المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي
ولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي في غزة المطلة على البحر الأبيض المتوسط سنة 150هـ وكانت غزة في تلك الفترة تابعة لمدينة عسقلان, وسبب ولادة الشافعي في تلك المنطقة البعيدة عن موطن آباءه وأجداده أن والده خرج من المدينة المنور حينما ظهر له ما يكرهه فيها, لتوافيه المنية بعد ولادة ابنه بقليل.
فانتقلت به أمه الأزدية بعد سنتين إلى مكة المكرمة وكان حينها يتردد على قبيلة هُذيل ليتعلم منهم اللغة, كان الشافعي في سني عمره الأولى محباً للغة ولكلام العرب وللرمي, حتى حصلت له قصة مع مسلم بن خالد الزنجي عندما لقاه وقال له: يا فتى من أي قبيلة أنت ؟ فقال الشافعي من مكة, فقال له: وأين منزلك بها ؟ قال: بشعب الخيف, قال: من أي قبيلة أنت ؟ فرد الشافعي من ولد عبد مناف, فقال له مسلم بن خالد الزنجي ألا جعلت فهمك هذا في الفقه فكان أحسن بك.
فالتفت حينها الشافعي لعلوم الشريعة بعد أن كان عالماً بالقراءة و الكتابة وحافطاً للقرآن وهو في سن السابعة, ليكون من أبرز شيوخه في تلك المرحلة مسلم بن خالد الزنجي, وسفيان بن عيينة.
ثم انتقل الشافعي في حدود سنة 163هـ لطلب العلم على يد الإمام الكبير مالك بن أنس الذي لازمه الشافعي حتى وفاته سنة 179هـ.
ثم رحل إلى اليمن للعمل فيها وكان له حينها من العمر 29 سنة, وأمتحن فيها بعد أن اتهم بالتشيع وبالتخطيط للخروج على مملكة بني العباس التي اتسمت فترة حكمهم بالاستقرار النسبي وقد عاصر الشافعي ستةً من ملوك تلك الدولة.
حُمل الشافعي لبغداد سنة 184هـ للمحاكمة وقيض الله له الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب المكانة العلمية عند السادة الأحناف وصاحب المنزلة بين يدي حكام ذلك الزمان للشفاعة له وقد قبلت شفاعته كيف لا وهو قاضي قضاة الدولة.
رجع الشافعي بعد تلك المحنة إلى مكة سنة 189هـ وقد أخذت شخصيته العلمية تعظم شيئاً فشيئاً حتى رحل مرة ثانية إلى بغداد سنة 195هـ, ليعود بعد عامين إلى مكة سنة 197هـ وقد طلب العلم في تلك الفترة على يد مخلصه محمد بن الحسن الشيباني وعدد من العُلماء أمثال وكيع الجراح وعبد الوهاب الثقفي وإسماعيل البصري وقد كانت له في تلك الفترة معهم مناظرات علمية أبرزت شخصيته وألف في تلك الفترة نواة كتابه الرسالة في أصول الفقه التي كانت جواباً على رسالة الإمام عبد الرحمن بن مهدي, ليعود بعدها إلى بغداد مرة أخير سنة 198هـ ليخرج منها بعد عام بعد أن ترك فيها عدداً من التلاميذ والمصنفات ليتوجه نحو مكة المكرمة في موسم الحج ثم إلى مصر حتى وافته المنيه سنة 204هـ.
كانت مرحلته المصرية على قصرها أبرز محطات حياته فقد غير مذهبه وألف كتبه وحررها وطور عليها وخلّف عدداً من التلاميذ الذين حملوا لواء مذهبه تدريساً وتأليفا.
مر مذهب الإمام الشافعي بأدوار متعددة قسمها صاحب الرسالة حسب اجتهاده إلى ستة أدوار.
1. ظهور فقه الإمام الشافعي ونقله 195هـ - 270هـ وهي سنة وفاة أبرز رواة المذهب الجديد ألا وهو الربيع بن سليمان المرادي, آخر تلاميذ الشافعي وفاةً فقد عاش بعد شيخه 66 سنة.
2. ظهور مذهب الشافعية واستقراره 270هـ - 505هـ وهي سنة وفاة حجة الإسلام أبي حامد الغزالي.
3. التنقيح الأول لمذهب الشافعية 505هـ - 676هـ وهي سنة وفاة الإمام النووي الذي نقح المذهب الشافعي بعد الإمام الرافعي.
4. التنقيح الثاني للمذهب 676هـ - 1004هـ سنة وفاة الإمام شمس الدين الرملي الذي نقح المذهب مع الإمام ابن حجر الهيتمي.
5. خدمة مصنفات التنقيحين الأول و الثاني للمذهب 1004هـ - 1335هـ سنة وفاة الإمام سيد علوي بن أحمد السقاف.
6. انحسار التمذهب بالمذهب الشافعي وتطور الدراسات الفقهية المعاصرة من سنة 1335هـ وحتى يومنا هذا.
وكون هذه العجالة لا تتسع لعرض نقطة من بحر هذا الإمام فإننا سنقصر الكلام حول أبرز مصنفات المذهب, كَتب الإمام الشافعي كتابه الحجة في الفقه وقد ألفه في العراق وقد كان سآئراً عليه حتى نزل مصر في آخر أربع سنوات من عمره, ثم لمجموعة من الأسباب غير الإمام اجتهاده فألف كتابه الأم الذي يعتبر رأس المصنفات لفقه الشافعية ومن أبرز رواة الأم الربيع بن سليمان المرادي, ولم يدون أحد من الأئمة فقهه حال حياته سوى الشافعي.
ثم أختصر كتاب الأُم الإمام المزني في كتابه مختصر المزني, ثم ألف الإمام الشيرازي المهذب و التنبيه, ثم ألف الجويني كتابه نهاية المطلب في دراية المذهب, ثم ألف الغزالي كتبه الثلاثة البسيط والوسيط و الوجيز, ثم جآء عصر التحرير فألف الرافعي فتح العزيز والمحرر, وألف النووي الروضة ومنهاج الطالبين, ثم دور التنقيح الثاني ومن أبرز مصنفاته نهاية المحتاج للرملي, وتحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي, وفي الفقه الشافعي ثلاث مدارس: مدرسة العراقيين على رأسها أبو حامد الإسفراييني, ومدرسة الخراسانيين وعلى رأسها القفال الصغير المروزي, والمدرسة الجامعة وعلى رأسها أبو علي السنجي, وهذه المدارس الثلاث تختلف في طريقة عرض المذهب.
الحديث حول المذهب طويل وجميل وممتع لذا أحيلكم على هذه الرسالة العلمية النافعة الماتعة جزى الله مصنفها خير الجزاء, تمتاز الرسالة بعدد من الميزات أولها الإستيعاب لكل ما يؤهل طالب العلم لدراسة فقه الإمام الشافعي, الإنصاف و البعد عن التعصب فقد انتقد في رسالته بعض صور التعصب و الجمود عند الشافعية, حسن الترتيب و العرض, حسن التحرير و المناقشة لكثير من المعلومات فقد رجح أن كتاب المجموع للنووي من الكتب المعتمدة في المذهب على خلاف المشهور السائد وهذا على سبيل المثال لا الحصر, براعته في تحليل عدد من المسائل, يذكر كل ما يقف عليه من دراسات حول المذهب أو حول أعلامه وفقهائه, ذكره للمصنفات الفقهية و الأصولية لعلماء المذهب بتفصيل واستقصاء, ذكره لأبرز مصطلحات المذهب, وميزات أخرى كثيرة.
وأود التنبيه على عدة أمور, منها أن الباحث ذكر أن كتاب الفوائد المدنية فيمن يفتى بقوله من أئمة الشافعية للعلامة الكردي لم يطبع وذلك صحيح في زمن كتابة الرسالة لكنه غير صحيح في زمن نشرها فقد طبعت الطبعة الثانية سنة 2013م وقد طبع كتاب العلامة الكردي سنة 2011م بتحقيق بسام عبد الوهاب الجابي وطبعته دار نور الصباح طبعة أنيقة تقع في 500 صفحة.
نصح طلبة العلم المبتدئين بكتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي وهو بلا شك كتاب مهم ونافع لكنه لم يذكر المتون ولم ينصح بها رغم أنها أفضل بنظري ولم يشر للمتون في رسالته مطلقاً.
في الختام أشكر الباحث وأنصح طلبة العلم بالكتاب وأحثهم عليه وأنصح المختصين بقراءة توصيات الكتاب و العناية ببعض الإرشادات لعدد من الموضوعات التي تصلح رسائل علمية لهم.
عنوان الكتاب: المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه -.
تأليف: الدكتور أكرم يوسف عمر القواسمي.
تقديم: فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى سعيد الخن.
دار النفائس – عمان الأردن – الطبعة الثانية 1434هـ 2013م.
عدد الصفحات: 600
كتب المقال: غيث حلمي عدنان الملكاوي.
رابط الكتاب:http://goo.gl/cT79Wm