أدباء علماء.. الدقر النحوي الفقيه.. ثالث ثلاثة بعد المبرد والقالي.. سكن الأفغاني قربه ليسأله عما يستعصي عليه
بقلم: نزيه الشوفي
10/07/2004
كتب الطنطاوي في «ذكرياته» عن الفقيه النحوي، والمؤرخ والأدبي عبد الغني الدقر، يقول: «..يحيي الله بالرجل الواحد بلداً ميتاً فيه الأدب والعلم.. وعليكم بالبقية الباقية من أقطاب الأدب.. أطلقوا أيديهم في مناهج العربية وكتبها، ولاتجعلوا الشهادات وحدها هي الميزان؛ فإن كثيراً ممن أعرف اليوم معرفة بالأدب العربي الحق، ممن درس كتبه الكبرى كالكامل للمبرد والأماني لأبي علي القالي، لم يكونوا حملة شهادات وكان يقعد بين أيديهم حملة الشهادات من أساتذة الجامعات.. ومن هؤلاء عبد الغني الدقر في الشام ومحمود محمد شاكر في مصر»..
وقد صدر مؤخراً كتاب ترجمة حياة وأعمال العلامة المرحوم عبد الغني الدقر بقلم الكاتب إياد خالد الطباع /إصدار دار القلم في دمشق وبيروت/ يذكر فيه الكاتب «أن سعيداً الأفغاني إذ اشترى شقة بجانب عمارته شيدت حديثاً، ملاصقة لمنزله، وقال للشيخ: هذا البيت لن أبيعه إلا إليك لأسألك إذا استعصت عليّ مسألة».
وذكر الكاتب في ترجمته لحياة ونشأة العلامة الدقر أنه من أسرة منسوبة ومعروفة منذ نحو أربعة أو خمسة قرون في بلاد الشام، وأصل الدقر لغة: الروضة الحسناء العميمة النبات، ولد في حي زقاق البرغل في باب الجابية عام 1917، لأبوين فاضلين، فوالده الشيخ محمد علي صاحب نهضة علمية في بلاد الشام، ووالدته السيدة الجليلة بدرية المرادي، تزوجت وعمر صغيرها عبد الغني سنتان ونصف، أرسله والده إلى «الخجا» فعلمه القرآن ثم ألحقه بالكتاب وهو في الخامسة فقرأ فيه ختمة كاملة نظراً على الشيخ عز الدين العرقسوسي، صديق والده، ثم ألحقه بالمدرسة التجارية في دمشق، فلوحظ نبوغه فيها وتخرج فيها عام 1928 وعمره اثنا عشر عاماً، واتجه إلى التعمق بالأدب العربي الأصيل، وكانت كتب الجاحظ أنيسه والمبرد وأبي علي القالي، وقد برز في مجال اللغة، ومثل علماء الشام في 1956 في مصر.. كما كان الرئيس الراحل شكري القوتلي يناديه طالباً منه تصحيحاً لغوياً أو استشارة في ذلك لنبوغه في العربية رغم وجود أعلام في العربية في عصره..
كما قال فيه ناصر الدين الأسد: «لايوجد اليوم أعلم منه في العربية في بلاد الشام».
ويذكر الكاتب ما تحصل لديه من قراءة العلامة الراحل أنه قرأ على الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ محمد أمين سويد، ووالده الشيخ علي الدقر، والشيخ محمود العطار، والشيخ عبد الرحمن الخطيب، والشيخ عبد القادر المغربي والشيخ محمد هاشم الخطيب، وواصف الخطيب، والشيخ العلامة حسن حبنكي الميداني، والأستاذ عز الدين التنوخي وغيرهم..
ومما قيل فيه:
مدحه الشيخ الشاعر صادق حبنكة أحد علماء الشام وأعيانها في قصيدتين قال:
جَرَتْ أدمعُ المشتاق في جدولِ الطرسِ
فَنَمتْ عن المكنونِ من لوعة النفس
وقال:
عبد الغني غنيٌ عن مدائحه بحر العلوم فما دلوي بمائحه
شهمٌ تقيٌ وفيٌ ماجدٌ فطن موفقٌ ملهم سبحان مانحه
صاحبته في دروس العلم ذا أدب لقاط لؤلؤه صياد سانحه
يُعنى بحفظ القوافي من شواهده ويعتني بمعاني غير واضحه
ہ مؤلفاته: ذكر الكاتب أن الشيخ الدقر اتخذ في الكتابة والتأليف أشكالاً عدة منها: التصنيف والتحقيق، والمحاضرات والمقالات وفهرسة المخطوطات، وذلك في العلوم والدراسات الإسلامية، وعلوم العربية والتاريخ والتراجم.
وأول كتاب صدر له هو «محاضرات في الدين والتاريخ والاجتماع» 1953 وآخر عنوان طبع له: «الإمام سفيان الثوري؛ أمير المؤمنين في الحديث» ومعجم القواعد العربية.
ففي كتابه مختصر تفسير الخازن بين فيه مختصر تفسير البغوي وهذبه وحرر مسائله ووصفه بالقول: «جمع الخازن في نقله الجيد والرديء والسمين والغث على حسب حاجة زمنه».
كما حقق كتب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبدالسلام.
أما كتابه: في الدين والتاريخ والاجتماع فهو محاضرات ألقاها العلامة الراحل في ردهة المجتمع العلمي العربي، وبعضها دار في الإذاعة السورية وغيرها.. وأسلوبه الأدبي فيه رفيع المقام، وجزالة الألفاظ وقوة البيان والأفكار الثمنية.
وكتابه الرابع هو لمحات من الكتاب والنبوة والحكمة وهو تطوير للكتاب السابق... وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية» الفقه الشافعي *وصدر هذا المصنف بتكليف من المجمع العلمي العربي في دمشق، وهو أول فهرسة للدار صدر عام 1963.
وصحيح الأوعية والأذكار 1977 وصحيح الآثار، وبذيله مختصر أحكام وأدعية الحج.
وقصة إبليس والراهب، وهي قصة قصيرة استوحاها من بعض التفاسير، صور فيها حواراً بين إبليس وفرائسه، بدت فيه قوة عارضته ودهائه وخداعه، وأنه قد يدخل من باب ظاهره فيه الخير والفضيلة، يستدرج إليه من صرعاه من يغتر بالمظهر والكلام المنمق، وصدرت عام 1978.
والدعوة من القرآن وإلى القرآن صدر في بيروت عام 1986.
العلوم العربية 1984 ومعجم النحو 1975 ونشر في إيران ولبنان؛ وهذه كلها من مؤلفات بلغ عديدها عشرين مؤلفاً.. تركها العلامة الشيخ عبد الغني الدقر للقارئ العربي، ليغني بها معارفه ويطيب بها أوقاته.. وكلها صدرت في حياته، قبل أن يرحل عن دنيانا في آذار 2002، رحمه الله، وقد جاء كتاب الأستاذ الطباع وافياً كافياً فنال شكر من قرأه..
http://tishreen.news.sy/tishreen/public/print/6656