدة النخل عندهم على أكل ثماره بل استعملوا الجريد في البناء والجذوع في عمل السقوف ومجاري القنوات ، كما دخل السعف في صناعة الحصر والسلال والاطباق والعبوات كما دخل مسحوق نوى البلح في الوصفات الطبية . وقد تيمن قدماء المصريين بسعف النخل وثماره فصنعوا الاكاليل والباقات الجنائزية من السعف ، وجعلوا من الخوص الحديث النمو فراشاً لبعض الجثث ، كما انهم تزينوا بقلائد من البلح.
بقاع المعمورة الاخرى :
وربما كانت النخلة موجودة غرب مصر مئات السنين او آلافها قبل ان يذكرها هيرودوتس . وليس هناك سجل تاريخي يشير الى واحات الصحراء الكبرى ، غير ان " ﭙلني Pliny " (23-80 ب.م) يذكر نخل التمر في جزائر الكناريا . كما انه ذكر بصورة مفصلة عن النخل المنتشر من اسبانيا الى ايران وذكر اصنافا عديدة مختلفة فيصف الثمرة بقوله : " حقاً ان التمرة عندما تكون بحالتها الطرية الرطبة تكون بالغة اللذة بحيث لايستطيع الآكل ان يمتنع عن التهامها لو لم تكن عاقبة اكلها المتمادي وخيمة ".
وفي شمال افريقيا كانت قرطاجنة تزرعه ثم اخذه عنها الرومان فالبرابرة . ويزرع في الصحراء الغربية والاستوائية من افريقيا ، والذي ساعد على نشره هناك وجود الجمل والقبائل الرحالة .ومما يقيم الدليل على قدم وجود النخل في اسيا وافريقيا هو تسميتها بأسماء مختلفة كثيرة فالعبريون يسمونها " تمارا" وقدماء المصريين " بنر" هذا الى تعدد تسميتها بالعربية والفارسية والبربرية فبعضها يدل على الثمر بمختلف اطواره او اصنافه وبعضها يشير الى الشجرة . والاسم اليوناني "فينكس Phoenix " مأخوذ عن " فينيقيا Phoenicia " اذ ان الفينيقين كانوا يملكون النخل وهم الذين نقلو زراعته في حوض البحر الابيض المتوسط . فلقد كان النخل مغروساًُ في اسبانيا والبرتغال قبل الميلاد . والاسم " داكتيلس Dactylis " و " ديت Date " هي مشتقات من الكلمة " دقل Dachel " العبرية الاصل والتي تعني الاصابع.
ولم يذكر النخل في الالياذة وانما ذكر في الاوديسا . وليس هناك من اسم سنسكريتي معروف ، وهذا مايدلنا على ان نخل التمر حديث الزراعة غرب الهند . واما التسمية الهندية " خرما " فمقتسبة من الفارسية .واذا توغلنا شرق الهند اتضح لنا ان نخل التمر لم يكن معروفا هناك ، فالصينيون استحصلوه من بلاد فارس في القرن الثالث بعد الميلاد . وفي البلاد العربية يتجلى الشعور الديني نحو النخلة . على ان زراعته في الجزيرة العربية لم يذكر عنها الا النزر القليل . وان كلمة " بعل " بالعربية تفيد مايسقى من النبات اعتماداً على المطر بصورة عامة وخصها بعضهم بالنخل التي تعيش ديما. وهذا ماله صلة بكلمة " بعل " التي كانت اسما لاله قديم .
النخلة في الكتب المقدسة :
في التوراة والتلمود : تفيد لفظة تامار العبرية معنى النخل والتمر معاً . وقد ذكر النخل وثمره في اقدم كتب اليهود واساطيرهم ومنها :
في التوراة
: كان يعرف قدماء العبرانيين النخل ويعجبون بأعتدال جذوعه وجمال شكله وانتفاع بني الانسان به فكان بعضهم ينتحل اسم النخلة لابنته فيسميها (تامار) كناية عن الجمال واعتدال القوام.
وعند خروج اليهود من اراضي مصر ودخولهم صحراء التيه في شبه جزيرة سيناء حطوا رحالهم في واحة تدعى ايليم (ويظن علماء الجغرافية انها وادي غرندل ) وجدوا فيها اثنتي عشر عيناً للماء وسبعين نخلة (سفر الخروج 15 -27) . ويظهر ان فلسطين كانت في تلك العصور كثيرة النخل خاصة في منطقة غور الاردن . فقد كانت اريحا الواقعة عند البحر الميت تدعى (مدينة النخل). وكانت مدينة عين جدى الواقعة على الشاطئ الغربي من هذا البحر تدعى : حصون تامار (يوشع) . وكانت دبورا الحكيمة تجلس للقضاء في الناس تحت جذع نخلة تعرف بأسمها في بيت ( قضاة4-5) .
ويظهر ان بعض القبائل الفلسطينية القديمة كانت تعبد صنماً على شكل نخلة يدعى ( بعل تامار ) " قضاء 020-33 " ويقال ان الفينيقين القدماء كانوا يعبدون عشتاروت على شكل نخلة تسمى في التوراة "اشميرا" أي السارية (تثنيه 034-3). وفي التوراة يعتبر التمر وعصارته " الدبس " من الثمار السبعة الممتازة (تثنيه 08-8). وقد اكتشف الاثاريون نقوداً يهودية قديمة عليها صورة نخلة ومن الاثار الرومانية قطعة نقود مصور عليها بنت يهودية جالسة تحت جذع نخلة . ومما يدل على اعجاب اليهود القدماء بالنخلة وخيرها العميم على البشر ان شاعر المزامير الاكبر يشبه الرجل الصالح بالنخلة المزهرة (مزامير 092-12) .
وكان النخل يستعمل في طقوس اليهود الدينية . فبين طقوس عيد المظال (وهو العيد المعروف في العراق بعيد العرازيل ) ان يأخذ اليهودي سعفاً طريا من قلب النخل فيجد له بطريقه خاصة ويحمله بيده عند تلاوته صلاة العيد رمزا للفرح والسرور . وهو مايسمى عندهم (لولاب). وهذا الطقس مازال متبعا حتى يومنا هذا (لاويين 023-4). وفي عصر المسيح كان اليهود يحملون سعف النخيل في احتفالاتهم وورد في الانجيل ان انصار المسيح فرشوا سعف النخيل في طريقه عندما دخل اورشليم لاول مرة (يوحنا 014-13). وكان سعف النخل من علامات الظفر ، يحمل امام المنتصرين في مواكبهم (رؤيا 014-13).
في التلمود :
في التلمود البابلي صورة واضحة لحياة اليهود الزراعية في العصور التي سبقت الفتح الاسلامي وبديهى ان يحتوي هذا الكتاب على معلومات عامة عن النخل والتمور نقتطف منها مايلي : كانت النخيل اشهر وأهم الاشجار المثمرة في العراق تنمو فيه بكثرة . وكان لكثرة غابات النخيل الطبيعية انها كانت تثمر دون عناية احد (اورشليمي بباموث 15-3).
وفي بعض البقاع كانت غابات النخيل تغطى مساحات واسعة وتمتد الى عدة اميال . ويروى عالمان من القرن الرابع الميلادي انهما اثناء قيامهما في جولة بأنحاء العراق سمعا من بعض الفلاحين ان هناك نوعا من التمور يدعى (صنيتا) يرجع تاريخه الى ايام آدم (براخوت 31أ – سوطا 46 ب ).
وفي زمن القيصر يوليان (331-63م0) كان اقليم ميسان في الفرات الاسفل عبارة عن غابة لانهاية لها من النخيل . وكان في العراق على مايرويه التلمود نوعان من النخيل : النوع الفارسي الجيد . والنوع الارامي وهو اقل جودة ولذلك كان يستعمل علفا للماشية (شبث 143 أ) وكان اجود انواع تمور النخل الفارسي يدعى (قسبا) فعلى الرغم من كثرة النخل ورخصها سيمت قيمة الثلاث نخلات من هذا الصنف بمئة درهما ( باباقما 58ب – 59 أ) وكان كبار الناس يتهادون تمر القسبا لجودته (مجلة 7ب).
وكانت بساتين النخل في ضواحي المدن وشوارعها . فقد كانت شوارع سورا (مدينة قديمة قرب الحلة ) تزينها النخيل (عروبين 15أ).
وكان عدد من النخل يزرع في ساحات البيوت الكبيرة . وفي بعض البيوت كانت النخيل تنمو داخل الغرف فتخترق جذوعها السقوف لتظل السطوح (عروبين 100 أ).
وكان الفقراء الناس يقيمون في صرائف من سعف النخل (عروبين 55ب).
وعلى الرغم من رخص التمر ووفرة النخيل فقد كانت تدر على اصحابها ثروة كبيرة . ويروى ان احدهم كان يمتلك نخلة من النوع الفارسي كانت ثمرتها تدر عليه من المال مايكفي لتسديد الخراج المترتب عليه لسنة واحدة (عروبين 51 أ). وينصح احد كبار التلمود – رابا بن هناء – الاوصياء على اموال القاصرين ان يستثمرها ببساتين النخيل بالنظر لكون ارباحها مضمونة (بابا بثرا 52 أ).
وافتى راب – وهو زعيم علماء التلمود – بعدم جواز قطع نخلة تزيد غلتها على المن من التمر (بابا بثرا 26 أ). ويعدد التلمود فوائد التمر الصحية والغذائية .فمن ذلك قول احدهم : للتمر مزايا :- فهو يشبع المعدة ويلين الامعاء ويغذي البدن دون ان يرهله (كتوبوت 10 ).
ومن طريف الحكايات القديمة : ان احدهم سأل يهودياً من العراق :
سؤال - ماهي اهم الاثمار عندكم ؟
الجواب - التمر
سؤال– ثم ماذا ؟
الجواب - التمر ايضا
سؤال- وكيف ذلك ؟
الجواب- لان النخل نستظل بسعفه ونصنع من جذوعه سقوف واعمدة بيوتنا ، ونتخذ منه ومن جريده وقودنا ، ونصنع منه الاسرة والحبال وسائر الاواني والاثاث . ونتخذ التمر طعاما مغذيا ، ونعلف بنواه ماشيتنا ، ونصنع منه عسلا وخمرا الى غير ذلك .
يقول (ارونسون Aaron Sohn, A. ) : ان اريحا في ايام المسيح كانت بوادي الاردن يقل ارتفاعه عن سطح البحر بستمئة الى سبعمئة قدما . وكانت اريحا انذاك "مدينة التمر" وفي اوائل العهد المسيحي عندما كانت طبريا وما جاورها تعتبر (رفييرا) ذلك العهد وعندما كان امراء واميرات الشرق يقضون شتاءهم هناك كانت مدينة مجد له تتفاخر لا بكونها مركزا لتنظيف وصبغ ثياب الزوار النبلاء الثمينة فحسب بل كانت تفتخر بالرطب الذي تنتجه . ولقد حمل عيسى عليه السلام فسيلة "مسيلة" بين ذراعيه عند دخول مدينة القدس كرمز للسلام .
النخل في القرآن الكريم :
حبا الله بفضائل كثيرة حيث كانت مصدر خير وبركة . وقد رافقت العرب في ديارهم وفي البلاد التي افتتحوها فكانت لهم خير نعمة . أشارت الآيات القرآنية الكريمة الى ما للنخل من منزلة عالية بين بقية الاشجار وفيما يلي بعض من هذه الايات البينات نوردها مع ما يستبقها او يعقبها من آيات للوقوف على ماتتجلى فيه المناسبات التي اوردتها بشأن هذه الشجرة ذات الطلع الهضيم :
يقول كمال الدين القاهري صاحب كتاب " حياة النبات والحيوان " تشبه النخلة الانسان فالنخلة ذات جذع منتصب ومنها الذكر والانثى وانها لاتثمر الا اذا لقحت . واذا قطع رأسها ماتت واذا تعرض قلبها لصدمة قوية هلكت . واذا قطع سعفها لاتستطيع تعويضه من محله كما لايستطيع الانسان تعويض مفاصله . والنخلة مغشاة بالليف الشبيه بشعر الجسم في الانسان ، فهل لاتكون هذه الصفات شبيهة بصفات البشر ؟
وقد ذكر ابن الفقيه الهمذاني بكتابه " مختصر كتاب البلدان " ان لاهل البصرة من النخيل وانواع التمور ماعدم مثله في جميع كور النخل .
وذكر الجاحظ انهم احصوا اصناف نخل البصرة دون نخل المدينة ودون مصر واليمامة والبحرين وعمان وفارس وكرمان ودون الكوفة وسوادها وخيبر وذواتها والاهواز وما بها وايام المعتصم : واذا ثلاثمائة وستون ضربا .
وذكر ابو حنيفة الدينوري في مؤلفه " كتاب النبات " : ان كل ما لايعرف اسمه من التمر فهو دقل . واحدته دقلة وهي الادقال ".
وقد اشار محمد بن احمد ابي المطهر الازدي في كتابه " حكاية ابي القاسم البغدادي " لجملة انواع من التمور العراقية المشهورة في بغداد في المائة الرابعة للهجرة مانصه : " ولا ارى فيها (اي في بلاد ايران ) بسرماء سكر ينقت في الفم كأنه الفاينذ الخزائني ، بسرة منه خير من نخلة ، وشمراخ خير من قراح ، ولا السكر ولا الجسيوان ولا الطبرزد (التبرزل ) ولا الازاد (الزهدي ) والقرشه والخاستوي (الخستاوي ) والمشمشي والعبدسي والخركان والعروس والهلياث والحمران والهيرون والباذنجان والماديان ولا المشان والصعتري والمعقلي والبسر المطبوخ ولا التمر المصنع البرهيمي والصرفان والبرني ولا الملعق ولا الصيحاني والعمري ولا البدالى والفرشى ولا البربن والازاد العلك اللزج الذي كانه القند او شهد مقمع بعقيق ".
وجاء في كتاب " احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم " لصاحبه شمس الدين ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر البناء الشامي المقدسي المعروف بالبشاوري وهو من اهل المائة الرابعة للهجرة مايأتي : " وبالبصرة من اجناس التمور تسعة واربعون : الضبي ، الحرثي ، الخيشوم ، الصحري ، السكر ، البشكر ، الطبرزذ ، الاحمر ، الاصفر ، الخستواني ، المعقلي ، الازاذ ، الهلياث ، الكرامي ، القثرية ، القريطي ، الهيروم ، البدالى ، الريفي ، العروسي ، الباذنجاني ، الابرهيمي ، الزنبوري ، اليعضوض ، البرناج ، المحدر ، البيروني ، الشويقي ، الجيشوان ( او الخيشوان ) ، العمري ، القرشي ، اليمامى ، البرني ، السهريز ، الخركان ، الحاسران (كذا) ، الاصفر ، المحكرم ، القصب ، الجناني ، المدحرج ، الفراني ، الشرقي ، الخوارزمي ، الفحل ، المأبوري ، بيض البغل ، الفاوسان . وبها : صيحاني نقله ابو احمد الموسائي من المدينة . ولا ينقطع الرطب من البصرة الا شهرين ".
ولقد وصف خالد بن صفوان لعبد الملك بن مروان الاموي في الاشادة بمحاسن البصرة " ... اوله الرطب واواسطه العنب وآخره القصب . فاما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته : هذا في افنانه كذاك على اغصانه . هذا في زمانه كذاك في آبانه من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل ، يخرجن اسفاطا عظاما واوساطا ضخاما ، وفي رواية : يخرجن اسفاطا واوساطا كانما ملئت رياطا ، ثم يتفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الابيض ، ثم تتبدل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الاخضر ، ثم تصير ياقوتا احمر واصفر ، ثم تصير عسلا في شنة من سحاء ليست بقربه . ولا اناء حولها المذاب ودونها الحراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ، ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال ".
وذكر ياقوت الحموي في سياق كلامه على البصرة : قال الاصمعي : " لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ، ولد بها عبد الرحمن بن ابي بكرة . وهو اول مولود ولد بالبصرة . فنحر ابوه جزورا اشبع منها اهل البصرة .
وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة ، قبل الكوفة بستة اشهر . وكان ابو بكرة اول من غرس النخل بالبصرة . وقال : هذه ارض نخل ثم غرس الناس بعده ".
وقد اشار ابن الكلبي وغيره من القدامى الى المواضع التي قدسها الجاهليون ، لوجود الاشجار المقدسة فيها ، ومنها نخلة نجران . " وهي نخلة عظيمة كان اهل البلد من الاعراب يتعبدون لها ، ولها عيد في كل سنة ، فاذا كان العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ، فخرجوا اليها يوما وعكفوا عليها يوما " . اما الدافع الى عبادتها فهو ضخامتها وقوتها وثمرها الكثير ونفعها الغزير .
" رأى اعرابي دقيقا وتمرا . فاشترى التمر وعاف الدقيق فقيل له : كيف وسعر الدقيق والتمر واحد ؟ قال ان في التمر ادمة وزيادة حلاوة ".
المصدر : البكر عبد الجبار (1972) ، نخلة التمر ماضيها وحاضرها والجديد في زراعتها وصناعتها وتجارتها . مطبعة العاني ، بغداد 1083 صفحة .
نخــلة تـــمر فوائدها وتركيبها