أين بيان رابطة الأدباء؟
بثينة العيسى
نشرت جريدة الحياة يوم الخميس 2011/4/28 في عددها رقم 17555، بيانين اثنينِ لكتاب ومثقفين مصريين وفلسطينيين، في ادانة قمع المتظاهرين في سورية... وفيم أنا أقرأ البيانينِ كنتُ، لسببٍ وجيه، أشعرُ بالخذلان، لأن اسمي لم يظهر في هكذا بيان، ولأن قدرتي على مقاومة أعمال العنف والقتل والتدمير لا تتجاوز الكتابة المقتبضة والعاجزة في «تويتر» و«فيسبوك» وتمرير «البرودكاست» في الموبايل... الآن عرفتُ معنى «قلة الحيلة» على نحوٍ جيد... نعم، على نحوٍ جيّد. سلبية التفاعل السياسي العربي مع الثورات العربية له رائحةٌ قديمة عرفناها وألفناها وكرهناها بما يكفي، ولكننا اعتقدنا - بحسب ما أظن - على أن نتحسس وجود تلك الكوة الفارغة بين متطلبات الشعوب، وبين قراراتِ الساسة... ما أحاولُ قوله، هو أننا اعتدنا على المواقف السياسية التي لا تعبر عنا، ولا ترضينا، ولا تنطق باسمنا... ومنذ عقود، ونحن نشكو من أن العرب ما فتئت «تشجب وتستنكر وتدين» ولا تفعل... بأنها حكومات منفعلة لا فاعلة، بأنها كأنظمة ادارية «قبل أن تكون أنظمة سياسية» تتفاعل مع الحدث بعد وقوعه بأزمنةٍ طويلة، أزمنة طويلة جداً وكافية لأن يموت خلالها ألف شهيد... ما الجديد؟
الجديدُ هو أننا ما عدنا نشجبُ ونستنكرُ وندين، حتى تلك الكلمات الثلاث التي كانت تضحكنا من فرطِ احساسنا بالخيبة، الكلمات الثلاث التي تثيرُ الغثيان والوهن... لم نعد نسمعها، والأسوأ هو أننا صرنا ننتظرُها، على الأقل من أجل أن نتذكر وجودنا. اذاً، ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من تغييبٍ صريحٍ لرأي الشعوب من قبل الحكومات، الا تواطؤ المثقفين والأدباء لهذا التغييب؟ أقولُ ذلك، وأنا أقرأ بشعورٍ شبيه بالحسد والغبطة، بيان الاستنكار الذي أطلقه مثقفو مصر وفلسطين في حق الثورة السورية، في حين اكتفينا نحن في الكويت بأن نمنع تظاهرات السوريين والكويتيين وغيرهم عند السفارة السورية! والآن، لا يمكنني الا أن أتساءل: أين رابطة الأدباء؟ وهل هل هذه هي الثقافة حقاً؟ هل يقتصر دور المثقف الكويتي على أن يحضر حفلات التوقيع والأمسيات الأدبية وليالي الموشحات الأندلسية، وأن يردّد قصائد نزار قباني وغازي القصيبي، وأن يكون ضد أو مع قصيدة النثر، وأن يتساءل عن معنى الحداثة، وأن يقول كلمات مثل: انطولوجيا وأركيولوجيا، وأن تظهر صورته على صفحاتِ الجرائد وأن يحصد الجوائز و... هل هذه هي الثقافة التي نريدُ نكريسها في نسيجنا الوطني؟ هل هذا هو الانسان الذي نقوم ببنائه؟ واذا كانت رابطة الأدباء، وغيرها من جمعيات النفع العام، لا تمارسُ دوراً ريادياً في التأكيد على القضايا الانسانية على أقل تقدير... فماذا نتوقع من الثقافة التي تنتجها؟ واذا لم تقم رابطة الأدباء بدورها في دعم الحرّيات والمطالب المشروعة للانسان، فما بالك بالشقيق العربي، فأي عالمٍ جديد هذا الذي نراهن عليه بدمائنا ويخذله مفكرونا وأدباؤنا ومثقفونا؟ واذا كانت رابطة الأدباء تنتظر «الضوء الأخضر» من الحكومة لكي... تستنكر وتشجب وتدين، فمن لنا؟ ومن للانسان؟ والى حدٍ تعتبر جمعيات النفع العام... للنفع العام، وليست لتكريس السلطة وتأكيد الخطاب المؤسساتي السلطوي وتبنيه؟
يفترض بالثقافة أن تسبق السياسة في التأكيد على الحقوق والحريات وانسانية الانسان، ولكن الوضع لدينا - على ما يبدو - مقلوبٌ على قفاه، حتى بعد انتصار الثورة التونسية والمصرية، وبعد سقوط آلاف الشهداء في ليبيا وسورية... لم نمارس قلة حيلتنا بالشجب والاستنكار والادانة، نحن بارعون في الصمت، بارعون جداً! ما شاء الله علينا.
* نشرت في " الراي " الكويتية، عدد رقم (11639) بتاريخ 14/5/2011
http://www.bothayna.net/home/index.p..._articleid=301