فلسطين ليست للفلسطينيين
د. فايز أبو شمالةقبل أيام وقف نائب الرئيس الجزائري عبد العزيز بلخادم أمام الملتقى العربي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال، وقال: شعبنا الفلسطيني، ولم يقل: الشعب الفلسطيني، انتبهت للرجل وهو يكرر الجملة واعياً عدة مرات، وأزعم أن الرجل كان واضحاً في وعيه ، فهو يدرك أن فلسطين تخصه كما تخص الفلسطينيين، وأن الشعب الذي يسكن تلك الأرض المقدسة التي يقال لها فلسطين هو شعب عربي مسلم بأغلبيته، وإن كان ينتسب إلى أرض فلسطين، فإن من حق كل عربي أن ينتسب إلى هذه الأرض المقدسة، وأن ينسبها إليه.
في اليوم التالي وقفت على المنصة، وبدلاً من الحديث عن إبداع الأسرى خلف القضبان وأثر ذلك على صمودهم، خرجت عن النص، وتحدثت عن الانتساب إلى فلسطين، وعن دلالة كلام نائب الرئيس الجزائري عبد العزيز بلخادم حين قال: شعبنا الفلسطيني، وقلت له: يحق لك الانتساب إلى فلسطين، ونسبها إليك، وسأذكر الأسباب المقنعة لذلك؛ ففي سنة 1929 تفجرت ثورة البراق في فلسطين، وأسباب الثورة تعود إلى محاولة اليهود أداء شعائرهم الدينية في المكان الذي يسمونه حائط المبكى، مما استفز العرب المسلمين، الذين تصدوا للعدوان اليهودي، لتدور الاشتباكات التي خلفت 133 قتيلاً يهودياً، و116 شهيداً عربياً، ومئات الجرحى من الطرفين.
هذا الحدث ألزم حكومة الانتداب البريطاني بتشكيل لجنة تحقيق دولة محايدة تقول كلمتها في ملكية حائط البراق.
ترأس اللجنة وزير الخارجية السويسرى في ذلك الوقت، وكان نائبه مسئول كبير في البنك الدولي من أصل سويدي، لقد درس الرجلان كل الملفات وعشرات الوثائق التي قدمت من الطرفين، واستمعا لشهادات اليهود والعرب عدة أشهر، ليصدر قرار اللجنة الدولية المحايدة يقول: إن ملكية حائط البراق تعود إلى المسلمين، وأن حائط البراق أرض وقف تعود ملكيته إلى عائلة "بومدين" الجزائرية، وأن الحائط جزء من الحي الملاصق له والمعروف بحي المغاربة. وعلى ذلك انتهى تقرير اللجنة الدولية الذي قدم إلى عصبة الأمم.
لهذه الأسباب يحق للجزائريين أن يقولوا: قدسنا، ويحق للمغاربة أن يقولوا: شعبنا الفلسطيني، ويحق لأهل تونس واليمن والعراق والسعودية والبحرين ولبنان وسوريا ومصر أن يقولوا: فلسطيننا، وأن يطالبوا بحقهم التاريخي في الأرض المقدسة، وينتسبون إلى فلسطين التي تنسب إليهم.
ما زلت لا أعرف المخادع الذي قال: فلسطين للفلسطينيين، ولكنني أحكم عليه من خلال النتائج التي وصلت إليها القضية الفلسطينية؛ بأنه أكبر خبيث على وجه الأرض، لقد ضللنا، وأوهمنا، وأغرقنا في الشعار الذي جرد قضيتنا من عناصر قوتها ألا وهي الأمتين العربية والإسلامية، وحوّلها من قضية صراع عقائدي، وصراع بقاء لتصير نزاعاً فلسطينياً إسرائيلياً على بضعة أمتار من فلسطين.
إن فلسطين ليست للفلسطينيين، وإنما هي قاعدة انطلاق العمل العربي والإسلامي نحو الفعل المقاوم، وهي إقرار فلسطيني بأن القضية الفلسطينية خاسرة لو ظلت في الإطار الضيق الذي رتبها في ملفات جوفاء ملقاة على طاولة المفاوضات المهملة