رسائل الأشجان .. لأبي علي الغلبان /7
الرساله السابعة : البيضة .. والكلب .!
حدثني أبو علي الغلبان فقال :
بصراحة متناهية، بادرني أحدهم بالقول : إنه يشعر بشعور الكلب ..!
وقال آخر: إنه لا يشعر بشيء على الإطلاق، فهو على حد قوله: غير موجود ..!
وثالث قال قولاً مختلفاً: إنه يشعر بشعور دجاجة على وشك أن تبيض، تراها (تكاكي) يميناً وشمالاً بحثاً عن (مكان آمن) تضع فيه البيضة المنتظرة ..!
لا تعجبوا.. قال ، فالأول يبرر أحاسيسه باللهاث المتواصل، الركض وراء الحاجات التي لا تنتهي.. واللهاث بطبيعة الحال صفة من صفات الكلب إلى جانب الصفة الأخرى – الملتبسة - وهي الوفاء!
كانت للكلب أهمية منذ القدم، فهو صديق الراعي وحارس قطيعه، وهو ( الردار ) الذي يستكشف الضيوف قبل إطلالتهم، وقديماً نظم الشعراء قصائد تضم في أبياتها الكلاب وغيرها..
وحين أقبل الشاعر علي بن الجهم من البادية إلى العاصمة العباسية، مدح الخليفة المتوكل بأبيات من الشعر، منها قوله:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب ..!
فلم يثر هذا المديح الخليفة لأنه يعلم طباع البادية ومؤثراتها، وما لبث ابن الجهم ان تأقلم في المدينة، وقال بعد ذلك شعراً جميلاً:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوب من حيث أدري ولا أدري
هذا الحيوان - الكلب - الذي أغدق عليه البشر بعض صفاتهم، ثم انقلبت الموازين بعد ذلك، فترى الناس يصف بعضهم بعضا بتلك الصفات، بل أكثر من ذلك حين يطلق بعظهم اسم الحيوان على الآخر.. وهذا أمر مشين،
نظر الغلبان حوله ، وقد توجس ريبة من أحدهم يسترق السمع ، لكنه أكمل حديثه :
إن للكلب مكانة مرموقة واحتراما في بعض المجتمعات ، وهو مادة تؤكل في مجتمعات أخرى.. فالغربيون، يُكنّ كثير منهم تقديرا زائداً لهذا الحيوان، يوفرون له عناية تفوق العناية ببشر في العالم الثالث الكحيان.. ومنهم من يفضل "مصاحبة" الكلب على كثيرين يفتقرون إلى الود والوفاء.. ومنهن من تفضله على بعض الرجال (!) فقال أحدهم يوماً:
(كلما ازددت معرفة بالناس، ازداد حبي لكلبي).
أما صديقنا (الدجاجة) فهذا شأن آخر ، ولا خوف من أحاسيسه على الإطلاق، لأن الأمر فيه شيء من البشرى بالعطاء، لكن ذلك يحتاج - من وجهة نظره - إلى مستقر آمن، وربما هناك ضرورة لكشف الطالع، حيث يلتقي برج القوس مع برج الثور في زاوية البيض - حسب كاتب الأبراج أبو بهاء الأعمى - إلا أن المشكلة تكمن في صفة الدجاجة ذاتها، فهي كما يقولون جبانة.. والمشكلة الأكثر بعثا لليأس هي أن تكون أحاسيس صاحبنا لا تتعدى أحاسيس (ديك) والديك لا يبيض.. وقد يبيض بيضاً مختلفاً حتى وإن تحول الى دجاجة.!
والتحول من عالم الذكورة إلى الأنوثة فيه قول آخر يثير التساؤل: هل هو هروب من خشونة المسؤولية أم توق إلى العالم اللطيف؟!
قال الغلبان :
على كل حال، ما يشهده العالم اليوم من تحولات، لا يثير الاستغراب حين يتحول الكثيرون إلى إناث، فقط عليهم إضافة تاء التأنيث لأسمائهم بعد مبضع الجراح. لكن الأهم هو أن الإناث لا يحبذن مغادرة مكانتهن الناعمة إلى معترك الخشونة باستثناء واحدة دأبت على حلاقة ذقنها لينمو الشعر، حتى تحصل على ميراث ضعف حصتها الشرعية!
ومطالبة بالإنصاف والمساواة (عددياً على الأقل) ندعو المزيد من الإناث للتحول إلى عالمنا نحن الذكور.. حتى يشعرن بشعور صاحبينا أعلاه.. الكلب والدجاجة!
استدرك الغلبان الأمر ، خصوصا في جانب الذكورة والأنوثة ، فقال :
يا زلمة .. ما عدنا نعرف الرجل من المرأة إلا بحاسة اللمس ..!!!
·عواء ..
قرأ الغلبان خبرا في صحيفة يقول :
حُرم بريطاني وزوجته من تربية الكلاب لمدة خمسة أعوام بأمر من المحكمة ، لأنهما أساءا معاملة الكلبة ( كلير )..
صرخت الزوجة محتجة : إنه أسوأ يوم في حياتي .. إن عالم تربية الكلاب سيهتز لدي معرفة ما حل بنا ..!!!
صرخ الغلبان : آه يا أبناء بلفور ..
أشحت بوجهي بعيد ، وعندي شهوة للعواء .......
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com