النبي الديمقراطي....
كتابي في الوفاء لرسول الله....
قد يبدو صادماً أن تستخدم عنواناً كهذا في وقت لا تزال كثير من المؤسسات الإسلامية لا تؤمن بالديمقراطية، وترى فيها انحرافاً عن نهج النبوة، وهو المعنى الذي دفع طلائع الإسلام السياسي في الخمسينات إلى رجم الديمقراطية بالحجارة واتهام البرلمانات بأنها أوثان القرن العشرين والدعوة إلى وجوب البراءة منها ومن تبعاتها التشريعية التي تم توصيفها بأنها مناوأة مباشرة للشرع.
وبعيدا عن الراهن السياسي فإن هذه المقالات معنية بإثبات حقيقة واحدة وهي أن الرسول الكريم قدم للعرب مشروعاً ديمقراطياً متنوراً سواء في التشريع أو في الإدارة، وهي حقيقة نجتهد هنا لإثبات أنها لا تتناقض أبداً مع الوحي المعصوم بل تشد أزره وتحقق رسالته وتبلغ به غايته، وتستلهم الأدوات التي منحنا إياها النص نفسه في بعث العقل واستخدام الخبرة البشرية للوصول إلى معرفة السنن الكونية التي عرفها الإنسان بعد عناء طويل، وسلم بها بيقين، وهي السنن التي يحق لنا أن نستخدمها في التشريع لإخراج ما هو خير للعباد والبلاد.
لقد عاش حياته في خدمة الأمة ولم يجمع ثروة طائلة، يأكل كما يأكل العبد وينام كما ينام العبد، وفي وثيقته الأولى التي كتبها دستوراً لدولة المدينة الناشئة يظهر احترام المواطنة على أساس من المساواة بغض النظر عن الدين والنسب، وحين رحل إلى الله لم يكن في وصيته فرض حكم ثيوقراطي على الناس وإنما ترك الأمر شورى وتم تداول السلطة بعده في الخلافة الراشدة شورى بين الناس بغض النظر عن الأحساب والأنساب والثروات، قبل أن تتحول الخلافة إلى ملك عضوض.
إنها محاولة لقراءة الرسول الكريم رجل كفاح ديمقراطي، آمن بالعدالة وكفر بالاستبداد، وعمل للحرية وقارع الظلم، وأنجز المساواة في ظروف المجتمع الجاهلي، وعمل بإخلاص وكفاءة لبناء مجتمع العدالة والتنمية في الأرض.