مشكلات التحكيم العلمي/بحث
أزد. ريما الجرف
استاذ اللغات والترجمة بكلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود في جامعة الملك سعود
المملكة العربية السعودية
*************
مقدمةمشكلات التحكيم العلمي/بحث
أزد. ريما الجرف
استاذ اللغات والترجمة بكلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود في جامعة الملك سعود
المملكة العربية السعودية
*************
مقدمة
ظهرت عملية تحكيم الأبحاث العلمية في منتصف القرن العشرين. فعلى سبيل المثال لم تخضع أبحاث اينشتاين التي أطلق عليها "Annus Mirabilis" ونشرت في عدد عام 1905 من مجلة Annalen der Physik للتحكيم. إذ لم يحكمها أحد سوى رئيس تحرير المجلة ماكس بلانك Max Planck أبو النظرية العددية quantum theory ومساعده Wilhelm Wien. وعلى الرغم من أنهما زميلين وحصلا على جائزة نوبل، إلا انه لم يتم تشكيل لجنة تحكيم كما هي الحال في كثير من الدوريات العلمية المحكمة (Wikipedia). وتعتبر التبادلات الفلسفية Philosophical Transactions الصادرة عن الجمعية الملكية أول مجلة أقرت التحكيم رسميا (Zuckerman & Merton, 1971). والآن المحكم هو قلب عملية النشر العلمي. ففي دراسة أجراها McKnight and Price (1999) ، أفاد 94% من المستجيبين أن التحكيم مهم في الدوريات المطبوعة. وأظهرت نتائج دراسات مسحية أجرتها جمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (2002; 1999)Association of Learned and Professional Society Publishers ودراسة أجراهاRowland (1982) أن 81% من المؤلفين و80% من القراء لا زالوا يعتبرون التحكيم مهما. ويرى أعضاء هيئة التدريس أن للأبحاث المحكمة أهمية كبرى المحكمة في الترقية (Speier,Palmer, Wren & Hahn, 1999). وفي دراسة أجرتها مجالس الأبحاث البريطانية عام 2006م Research Councils UK (2006) وجدوا أن 93% من باحثي الجامعات يعتقدون أن التحكيم مهم، وله دور مركزي في الحياة الأكاديمية وينظرون إليه نظرة تقدير. وعلى الرغم من هذا التقدير إلا أن التحكيم ليس خاليا من الأخطاء. ومن الصعب العثور على محكمين مؤهلين. كما أن أكثر المحكمين موهبة يكونون دائما مشغولين بأنشطة تحكيمية لمجالس الأبحاث.
هذا وتمر الأعمال المقدمة للتحكيم بعدة مراحل مهمة قبل أن ترسل للنشر. فعلى سبيل المثال، قام Schwier (1994) بتتبع مسيرة الأبحاث المقدمة للنشر في المجلة الكندية للاتصال التربوي - التي تصدر 3 مرات في العام - منذ لحظة الفحص الإداري المبدئي للأبحاث الواردة إلى مراجعة هيئة التحرير، ثم اختيار المحكمين لها، ثم إخضاعها للتحكيم، ثم إعادتها إلى الباحث للمراجعة، وإجراء التعديلات، ثم الفحص النهائي. وذكر أن مزايا هذه الإجراءات هو تقديم تعليقات مفيدة وحيوية للباحث، وغربلة الأبحاث المقدمة واختيار أفضلها للنشر، كما أنها طريقة تمييز مناسبة في حالة التقويم للترقية، ووضع معايير مهنية للأبحاث والتخصص، وتخفيض التكاليف. والتحكيم متطلب للنشر في الدوريات العلمية وللحصول على دعم مالي للبحث أو الدراسة من جهة ما. من هنا كان إلقاء الآخرين نظرة على العمل من شأنه أن يحدد مواضع الضعف فيه. ويقدمون اقتراحات لتحسينه ويحولون دون نشر الأبحاث الضعيفة التي لا تنطبق عليها معايير البحث العلمي الجيد في التخصص. والتحكيم وسيلة لاختيار عدد قليل من الأبحاث أو خطط البحث عندما تكون مصادر التمويل محدودة، وعندما تكون الأعداد المنشورة من الدورية أو عدد صفحات الدورية محدودة.
وحيث إن المحكمين يختارون من الخبراء في مجال البحث المقدم للتحكيم، لذا فإن عملية التحكيم ضرورية لتأسيس قاعدة عريضة ومتينة للمعرفة والبحث العلمي يمكن الاعتماد عليها. وقد يكون العلماء الذين يقرأون الأبحاث المنشورة خبراء في مجال دقيق جدا، لذا فإنهم يعتمدون على عملية التحكيم لتقديم بحث موثوق به يستطيعون أن يبنوا عليه أبحاثا تالية أو ذات علاقة بموضوع التخصص.
وتعتمد مجالس الأبحاث Research Councils UK (2005; 2006A; 2006B) على التحكيم لإعطاء تعليقات بناءة وتفسير آراء المحكمين ودرجاتهم التي يرسلونها إلى أصحاب البحوث. لذا من الأهمية بمكان أن يعطي المحكمون تغذية رجعية تساعد الباحثين. ونادرا ما يتلقى المحكمون أي مكافأة أو مردود مقابل عملية التحكيم. فهي نشاط بدون أسم. وتنشر بعض الدوريات قائمة بأسماء من يحكمون لها ولكن المحكمين لا يحصلون على أي اعتراف بمجهودهم من الجمهور.
وجاء في تقرير مجالس الأبحاث في بريطانيا لعام 2006 Research Councils (2006) أن قوة التحكيم تتجلى في القدرة على تحسين نوعية مشاريع البحث المقدمة. وقد يلفت المحكمون نظر المتقدم للأبحاث الجارية في مكان آخر ويقدم أفكار لتحسين طريقة البحث. والمشاركة في التحكيم مفيدة للمحكمين أنفسهم، حيث يصقل التحكيم مهاراتهم ويكتسبون أفكارا جديدة. والتحكيم نظام ذو طبيعة تنافسية. وهذا التنافس يجعل الأبحاث المقدمة ذات جودة عالية. حيث يكون لدى المتقدمين دافع كبير لتقديم مشاريع أبحاث في الطليعة. ومن ناحية أخرى تساعد قوة التنافس وعملية الاختيار في التأكد من جودة المشاريع المختارة للتمويل.
ووجد Mulligan (2004) أن التحكيم يؤدي إلى التنمية الشخصية والمهنية المحكم والمحكم له. ولم يعتبر المحكمون الحوافز شيئا أساسيا ولكنه لا مانع منها، واقترحوا إعطاء المحكمين خصومات على الكتب وحبر الطابعات. ومما يشهد بأهمية التحكيم أن الفرضيات العلمية التي تقدم للعالم يتجاهلها جمهور العلماء إلا إذا نشرت في دوريات علمية محكمة Mulligan (2004).
وعلى الرغم من أهمية التحكيم لكل من المؤلفين والقراء، إلا أن إجراءات التحكيم لا تخلو من السلبيات والمشكلات التي خضعت لدراسات موسعة في المجال الطبي الحيوي. وهناك سلسلة منتظمة من المؤتمرات الدولية حول التحكيم العملي في العلوم الطبية الحيوية والتي تنشر تقارير عنها في أعداد خاصة من مجلة الجمعية الأمريكية الطبيةJournal of the American Medical Association (JAMA) (1990, 1996, 1998). وستعرض الباحثة سلبيات التحكيم ومشكلاته عند عرض الدراسات السابقة.
وعلى الرغم من وفرة الأبحاث والتقارير والمؤتمرات الأجنبية التي تدور حول مشكلات تحكيم أبحاث المنح وأبحاث الدوريات وغيرها، إلا أن الأبحاث العربية في هذا المجال شبه معدومة. فقد قامت الباحثة بالبحث في قواعد قواعد معلومات مكتبة الملك فهد، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة ومكتبة مكتب التربية العربي لدول الخليج ومحرك بحث غوغل فلم تعثر على أبحاث عربية تدور حول المشكلات التي تواجه المحكم للمؤسسات الأكاديمية المحلية والعربية. أي أن هناك نقص في الأبحاث العربية في هذا المجال. إضافة إلى أن واقع تحكيم الأبحاث غير مرض وبعض الممارسات التحكيمية مثل إضاعة الأبحاث، واستغراق وقت طويل في عملية تحكيم البحث وغيرها من الممارسات غير مرضية، ونحتاج إلى أن ننظر إلى واقع التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية نظرة حيادية، ونضع معايير تحكيم قابلة للتطبيق ونطور إجراءات التحكيم لاختصار الوقت وجعله أكثر موضوعية وفائدة.
هدف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى حصر المشكلات التي يواجهها المحكمون لكل من المؤسسات الأكاديمية المحلية والمؤسسات الأكاديمية الدولية في تحكيم أبحاث الدوريات والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقيةولمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة، وتقديم بعض التوصيات لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية والاستفادة من التجارب الدولية، ورفع مستوى الجودة في التحكيم وفي الأبحاث المنشورة محليا.
أسئلة الدراسة
تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن الأسئلة التالية: (1) ما المشكلات التي يواجهها المحكمون لكل من المؤسسات الأكاديمية المحلية والمؤسسات الأكاديمية الدولية في تحكيم أبحاث الدوريات، والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، المشاريع البحثية الممولة، الكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية والأعمال المترجمة. (2) ما أسباب تلك المشكلات؟ (3) هل هناك فروق بين المشكلات التي يواجهها محكمو المؤسسات الأكاديمية ومحكمو المؤسسات الدولية؟ (4) ما الطرق التي يمكن اتباعها لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية؟
أهمية الدراسة
حيث إن التحكيم وسيلة لاتخاذ القرار، لذا فإن تشخيص الصعوبات التي يواجها المحكمون للمؤسسات الأكاديمية المحلية وعرض التجارب الدولية في التحكيم سيساعد في وضع ضوابط للتغلب على هذه الصعوبات قدر الإمكان. وستساهم هذه الدراسة في رفع درجة الموضوعية والشفافية في تحكيم الأبحاث، ورفع مستوى جودة الأبحاث المنشورة محليا، وتقديم مقترحات لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية.
حدود الدراسة
شملت عينة المحكمين للمؤسسات الأكاديمية داخل المملكة محكمين من الرجال والسيدات لديهم خبرة في تحكيم أبحاث الدوريات، والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة. وشملت عينة المحكمين الذين حكموا لمؤسسات أكاديمية دولية (عربية وأجنبية) محكمين من الرجال والسيدات لديهم خبرة في تحكيم أبحاث الدوريات، الأبحاث المقدمة للمؤتمرات، الملخصات والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة. وسيتم استثناء المشكلات التي تواجه محكمي الرسائل الجامعية لأنها محور دراسة أخرى. ولن يتم تصنيف المشكلات وفقا لتخصص المحكمين المشاركين في الدراسة لأنه غير مهم ولا وفقا للجهة المحكمة لأن المشكلات قد تتكرر في أكثر من جهة، وما يهم هو أن يكون المحكم قد حكم لمؤسسات مختلفة ولأغراض مختلفة.
ثانيا: سيتم تصنيف الاستجابات وفقا لنوع المشكلة، وليس وفقا لنوع المؤسسة التي يحكم لها أو غرض التحكيم. وإذا كان لدى المحكم تجربة في التحكيم للمؤسسات الأكاديمية المحلية والدولية، سيتم فصل الاستجابات.
ثالثا: هذه الدراسة دراسة نوعية، وليس من الضروري إظهار النسب المئوية. ولا يوجد إحصائية تبين % المحكمين الذين واجهوا مشكلة بعينهالصغر العينة ولاختلاف المشكلات التي ذكروها، فالمهم هنا هو نوعية المشكلة التي يواجهها المحكم وليس نسبة من يواجهونها.
تعريف المصطلحات
التحكيم:
عرفت موسوعة ويكيبيديا (Wikipedia) التحكيم بأنه عملية إخضاع عمل علمي أو بحث أو أفكار لمؤلف للفحص من قبل آخرين خبراء في المجال نفسه. ويستخدم المحررون والمؤسسات الممولة التحكيم أساسا لاختيار الأبحاث والدراسات العلمية التي يرسلها المؤلفون وفحصها ثم اتخاذ قرار بشأن إعطاء المنحة. وتهدف علمية التحكيم إلى جعل المؤلفين يحققون معايير التخصص. وينظر المتخصصون والعلماء في المجالات المختلفة إلى الأبحاث غير المحكمة نظرة شك وريبة. وحتى الدوريات المحكمة من الممكن إن تحتوي على أخطاء رغم التحكيم.
وعرفت شركة Elsevier للنشر التحكيم بأنه عملية إشراك الخبراء في تخصص ما في قراءة الأبحاث الجديدة والتعليق عليها من أجل التحقق من صحتها وتوكيدها. والتحكيم في بعض المجالات هو الخط الفاصل بين الحكم على ما هو علمي وما هو تكهنات. ويقوم التحكيم بفرز الدراسات المقدمة ويطلب من المؤلفين أن يحققوا معايير تخصصهم ويصلوا إلى الموضوعية العلمية.
وحتى يتم نشر دراسة في دورية محكمة، يقوم الباحث بإرسال بحثه إلى الدورية. وإذا رأى محرر الدورية أن البحث يقع ضمن أهداف الدورية ونطاق تخصصها، يرسل البحث إلى التحكيم. حيث يقوم خبراء مؤهلون ومستقلون- يجرون أبحاثا وينشرونها في التخصص ذاته - بتقويم البحث من حيث الأصالة والأهمية والصدق والوضوح.
وتختلف نسبة الأبحاث المقبولة للنشر من دورية لأخرى. إذ تقبل بعض الدوريات نسبة من الأبحاث أعلى من نظيراتها. ويعتمد ذلك على عدة عوامل مثل الميزانية وعدد الأعداد الصادرة في العام وغيرها. وتشير نسب القبول المنخفضة إلى أن الدورية مفضلة لدى المؤلفين وتستقبل عددا كبيرا من الأبحاث. أما الدوريات التي ترتفع فيها نسب الأبحاث المقبولة لأنها تستقبل عددا أقل من الأبحاث وبالتالي تركز على ضرورة النشر. ويبلغ متوسط نسبة الأبحاث المقبولة بين 25%-50%. وفي دراسة مسحية لجمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (2001)Association of Learned and Professional Society Publishers بالتعاون مع الجمعية الأوروبية للمحررين تبين أن غالبية المحررين قاموا بالتحكيم لمجلة واحدة، وقامت ثلاثة أرباع عينة الدوريات المختارة بتحكيم جميع الأبحاث الواردة إليها. ويتراوح عدد الدراسات التي تتلقاها الدوريات بين 100-500، وتتراوح نسبة الأبحاث المقبولة بين 25%-50%، ويستخدم 40% من الدوريات التحكيم دون ذكر أسماء المؤلفين والمحكمين. في حين تخفي 80% من المجلات أسماء المحكمين، ويتراسل نصفها مع المحكمين بالبريد العادي بدلا من البريد الالكتروني.
الدراسات السابقة
قامت الباحثة بالبحث في قاعدة معلومات ERIC وقاعدة معلومات Google Scholar عن أبحاث ودراسات حصرت المشكلات التي يواجها المحكمون في تحكيم الأعمال المقدمة للنشر في الدوريات ومراكز الأبحاث والمؤتمرات ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المؤلفة والمترجمة والدراسية وغيرها، فوجدت عددا من الدراسات التي حددت مواصفات التحكيم الجيد. فقد جاء في تقرير مجالس الأبحاث في بريطانيا لعام 2006 Research Councils (2006) ضرورة أن يكون التحكيم شفافا وواضحا ومتاحا للجمهور، وأن تعامل جميع مشاريع الأبحاث المجازة بالمثل. وأن يكون المجلس قادرا على توضيح كيفية التوصل إلى قرار معين بخصوص دراسة معينة، ومن قام بتحكيمتلك الدراسة. وينبغي أن يكون نظام التحكيم قليل القيود لإعطاء الباحثين الفرصة لإنضاج آرائهم وان يعطيهم الوقت الكافي للقيام بالبحث، وأن يعطي المجلس الباحثين الحرية للاستجابة للاتجاهات والمجالات المستحدثة. وتتجلى نقاطقوة التحكيم في القدرة على تحسين نوعية مشاريع الأبحاث المقدمة. وقد يلفت المحكمون نظر المتقدم للأبحاث الجارية في مكان آخر ويقدم أفكارا لتحسين طريقة البحث. كما يصقل المحكمون مهاراتهم ويكتسبون أفكارا جديدة.
ومن ناحية أخرى هناك عدد من الدراسات التي حصرت المشكلات التي يواجهها المحكمون منها تقرير اللجنة الفرعية للمجلس العلمي لجامعة ستانفورد الخاصة بالمكتبات Stanford Academic Council Committee on Libraries (1999) والمكونة من 6 أعضاء الذي جاء فيه أنه لوحظ من الدوريات الجديدة والمجلدات التي تضم مجموعة مؤلفين edited volumes، وسجلات وقائع المؤتمرات التي تتم إضافتها أن معايير التحكيم قد تضاءل دورها وأصبحت في خطر.
وفي دراسة مسحية لجمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (1999)Association of Learned and Professional Society Publishers ، أظهرت نتائج الدراسة أن 70% من المؤلفين راضون أو راضون جدا عن نظام التحكيم الحالي، وأفاد 52% بوجود عراقيل تحول دون تحقيق أهداف النشر لديهم لأنها تحول دون نشر دراسات ضعيفة. وأفاد نصف المحكمين أن عدد الأبحاث التي يطلب منهم تحكيمها في العام مناسب. وأفاد واحد من كل ستة أنهم مضغوطين في العمل. وعلى الرغم من أن تلقي المحكمين مكافأة على التحكيم يعتبر حالة استثنائية، وأفاد 20% أن عبئهم الأكاديمي كبير لدرجة أن تلقيهم مكافأة على التحكيم بات ضروريا إذا أرادت الدوريات أن تجد عددا كافيا من المحكمين للقيام بالعمل.
وكلفت اللجنة الاستشارية لمجالس الأبحاث الدكتورة مارجريت بودن بوضع تقرير تحكيم نشر عام 1990 أطلق عليه تقرير بودن Boden Report (1990) أوصت فيه بضرورة أن يكون التحكيم أكثر شفافية، وأفادت أن التحكيم اضر بالباحثين الذين يبدأون حياتهم المهنية والأبحاث التجديدية والأبحاث ذات تخصصات البينية interdisciplinary research. وأضافت في التقرير عدم وجود بديل للتحكيم العلمي .(The British Academy Reports, 2006) وفي عام 1995 نشرت الجمعية الملكية (Royal Report, 1995) تقريرا ركز على التحكيم بغرض توزيع منح مجلس الأبحاث. وكانت نتائجه تشبه تقرير بودنBoden Report الذي جاء فيه أن التحكيم ينبغي أن يكون العنصر الأساس في عملية اتخاذ القرار الخاص بالدعم العلمي من قبل المجتمع العلمي. وقد أصبحت آليات التحكيم أعلى تكلفة من حيث الوقت المخصص لكل مشروع بحث مقدم للحصول على المنح وازدياد نسبة الإحباط وانخفاض الروح المعنوية لدى جميع المتقدمين للمنح. ولفت تقرير بودن Boden report النظر إلى 3 نواح يكون فيها التحكيم غير فعال هي: تقويم الأفكار غير المتشددة، وتقويم مشاريع الأبحاث في التخصصات البينية وتقويم الأبحاث المقدمة من الباحثين الشباب الذين يخلو سجلهم من الأبحاث. كما تظهر علامات الإجهاد على التحكيم. وعلى الرغم من أن التحكيم يتطلب التزامات كبيرة في الوقت إلا انه مفتوح وشفاف وعادل ويحدد مشاريع الأبحاث ذات الجودة العالية.
وأستعرض Meadows (1998) الدراسات السابقة حول التحكيم العلمي، فوجد أنمشكلات التحكيم تتلخص فيما يلي: التحيز في التحكيم ضد المؤلفين من المؤسسات الصغيرة أو المؤلفات، وعدم اكتشاف النتائج المزورة، والسرقات العلمية أو تأخير النشر إلى أن ينشر المحكمون نتائج أبحاثهم هم.
وفي تقرير لمجالس الأبحاث البريطانيةResearch Councils UK (2005; 2006A; 2006B) ورد في التقرير مشكلة تسريب الأفكار أو عدم حياد المحكمين. لذا قامت المجالس بتقديم مستوى عال من التدريب لمحكمين خاصة فيما يتعلق بسياسات مجالس الأبحاث وإجراءاتها. ورفعت نسبة المحكمين الدوليين لزيادة درجة حياد التحكيم. وقدمت مستوى عاليا من الشفافية في إجراءات التحكيم وذلك بنشر أسماء المحكمين وتزويد المؤلفين بالملاحظات.
وأشارت الجمعية الملكية في بريطانيا Royal Society (1995) إلى أن التحكيم يمكن أن يثبط عزيمة الباحثين من تقديم أفكارهم الراديكالية التي تتحدى الأفكار السائدة، وتثبط عزيمة الباحثين الذين سجلوا عددا من الأبحاث في مجال ما من خوض مجالات جديدة.
وقام المعهد الصحي القومي الأمريكيNational Institutes of Health, USA (2006) باستفتاء آراء 3,247 عالما، فوجد أن نسبة الباحثين الذين اعترفوا بتزوير بياناتهم هي 3,.%، ونسبة السرقات العلمية هي 1,4% و4,7% اعترفوا بسرقات علمية من أعمالهم وهي أن يقوم المؤلف بنشر مادة علمية أم بيانات من أعمال سابقة دون توثيق أو إشارة إلى أعمالهم السابقة. حيث لا يتمكن المحكمون من الحصول على البيانات الخام، وإساءة استخدام المحكم المعلومات الداخلية كأن يستخدم المحكم معلومات أو بيانات من دراسة لم تنشر بعد أو يستخدمها للحصول على مزايا شخصية أو مهنية.
وفي دراسة أجراها (Mulligan, 2004)، أفاد المحكمون أن عبء التحكيم يزداد مع ازدياد عدد الأبحاث المنشورة ونقص عدد المحكمين الراغبين في التحكيم. وأصبح المؤلفون يطالبون بسرعة تحكيم أعمالهم أكثر من ذي قبل. ويعتقد المؤلفون أن التحيز والصراعات المهنية من المشكلات المهمة في عملية التحكيم. كما يشعر رؤساء التحرير أن اجتذاب المحكمين والاحتفاظ بهم من الأمور الصعبة، وأن المؤلفين متهمون بإرسال البحث نفسه إلى عدة جهات، وبتجزئة البحث الواحد إلى عدد من وحدات النشر كما ازدادت السرقات العلمية. ومن الصعوبات التي أشار إليها المحكمون صعوبة فهم الدراسة موضع التحكيم لسوء أسلوبها ولغتها أو لأن كتابها من غير الناطقين باللغة. حيث تستغرق مثل تلك الأبحاث وقتا أطول في المراجعة ويشعر المحكم أن عليه أن يرفضها أو ينبغي تحسينها قبل إرسالها إليه. ومن سلبيات التحكيم عدم القدرة على اكتشاف التزوير، وعدم ضمان صحة نتائج الأبحاث التي يحكمونها.
وذكر Schneider (2006) أن المحكمين بشر لذا فإن للتحكيم مثالب تشمل التقلب وعدم الثبات والانحياز ضد جنس الباحث والجهل والإهمال وعدم الأمانة.
ووجد Schwier (1994) أن من سلبيات التحكيم الانحياز، وعدم تشجيع الأبحاث التي تحاول اكتشاف موضوعات هامشية، وإبطاء عملية التغيير في التخصص. كما أن بطء عملية التحكيم يؤدي إلى عدم نشر الكثير من الأبحاث، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إصدار النسخ الورقية من الدوريات.
وقام Williamson (2002) بتصنيف مشكلات التحكيم كما رآها أفراد عينته على النحو التالي: (1) الذاتية وهي رفض المحرر للبحث دون إرساله إلى المحكمين، واختيار المحرر للمحكمين، (2) التحيز وهو التمييز ضد المؤلفين بسبب الجنسية واللغة الأم والجنس والجامعة التي ينتمي إليها. وتشمل حالات يكون فيها المحكم والمؤلف متنافسين أو عندما ينتميان إلى جامعتين متضادتين في المدارس الفكرية. (3) الاستغلال ويعني قيام المؤلف بنشر عدد كبير من الدراسات من بحث واحد، أو تكرار النشر، وحذف أو تخفيض درجة المؤلفين الشباب من قبل المؤلفين القدامى الذين يسرقون أعمال من يعملون تحتهم. أما استغلال المحكمين فيشمل سرقة عمل غير منشور أرسل إليهم للتحكيم. وتأخير نشر البحث المنافس عمدا. (4) عدم قدرة المحكم على اكتشاف نقاط الضعف في البحث. (5) والتزوير وسوء التصرف من قبل المؤلفين الذين يخترعون النتائج، ويخترعون البيانات أو يدّعون أنهم أصحاب نتائج ليست نتائجهم.
وذكرت موسوعة ويكيبيديا خمس سلبيات للتحكيم العلمي يمكن تلخيصها فيما يلي: (1) أن عملية التحكيم بطيئة تستغرق اشهرا وأحيانا سنوات قبل أن يذهب البحث إلى المطبعة. (2) التحيز حيث يقوم المحكمون بنقد النتائج التي تعارض توجهاتهم وآراءهم ويتساهلون مع النتائج التي تتفق معها. وتجد الأبحاث التي تتفق مع توجهات النخبة طريقها إلى النشر، وتظهر في المجلات المرموقة أما الأبحاث ذات الأفكار الثورية فلا تنشر. (3) فشل التحكيم ويحدث عند نشر بحث يحتوي على أخطاء أساسية ظاهرة تقلل من أهمية النتائج. (4) فشل التحكيم في اكتشاف التزوير. وفي بعض الحالات لم تظهر حالات التزوير إلا بعد نشر البحث ومحاولة باحثين آخرين إعادة تطبيق إجراءات البحث نفسها وفشلوا في ذلك، (5) السرقات العلمية.
وفي دراسة أجراها Mulligan (2004) تمنى بعض المحكمين أن يروا آراء المحكمين الآخرين لنفس العمل أو القرار النهائي لرئيس التحرير بشأن البحث الذي حكموه. ويشعر بعض المحكمين بعدم الرضا حين يفاجأون بنشر دراسة لم يوصوا بنشرها. ويشعر البعض انه ليس لدي رئيس التحرير سلطة حيث تؤخذ بعض الملاحظات على ظاهرها. ويفضل بعض المحكمين الحصول على ملاحظات حول أدائهم التحكيمي في نهاية العام مثلا. كما لوحظ أن المحكمين الذين تلقوا مثل تلك الملاحظات كانوا أكثر ميلا للتحكيم للمجلة. وينظر معظم المحكمين إلى التحكيم على انه عبء أكثر من كونه نشاطا ممتعا لأنهم لا يتلقون مكافأة ولا اعترافا بجهودهم. ومن المشكلات الصراعات المهنية بين المحكمين خاصة في التخصصات التي يعتمد فيها لتقدم العلمي على الدعم المالي لينجح. ويمكن أن يتنافس المحكمون حتى يحصل باحثون معينين على الدعم المالي. وهناك من يؤخر الرد وإرجاع الأبحاث التي حكموها إلى أن يقوم المحكمون أنفسهم بإنهاء أبحاثهم هم. اختلاف مستويات تقارير المحكمين. بعضها يكون مختصرا جدا في جملة واحدة. وبعضها طويل يسجل في عدة صفحات. والقليل يكتب الدراسة من جديد. ويحتاج المحكمون الشباب إلى النصح والإرشاد. وبالنسبة للكثيرين فان إجراءات التحكيم غالبا ما تكون غير معروفة ومخبأة. وتتطلب الثقة بنظام التحكيم فهم نظام التحكيم ووضع إطار شفاف لعملية التحكيم.
وقدم Williamson (2002) عددا من الاقتراحات لتحسين عملية التحكيم منها التحكيم المكشوف حيث يعرف المؤلفون أسماء المحكمين وهذا من شأنه أن يؤدي إلى مراجعات أقل إساءة، ويعطي بعض التقدير للمحكمين ويمنع سرقة الأبحاث العلمية. ويمكن تقليل الذاتية والتحيز والفشل في اكتشاف أخطاء التحكيم بتدريب المحكمين واستخدام قائمة معايير بدلا من ترك المحكم يعطي تقريرا بأسلوبه.
بالنسبة لمستوى الشفافية، تضع الكثير من الدوريات إرشادات عامة بدرجات متفاوتة. ففي دراسة مسحية أجراها Weller (2002) على 139 دورية، وجد أن 51.8% منها تذكر سياسة الدورية نحو التحكيم بدون ذكر أسماء المؤلفين والمحكمين. وذكر نحو ثلث الدوريات نسبة الأبحاث المرفوضة، وتعطي 17,3% من الدورية إرشادات مفصلة للمحكمين. فالشفافية تفيد القراء والمؤلفين والمحكمين والمحررين أي أن هناك توجه عام نحو الشفافية، لما لها من فائدة لقراء المجلة ومجتمع المتخصصين. مما تقدم يستطيع القراء أن يكونوا فكرة عن عملية التحكيم ويصدروا حكما على مستوى الدراسات المنشورة في المجلة. ويستطيع المؤلفون أن يكونوا فكرة مبنية على معلومات عن المكان الذي يرغبون أن ينشروا أبحاثهم فيه. ويكون المحكمون فكرة واضحة عما هو متوقع منهم. ويتلقى رئيس التحرير عددا أكبر من الدراسات، ويجد عددا أكبر من المحكمين الراغبين في التحكيم وسيتلقون عددا أقل من الاستفسارات عن التحكيم. وقام Charry, Murray-Prior, and Parton (2004) بوضع مجموعة من التعليمات والقضايا اللوجستية في عملية تحكيم الأعمال المتخصصة، ووضع نموذجا للتحكيم يستخدمه محكمو المجلة الاسترالية للأنظمة الإدارية وتجارة المزارع Australian Farm Business and Farming Systems Management Journal - وهي دورية الكترونية- لأن المؤلفين الراغبين في نشر أعمالهم في المجلة يرغبون في التأكد مما يلي: (1) أن الأبحاث المقدمة للدورية تخضع للتحكيم وفق معايير تقويم مشتركة (2) أن المحكمين يتخذون قراراتهم بناء على معطيات معينة مع استغلالهم الأمثل لوقتهم (3) أن التحكيم يشجع المؤلفين على تقديم أبحاثهم للنشر في الدورية وفي الوقت نفسه يعيق باحثين آخرين من رغبتهم في النشر في الدورية.
ويمكن تلخيص مشكلات التحكيم التي وردت في الدراسات والتقارير الأجنبية السابقة إلى مشكلات اختيار الأعمال المقدمة للتحكيم، مشكلات في المراسلات، مشكلات الوقت المخصص للتحكيم، مشكلات في العمل المحكم، مشكلات في معايير التحكيم، مخالفة قواعد النشر والترقية، مشكلات في قرارات التحكيم، مشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية، السرقات العلمية، مشكلات الاعتراف بمجهود المحكم. وستستخدم هذه المحار في تصنيف مشكلات التحكيم في الدراسة الحالية.
عينة الدراسة
تم اختيار عينة عشوائية مكونة من 6 محكمين يعملون في مؤسسات أكاديمية محلية شملت جامعة الملك سعود، وجامعة أم القرى، وجامعة الملك خالد، وجامعة الإمام قاموا بتحكيم أبحاث للدوريات، وأبحاث وملخصات مقدمة للمؤتمرات، وأبحاث مقدمة للترقية، وأبحاث مقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، وكتب مقدمة للنشر، وكتب دراسية، وأعمال مترجمة.وتم اختيار عينة مكونة من 6 محكمين من المملكة ولبنان والهند والولايات المتحدة واليابان لديهم خبرة في التحكيم لمؤسسات أكاديمية دولية: شملت دوريات أجنبية وملخصات مؤتمرات دولية وكتب في تعليم اللغة الإنجليزية لناشرين أجانب.
أداة البحث
لحصر المشكلات التي يواجهها المحكمون المتواجدون داخل المملكة وخارجها، استخدمت الباحثة استبانة بها عدد من الأسئلة المفتوحة هي: (1) ما الجهات التي تحكم لها؟ (2) ما المشكلات التي تواجهك/واجهتك في تحكيم أبحاث الدوريات، والأبحاث والملخصات المقدمة للمؤتمرات، وأبحاث الترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة.
إجراءات التطبيق والتحليل
بالنسبة للمحكمين المتواجدين داخل المملكة، قامت الباحثة بإجراء مقابلات شخصية تلفونية مع كل محكم على حدة للتعرف على المشكلات التي تواجهه في عملية التحكيم، وسجلت اسم المشترك وتخصصه وجامعته على نموذج الاستبانة الخاص به، وطرحت الأسئلة وسجلت الاستجابات على الاستبانة. بعد الانتهاء من المقابلات الشخصية، قامت الباحثة بتفريغ الاستجابات وتصنيفها. أما المحكمين المتواجدين خارج المملكة، فقد قامت الباحثة بإرسال الاستبانة بالبريد الالكتروني ثم قامت بتفريغ الاستجابات وتصنيفها. وبعد تفريغ مشكلات التحكيم كما يراها المحكمون أنفسهم في الفئتين، تم تصنيفها في 10 محورا هي: (1) مشكلات اختيار الأعمال المقدمة للتحكيم، (2) مشكلات في المراسلات، (3) مشكلات الوقت المخصص للتحكيم، (4) مشكلات في العمل المحكم، (5) مشكلات في معايير التحكيم، (6) مخالفة قواعد النشر والترقية، (7) مشكلات في قرارات التحكيم، (8) مشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية، (9) السرقات العلمية، (10) مشكلات الاعتراف بمجهود المحكم.
نتائج الدراسة
يظهر جدول رقم (1) المشكلات التي يواجهها المحكمون في تحكيم أبحاث الدوريات، والأبحاث والملخصات المقدمة للمؤتمرات، وأبحاث الترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، الكتب المقدمة للنشر، الكتب الدراسية، الأعمال المترجمة في المؤسسات المحلية والدولية. وقد صنفت المشكلات في عدد من ا لمحاور هي: مشكلة المراسلات، الوقت المخصص للتحكيم، مشكلات خاصة بالمحكم نفسه، ومشكلات في البحث نفسه، ومشكلات في معايير التحكيم، مخالفة قواعد النشر والترقية، ومشكلات في قرارات التحكيم، ومشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية التي أرسلت البحث أو الكتاب قيد التحكيم، والسرقات العلمية، ومشكلات الاعتراف بمجهود المحكم.
ظهرت عملية تحكيم الأبحاث العلمية في منتصف القرن العشرين. فعلى سبيل المثال لم تخضع أبحاث اينشتاين التي أطلق عليها "Annus Mirabilis" ونشرت في عدد عام 1905 من مجلة Annalen der Physik للتحكيم. إذ لم يحكمها أحد سوى رئيس تحرير المجلة ماكس بلانك Max Planck أبو النظرية العددية quantum theory ومساعده Wilhelm Wien. وعلى الرغم من أنهما زميلين وحصلا على جائزة نوبل، إلا انه لم يتم تشكيل لجنة تحكيم كما هي الحال في كثير من الدوريات العلمية المحكمة (Wikipedia). وتعتبر التبادلات الفلسفية Philosophical Transactions الصادرة عن الجمعية الملكية أول مجلة أقرت التحكيم رسميا (Zuckerman & Merton, 1971). والآن المحكم هو قلب عملية النشر العلمي. ففي دراسة أجراها McKnight and Price (1999) ، أفاد 94% من المستجيبين أن التحكيم مهم في الدوريات المطبوعة. وأظهرت نتائج دراسات مسحية أجرتها جمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (2002; 1999)Association of Learned and Professional Society Publishers ودراسة أجراهاRowland (1982) أن 81% من المؤلفين و80% من القراء لا زالوا يعتبرون التحكيم مهما. ويرى أعضاء هيئة التدريس أن للأبحاث المحكمة أهمية كبرى المحكمة في الترقية (Speier,Palmer, Wren & Hahn, 1999). وفي دراسة أجرتها مجالس الأبحاث البريطانية عام 2006م Research Councils UK (2006) وجدوا أن 93% من باحثي الجامعات يعتقدون أن التحكيم مهم، وله دور مركزي في الحياة الأكاديمية وينظرون إليه نظرة تقدير. وعلى الرغم من هذا التقدير إلا أن التحكيم ليس خاليا من الأخطاء. ومن الصعب العثور على محكمين مؤهلين. كما أن أكثر المحكمين موهبة يكونون دائما مشغولين بأنشطة تحكيمية لمجالس الأبحاث.
هذا وتمر الأعمال المقدمة للتحكيم بعدة مراحل مهمة قبل أن ترسل للنشر. فعلى سبيل المثال، قام Schwier (1994) بتتبع مسيرة الأبحاث المقدمة للنشر في المجلة الكندية للاتصال التربوي - التي تصدر 3 مرات في العام - منذ لحظة الفحص الإداري المبدئي للأبحاث الواردة إلى مراجعة هيئة التحرير، ثم اختيار المحكمين لها، ثم إخضاعها للتحكيم، ثم إعادتها إلى الباحث للمراجعة، وإجراء التعديلات، ثم الفحص النهائي. وذكر أن مزايا هذه الإجراءات هو تقديم تعليقات مفيدة وحيوية للباحث، وغربلة الأبحاث المقدمة واختيار أفضلها للنشر، كما أنها طريقة تمييز مناسبة في حالة التقويم للترقية، ووضع معايير مهنية للأبحاث والتخصص، وتخفيض التكاليف. والتحكيم متطلب للنشر في الدوريات العلمية وللحصول على دعم مالي للبحث أو الدراسة من جهة ما. من هنا كان إلقاء الآخرين نظرة على العمل من شأنه أن يحدد مواضع الضعف فيه. ويقدمون اقتراحات لتحسينه ويحولون دون نشر الأبحاث الضعيفة التي لا تنطبق عليها معايير البحث العلمي الجيد في التخصص. والتحكيم وسيلة لاختيار عدد قليل من الأبحاث أو خطط البحث عندما تكون مصادر التمويل محدودة، وعندما تكون الأعداد المنشورة من الدورية أو عدد صفحات الدورية محدودة.
وحيث إن المحكمين يختارون من الخبراء في مجال البحث المقدم للتحكيم، لذا فإن عملية التحكيم ضرورية لتأسيس قاعدة عريضة ومتينة للمعرفة والبحث العلمي يمكن الاعتماد عليها. وقد يكون العلماء الذين يقرأون الأبحاث المنشورة خبراء في مجال دقيق جدا، لذا فإنهم يعتمدون على عملية التحكيم لتقديم بحث موثوق به يستطيعون أن يبنوا عليه أبحاثا تالية أو ذات علاقة بموضوع التخصص.
وتعتمد مجالس الأبحاث Research Councils UK (2005; 2006A; 2006B) على التحكيم لإعطاء تعليقات بناءة وتفسير آراء المحكمين ودرجاتهم التي يرسلونها إلى أصحاب البحوث. لذا من الأهمية بمكان أن يعطي المحكمون تغذية رجعية تساعد الباحثين. ونادرا ما يتلقى المحكمون أي مكافأة أو مردود مقابل عملية التحكيم. فهي نشاط بدون أسم. وتنشر بعض الدوريات قائمة بأسماء من يحكمون لها ولكن المحكمين لا يحصلون على أي اعتراف بمجهودهم من الجمهور.
وجاء في تقرير مجالس الأبحاث في بريطانيا لعام 2006 Research Councils (2006) أن قوة التحكيم تتجلى في القدرة على تحسين نوعية مشاريع البحث المقدمة. وقد يلفت المحكمون نظر المتقدم للأبحاث الجارية في مكان آخر ويقدم أفكار لتحسين طريقة البحث. والمشاركة في التحكيم مفيدة للمحكمين أنفسهم، حيث يصقل التحكيم مهاراتهم ويكتسبون أفكارا جديدة. والتحكيم نظام ذو طبيعة تنافسية. وهذا التنافس يجعل الأبحاث المقدمة ذات جودة عالية. حيث يكون لدى المتقدمين دافع كبير لتقديم مشاريع أبحاث في الطليعة. ومن ناحية أخرى تساعد قوة التنافس وعملية الاختيار في التأكد من جودة المشاريع المختارة للتمويل.
ووجد Mulligan (2004) أن التحكيم يؤدي إلى التنمية الشخصية والمهنية المحكم والمحكم له. ولم يعتبر المحكمون الحوافز شيئا أساسيا ولكنه لا مانع منها، واقترحوا إعطاء المحكمين خصومات على الكتب وحبر الطابعات. ومما يشهد بأهمية التحكيم أن الفرضيات العلمية التي تقدم للعالم يتجاهلها جمهور العلماء إلا إذا نشرت في دوريات علمية محكمة Mulligan (2004).
وعلى الرغم من أهمية التحكيم لكل من المؤلفين والقراء، إلا أن إجراءات التحكيم لا تخلو من السلبيات والمشكلات التي خضعت لدراسات موسعة في المجال الطبي الحيوي. وهناك سلسلة منتظمة من المؤتمرات الدولية حول التحكيم العملي في العلوم الطبية الحيوية والتي تنشر تقارير عنها في أعداد خاصة من مجلة الجمعية الأمريكية الطبيةJournal of the American Medical Association (JAMA) (1990, 1996, 1998). وستعرض الباحثة سلبيات التحكيم ومشكلاته عند عرض الدراسات السابقة.
وعلى الرغم من وفرة الأبحاث والتقارير والمؤتمرات الأجنبية التي تدور حول مشكلات تحكيم أبحاث المنح وأبحاث الدوريات وغيرها، إلا أن الأبحاث العربية في هذا المجال شبه معدومة. فقد قامت الباحثة بالبحث في قواعد قواعد معلومات مكتبة الملك فهد، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة ومكتبة مكتب التربية العربي لدول الخليج ومحرك بحث غوغل فلم تعثر على أبحاث عربية تدور حول المشكلات التي تواجه المحكم للمؤسسات الأكاديمية المحلية والعربية. أي أن هناك نقص في الأبحاث العربية في هذا المجال. إضافة إلى أن واقع تحكيم الأبحاث غير مرض وبعض الممارسات التحكيمية مثل إضاعة الأبحاث، واستغراق وقت طويل في عملية تحكيم البحث وغيرها من الممارسات غير مرضية، ونحتاج إلى أن ننظر إلى واقع التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية نظرة حيادية، ونضع معايير تحكيم قابلة للتطبيق ونطور إجراءات التحكيم لاختصار الوقت وجعله أكثر موضوعية وفائدة.
هدف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى حصر المشكلات التي يواجهها المحكمون لكل من المؤسسات الأكاديمية المحلية والمؤسسات الأكاديمية الدولية في تحكيم أبحاث الدوريات والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقيةولمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة، وتقديم بعض التوصيات لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية والاستفادة من التجارب الدولية، ورفع مستوى الجودة في التحكيم وفي الأبحاث المنشورة محليا.
أسئلة الدراسة
تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن الأسئلة التالية: (1) ما المشكلات التي يواجهها المحكمون لكل من المؤسسات الأكاديمية المحلية والمؤسسات الأكاديمية الدولية في تحكيم أبحاث الدوريات، والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، المشاريع البحثية الممولة، الكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية والأعمال المترجمة. (2) ما أسباب تلك المشكلات؟ (3) هل هناك فروق بين المشكلات التي يواجهها محكمو المؤسسات الأكاديمية ومحكمو المؤسسات الدولية؟ (4) ما الطرق التي يمكن اتباعها لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية؟
أهمية الدراسة
حيث إن التحكيم وسيلة لاتخاذ القرار، لذا فإن تشخيص الصعوبات التي يواجها المحكمون للمؤسسات الأكاديمية المحلية وعرض التجارب الدولية في التحكيم سيساعد في وضع ضوابط للتغلب على هذه الصعوبات قدر الإمكان. وستساهم هذه الدراسة في رفع درجة الموضوعية والشفافية في تحكيم الأبحاث، ورفع مستوى جودة الأبحاث المنشورة محليا، وتقديم مقترحات لتحسين عملية التحكيم في المؤسسات الأكاديمية المحلية.
حدود الدراسة
شملت عينة المحكمين للمؤسسات الأكاديمية داخل المملكة محكمين من الرجال والسيدات لديهم خبرة في تحكيم أبحاث الدوريات، والملخصات والأبحاث المقدمة للمؤتمرات، والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة. وشملت عينة المحكمين الذين حكموا لمؤسسات أكاديمية دولية (عربية وأجنبية) محكمين من الرجال والسيدات لديهم خبرة في تحكيم أبحاث الدوريات، الأبحاث المقدمة للمؤتمرات، الملخصات والأبحاث المقدمة للترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة. وسيتم استثناء المشكلات التي تواجه محكمي الرسائل الجامعية لأنها محور دراسة أخرى. ولن يتم تصنيف المشكلات وفقا لتخصص المحكمين المشاركين في الدراسة لأنه غير مهم ولا وفقا للجهة المحكمة لأن المشكلات قد تتكرر في أكثر من جهة، وما يهم هو أن يكون المحكم قد حكم لمؤسسات مختلفة ولأغراض مختلفة.
ثانيا: سيتم تصنيف الاستجابات وفقا لنوع المشكلة، وليس وفقا لنوع المؤسسة التي يحكم لها أو غرض التحكيم. وإذا كان لدى المحكم تجربة في التحكيم للمؤسسات الأكاديمية المحلية والدولية، سيتم فصل الاستجابات.
ثالثا: هذه الدراسة دراسة نوعية، وليس من الضروري إظهار النسب المئوية. ولا يوجد إحصائية تبين % المحكمين الذين واجهوا مشكلة بعينهالصغر العينة ولاختلاف المشكلات التي ذكروها، فالمهم هنا هو نوعية المشكلة التي يواجهها المحكم وليس نسبة من يواجهونها.
تعريف المصطلحات
التحكيم:
عرفت موسوعة ويكيبيديا (Wikipedia) التحكيم بأنه عملية إخضاع عمل علمي أو بحث أو أفكار لمؤلف للفحص من قبل آخرين خبراء في المجال نفسه. ويستخدم المحررون والمؤسسات الممولة التحكيم أساسا لاختيار الأبحاث والدراسات العلمية التي يرسلها المؤلفون وفحصها ثم اتخاذ قرار بشأن إعطاء المنحة. وتهدف علمية التحكيم إلى جعل المؤلفين يحققون معايير التخصص. وينظر المتخصصون والعلماء في المجالات المختلفة إلى الأبحاث غير المحكمة نظرة شك وريبة. وحتى الدوريات المحكمة من الممكن إن تحتوي على أخطاء رغم التحكيم.
وعرفت شركة Elsevier للنشر التحكيم بأنه عملية إشراك الخبراء في تخصص ما في قراءة الأبحاث الجديدة والتعليق عليها من أجل التحقق من صحتها وتوكيدها. والتحكيم في بعض المجالات هو الخط الفاصل بين الحكم على ما هو علمي وما هو تكهنات. ويقوم التحكيم بفرز الدراسات المقدمة ويطلب من المؤلفين أن يحققوا معايير تخصصهم ويصلوا إلى الموضوعية العلمية.
وحتى يتم نشر دراسة في دورية محكمة، يقوم الباحث بإرسال بحثه إلى الدورية. وإذا رأى محرر الدورية أن البحث يقع ضمن أهداف الدورية ونطاق تخصصها، يرسل البحث إلى التحكيم. حيث يقوم خبراء مؤهلون ومستقلون- يجرون أبحاثا وينشرونها في التخصص ذاته - بتقويم البحث من حيث الأصالة والأهمية والصدق والوضوح.
وتختلف نسبة الأبحاث المقبولة للنشر من دورية لأخرى. إذ تقبل بعض الدوريات نسبة من الأبحاث أعلى من نظيراتها. ويعتمد ذلك على عدة عوامل مثل الميزانية وعدد الأعداد الصادرة في العام وغيرها. وتشير نسب القبول المنخفضة إلى أن الدورية مفضلة لدى المؤلفين وتستقبل عددا كبيرا من الأبحاث. أما الدوريات التي ترتفع فيها نسب الأبحاث المقبولة لأنها تستقبل عددا أقل من الأبحاث وبالتالي تركز على ضرورة النشر. ويبلغ متوسط نسبة الأبحاث المقبولة بين 25%-50%. وفي دراسة مسحية لجمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (2001)Association of Learned and Professional Society Publishers بالتعاون مع الجمعية الأوروبية للمحررين تبين أن غالبية المحررين قاموا بالتحكيم لمجلة واحدة، وقامت ثلاثة أرباع عينة الدوريات المختارة بتحكيم جميع الأبحاث الواردة إليها. ويتراوح عدد الدراسات التي تتلقاها الدوريات بين 100-500، وتتراوح نسبة الأبحاث المقبولة بين 25%-50%، ويستخدم 40% من الدوريات التحكيم دون ذكر أسماء المؤلفين والمحكمين. في حين تخفي 80% من المجلات أسماء المحكمين، ويتراسل نصفها مع المحكمين بالبريد العادي بدلا من البريد الالكتروني.
الدراسات السابقة
قامت الباحثة بالبحث في قاعدة معلومات ERIC وقاعدة معلومات Google Scholar عن أبحاث ودراسات حصرت المشكلات التي يواجها المحكمون في تحكيم الأعمال المقدمة للنشر في الدوريات ومراكز الأبحاث والمؤتمرات ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المؤلفة والمترجمة والدراسية وغيرها، فوجدت عددا من الدراسات التي حددت مواصفات التحكيم الجيد. فقد جاء في تقرير مجالس الأبحاث في بريطانيا لعام 2006 Research Councils (2006) ضرورة أن يكون التحكيم شفافا وواضحا ومتاحا للجمهور، وأن تعامل جميع مشاريع الأبحاث المجازة بالمثل. وأن يكون المجلس قادرا على توضيح كيفية التوصل إلى قرار معين بخصوص دراسة معينة، ومن قام بتحكيمتلك الدراسة. وينبغي أن يكون نظام التحكيم قليل القيود لإعطاء الباحثين الفرصة لإنضاج آرائهم وان يعطيهم الوقت الكافي للقيام بالبحث، وأن يعطي المجلس الباحثين الحرية للاستجابة للاتجاهات والمجالات المستحدثة. وتتجلى نقاطقوة التحكيم في القدرة على تحسين نوعية مشاريع الأبحاث المقدمة. وقد يلفت المحكمون نظر المتقدم للأبحاث الجارية في مكان آخر ويقدم أفكارا لتحسين طريقة البحث. كما يصقل المحكمون مهاراتهم ويكتسبون أفكارا جديدة.
ومن ناحية أخرى هناك عدد من الدراسات التي حصرت المشكلات التي يواجهها المحكمون منها تقرير اللجنة الفرعية للمجلس العلمي لجامعة ستانفورد الخاصة بالمكتبات Stanford Academic Council Committee on Libraries (1999) والمكونة من 6 أعضاء الذي جاء فيه أنه لوحظ من الدوريات الجديدة والمجلدات التي تضم مجموعة مؤلفين edited volumes، وسجلات وقائع المؤتمرات التي تتم إضافتها أن معايير التحكيم قد تضاءل دورها وأصبحت في خطر.
وفي دراسة مسحية لجمعية ناشري المجتمع المهني والمتعلم (ALPSP) (1999)Association of Learned and Professional Society Publishers ، أظهرت نتائج الدراسة أن 70% من المؤلفين راضون أو راضون جدا عن نظام التحكيم الحالي، وأفاد 52% بوجود عراقيل تحول دون تحقيق أهداف النشر لديهم لأنها تحول دون نشر دراسات ضعيفة. وأفاد نصف المحكمين أن عدد الأبحاث التي يطلب منهم تحكيمها في العام مناسب. وأفاد واحد من كل ستة أنهم مضغوطين في العمل. وعلى الرغم من أن تلقي المحكمين مكافأة على التحكيم يعتبر حالة استثنائية، وأفاد 20% أن عبئهم الأكاديمي كبير لدرجة أن تلقيهم مكافأة على التحكيم بات ضروريا إذا أرادت الدوريات أن تجد عددا كافيا من المحكمين للقيام بالعمل.
وكلفت اللجنة الاستشارية لمجالس الأبحاث الدكتورة مارجريت بودن بوضع تقرير تحكيم نشر عام 1990 أطلق عليه تقرير بودن Boden Report (1990) أوصت فيه بضرورة أن يكون التحكيم أكثر شفافية، وأفادت أن التحكيم اضر بالباحثين الذين يبدأون حياتهم المهنية والأبحاث التجديدية والأبحاث ذات تخصصات البينية interdisciplinary research. وأضافت في التقرير عدم وجود بديل للتحكيم العلمي .(The British Academy Reports, 2006) وفي عام 1995 نشرت الجمعية الملكية (Royal Report, 1995) تقريرا ركز على التحكيم بغرض توزيع منح مجلس الأبحاث. وكانت نتائجه تشبه تقرير بودنBoden Report الذي جاء فيه أن التحكيم ينبغي أن يكون العنصر الأساس في عملية اتخاذ القرار الخاص بالدعم العلمي من قبل المجتمع العلمي. وقد أصبحت آليات التحكيم أعلى تكلفة من حيث الوقت المخصص لكل مشروع بحث مقدم للحصول على المنح وازدياد نسبة الإحباط وانخفاض الروح المعنوية لدى جميع المتقدمين للمنح. ولفت تقرير بودن Boden report النظر إلى 3 نواح يكون فيها التحكيم غير فعال هي: تقويم الأفكار غير المتشددة، وتقويم مشاريع الأبحاث في التخصصات البينية وتقويم الأبحاث المقدمة من الباحثين الشباب الذين يخلو سجلهم من الأبحاث. كما تظهر علامات الإجهاد على التحكيم. وعلى الرغم من أن التحكيم يتطلب التزامات كبيرة في الوقت إلا انه مفتوح وشفاف وعادل ويحدد مشاريع الأبحاث ذات الجودة العالية.
وأستعرض Meadows (1998) الدراسات السابقة حول التحكيم العلمي، فوجد أنمشكلات التحكيم تتلخص فيما يلي: التحيز في التحكيم ضد المؤلفين من المؤسسات الصغيرة أو المؤلفات، وعدم اكتشاف النتائج المزورة، والسرقات العلمية أو تأخير النشر إلى أن ينشر المحكمون نتائج أبحاثهم هم.
وفي تقرير لمجالس الأبحاث البريطانيةResearch Councils UK (2005; 2006A; 2006B) ورد في التقرير مشكلة تسريب الأفكار أو عدم حياد المحكمين. لذا قامت المجالس بتقديم مستوى عال من التدريب لمحكمين خاصة فيما يتعلق بسياسات مجالس الأبحاث وإجراءاتها. ورفعت نسبة المحكمين الدوليين لزيادة درجة حياد التحكيم. وقدمت مستوى عاليا من الشفافية في إجراءات التحكيم وذلك بنشر أسماء المحكمين وتزويد المؤلفين بالملاحظات.
وأشارت الجمعية الملكية في بريطانيا Royal Society (1995) إلى أن التحكيم يمكن أن يثبط عزيمة الباحثين من تقديم أفكارهم الراديكالية التي تتحدى الأفكار السائدة، وتثبط عزيمة الباحثين الذين سجلوا عددا من الأبحاث في مجال ما من خوض مجالات جديدة.
وقام المعهد الصحي القومي الأمريكيNational Institutes of Health, USA (2006) باستفتاء آراء 3,247 عالما، فوجد أن نسبة الباحثين الذين اعترفوا بتزوير بياناتهم هي 3,.%، ونسبة السرقات العلمية هي 1,4% و4,7% اعترفوا بسرقات علمية من أعمالهم وهي أن يقوم المؤلف بنشر مادة علمية أم بيانات من أعمال سابقة دون توثيق أو إشارة إلى أعمالهم السابقة. حيث لا يتمكن المحكمون من الحصول على البيانات الخام، وإساءة استخدام المحكم المعلومات الداخلية كأن يستخدم المحكم معلومات أو بيانات من دراسة لم تنشر بعد أو يستخدمها للحصول على مزايا شخصية أو مهنية.
وفي دراسة أجراها (Mulligan, 2004)، أفاد المحكمون أن عبء التحكيم يزداد مع ازدياد عدد الأبحاث المنشورة ونقص عدد المحكمين الراغبين في التحكيم. وأصبح المؤلفون يطالبون بسرعة تحكيم أعمالهم أكثر من ذي قبل. ويعتقد المؤلفون أن التحيز والصراعات المهنية من المشكلات المهمة في عملية التحكيم. كما يشعر رؤساء التحرير أن اجتذاب المحكمين والاحتفاظ بهم من الأمور الصعبة، وأن المؤلفين متهمون بإرسال البحث نفسه إلى عدة جهات، وبتجزئة البحث الواحد إلى عدد من وحدات النشر كما ازدادت السرقات العلمية. ومن الصعوبات التي أشار إليها المحكمون صعوبة فهم الدراسة موضع التحكيم لسوء أسلوبها ولغتها أو لأن كتابها من غير الناطقين باللغة. حيث تستغرق مثل تلك الأبحاث وقتا أطول في المراجعة ويشعر المحكم أن عليه أن يرفضها أو ينبغي تحسينها قبل إرسالها إليه. ومن سلبيات التحكيم عدم القدرة على اكتشاف التزوير، وعدم ضمان صحة نتائج الأبحاث التي يحكمونها.
وذكر Schneider (2006) أن المحكمين بشر لذا فإن للتحكيم مثالب تشمل التقلب وعدم الثبات والانحياز ضد جنس الباحث والجهل والإهمال وعدم الأمانة.
ووجد Schwier (1994) أن من سلبيات التحكيم الانحياز، وعدم تشجيع الأبحاث التي تحاول اكتشاف موضوعات هامشية، وإبطاء عملية التغيير في التخصص. كما أن بطء عملية التحكيم يؤدي إلى عدم نشر الكثير من الأبحاث، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إصدار النسخ الورقية من الدوريات.
وقام Williamson (2002) بتصنيف مشكلات التحكيم كما رآها أفراد عينته على النحو التالي: (1) الذاتية وهي رفض المحرر للبحث دون إرساله إلى المحكمين، واختيار المحرر للمحكمين، (2) التحيز وهو التمييز ضد المؤلفين بسبب الجنسية واللغة الأم والجنس والجامعة التي ينتمي إليها. وتشمل حالات يكون فيها المحكم والمؤلف متنافسين أو عندما ينتميان إلى جامعتين متضادتين في المدارس الفكرية. (3) الاستغلال ويعني قيام المؤلف بنشر عدد كبير من الدراسات من بحث واحد، أو تكرار النشر، وحذف أو تخفيض درجة المؤلفين الشباب من قبل المؤلفين القدامى الذين يسرقون أعمال من يعملون تحتهم. أما استغلال المحكمين فيشمل سرقة عمل غير منشور أرسل إليهم للتحكيم. وتأخير نشر البحث المنافس عمدا. (4) عدم قدرة المحكم على اكتشاف نقاط الضعف في البحث. (5) والتزوير وسوء التصرف من قبل المؤلفين الذين يخترعون النتائج، ويخترعون البيانات أو يدّعون أنهم أصحاب نتائج ليست نتائجهم.
وذكرت موسوعة ويكيبيديا خمس سلبيات للتحكيم العلمي يمكن تلخيصها فيما يلي: (1) أن عملية التحكيم بطيئة تستغرق اشهرا وأحيانا سنوات قبل أن يذهب البحث إلى المطبعة. (2) التحيز حيث يقوم المحكمون بنقد النتائج التي تعارض توجهاتهم وآراءهم ويتساهلون مع النتائج التي تتفق معها. وتجد الأبحاث التي تتفق مع توجهات النخبة طريقها إلى النشر، وتظهر في المجلات المرموقة أما الأبحاث ذات الأفكار الثورية فلا تنشر. (3) فشل التحكيم ويحدث عند نشر بحث يحتوي على أخطاء أساسية ظاهرة تقلل من أهمية النتائج. (4) فشل التحكيم في اكتشاف التزوير. وفي بعض الحالات لم تظهر حالات التزوير إلا بعد نشر البحث ومحاولة باحثين آخرين إعادة تطبيق إجراءات البحث نفسها وفشلوا في ذلك، (5) السرقات العلمية.
وفي دراسة أجراها Mulligan (2004) تمنى بعض المحكمين أن يروا آراء المحكمين الآخرين لنفس العمل أو القرار النهائي لرئيس التحرير بشأن البحث الذي حكموه. ويشعر بعض المحكمين بعدم الرضا حين يفاجأون بنشر دراسة لم يوصوا بنشرها. ويشعر البعض انه ليس لدي رئيس التحرير سلطة حيث تؤخذ بعض الملاحظات على ظاهرها. ويفضل بعض المحكمين الحصول على ملاحظات حول أدائهم التحكيمي في نهاية العام مثلا. كما لوحظ أن المحكمين الذين تلقوا مثل تلك الملاحظات كانوا أكثر ميلا للتحكيم للمجلة. وينظر معظم المحكمين إلى التحكيم على انه عبء أكثر من كونه نشاطا ممتعا لأنهم لا يتلقون مكافأة ولا اعترافا بجهودهم. ومن المشكلات الصراعات المهنية بين المحكمين خاصة في التخصصات التي يعتمد فيها لتقدم العلمي على الدعم المالي لينجح. ويمكن أن يتنافس المحكمون حتى يحصل باحثون معينين على الدعم المالي. وهناك من يؤخر الرد وإرجاع الأبحاث التي حكموها إلى أن يقوم المحكمون أنفسهم بإنهاء أبحاثهم هم. اختلاف مستويات تقارير المحكمين. بعضها يكون مختصرا جدا في جملة واحدة. وبعضها طويل يسجل في عدة صفحات. والقليل يكتب الدراسة من جديد. ويحتاج المحكمون الشباب إلى النصح والإرشاد. وبالنسبة للكثيرين فان إجراءات التحكيم غالبا ما تكون غير معروفة ومخبأة. وتتطلب الثقة بنظام التحكيم فهم نظام التحكيم ووضع إطار شفاف لعملية التحكيم.
وقدم Williamson (2002) عددا من الاقتراحات لتحسين عملية التحكيم منها التحكيم المكشوف حيث يعرف المؤلفون أسماء المحكمين وهذا من شأنه أن يؤدي إلى مراجعات أقل إساءة، ويعطي بعض التقدير للمحكمين ويمنع سرقة الأبحاث العلمية. ويمكن تقليل الذاتية والتحيز والفشل في اكتشاف أخطاء التحكيم بتدريب المحكمين واستخدام قائمة معايير بدلا من ترك المحكم يعطي تقريرا بأسلوبه.
بالنسبة لمستوى الشفافية، تضع الكثير من الدوريات إرشادات عامة بدرجات متفاوتة. ففي دراسة مسحية أجراها Weller (2002) على 139 دورية، وجد أن 51.8% منها تذكر سياسة الدورية نحو التحكيم بدون ذكر أسماء المؤلفين والمحكمين. وذكر نحو ثلث الدوريات نسبة الأبحاث المرفوضة، وتعطي 17,3% من الدورية إرشادات مفصلة للمحكمين. فالشفافية تفيد القراء والمؤلفين والمحكمين والمحررين أي أن هناك توجه عام نحو الشفافية، لما لها من فائدة لقراء المجلة ومجتمع المتخصصين. مما تقدم يستطيع القراء أن يكونوا فكرة عن عملية التحكيم ويصدروا حكما على مستوى الدراسات المنشورة في المجلة. ويستطيع المؤلفون أن يكونوا فكرة مبنية على معلومات عن المكان الذي يرغبون أن ينشروا أبحاثهم فيه. ويكون المحكمون فكرة واضحة عما هو متوقع منهم. ويتلقى رئيس التحرير عددا أكبر من الدراسات، ويجد عددا أكبر من المحكمين الراغبين في التحكيم وسيتلقون عددا أقل من الاستفسارات عن التحكيم. وقام Charry, Murray-Prior, and Parton (2004) بوضع مجموعة من التعليمات والقضايا اللوجستية في عملية تحكيم الأعمال المتخصصة، ووضع نموذجا للتحكيم يستخدمه محكمو المجلة الاسترالية للأنظمة الإدارية وتجارة المزارع Australian Farm Business and Farming Systems Management Journal - وهي دورية الكترونية- لأن المؤلفين الراغبين في نشر أعمالهم في المجلة يرغبون في التأكد مما يلي: (1) أن الأبحاث المقدمة للدورية تخضع للتحكيم وفق معايير تقويم مشتركة (2) أن المحكمين يتخذون قراراتهم بناء على معطيات معينة مع استغلالهم الأمثل لوقتهم (3) أن التحكيم يشجع المؤلفين على تقديم أبحاثهم للنشر في الدورية وفي الوقت نفسه يعيق باحثين آخرين من رغبتهم في النشر في الدورية.
ويمكن تلخيص مشكلات التحكيم التي وردت في الدراسات والتقارير الأجنبية السابقة إلى مشكلات اختيار الأعمال المقدمة للتحكيم، مشكلات في المراسلات، مشكلات الوقت المخصص للتحكيم، مشكلات في العمل المحكم، مشكلات في معايير التحكيم، مخالفة قواعد النشر والترقية، مشكلات في قرارات التحكيم، مشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية، السرقات العلمية، مشكلات الاعتراف بمجهود المحكم. وستستخدم هذه المحار في تصنيف مشكلات التحكيم في الدراسة الحالية.
عينة الدراسة
تم اختيار عينة عشوائية مكونة من 6 محكمين يعملون في مؤسسات أكاديمية محلية شملت جامعة الملك سعود، وجامعة أم القرى، وجامعة الملك خالد، وجامعة الإمام قاموا بتحكيم أبحاث للدوريات، وأبحاث وملخصات مقدمة للمؤتمرات، وأبحاث مقدمة للترقية، وأبحاث مقدمة لمراكز أبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، وكتب مقدمة للنشر، وكتب دراسية، وأعمال مترجمة.وتم اختيار عينة مكونة من 6 محكمين من المملكة ولبنان والهند والولايات المتحدة واليابان لديهم خبرة في التحكيم لمؤسسات أكاديمية دولية: شملت دوريات أجنبية وملخصات مؤتمرات دولية وكتب في تعليم اللغة الإنجليزية لناشرين أجانب.
أداة البحث
لحصر المشكلات التي يواجهها المحكمون المتواجدون داخل المملكة وخارجها، استخدمت الباحثة استبانة بها عدد من الأسئلة المفتوحة هي: (1) ما الجهات التي تحكم لها؟ (2) ما المشكلات التي تواجهك/واجهتك في تحكيم أبحاث الدوريات، والأبحاث والملخصات المقدمة للمؤتمرات، وأبحاث الترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، والكتب المقدمة للنشر، والكتب الدراسية، والأعمال المترجمة.
إجراءات التطبيق والتحليل
بالنسبة للمحكمين المتواجدين داخل المملكة، قامت الباحثة بإجراء مقابلات شخصية تلفونية مع كل محكم على حدة للتعرف على المشكلات التي تواجهه في عملية التحكيم، وسجلت اسم المشترك وتخصصه وجامعته على نموذج الاستبانة الخاص به، وطرحت الأسئلة وسجلت الاستجابات على الاستبانة. بعد الانتهاء من المقابلات الشخصية، قامت الباحثة بتفريغ الاستجابات وتصنيفها. أما المحكمين المتواجدين خارج المملكة، فقد قامت الباحثة بإرسال الاستبانة بالبريد الالكتروني ثم قامت بتفريغ الاستجابات وتصنيفها. وبعد تفريغ مشكلات التحكيم كما يراها المحكمون أنفسهم في الفئتين، تم تصنيفها في 10 محورا هي: (1) مشكلات اختيار الأعمال المقدمة للتحكيم، (2) مشكلات في المراسلات، (3) مشكلات الوقت المخصص للتحكيم، (4) مشكلات في العمل المحكم، (5) مشكلات في معايير التحكيم، (6) مخالفة قواعد النشر والترقية، (7) مشكلات في قرارات التحكيم، (8) مشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية، (9) السرقات العلمية، (10) مشكلات الاعتراف بمجهود المحكم.
نتائج الدراسة
يظهر جدول رقم (1) المشكلات التي يواجهها المحكمون في تحكيم أبحاث الدوريات، والأبحاث والملخصات المقدمة للمؤتمرات، وأبحاث الترقية، والأبحاث المقدمة لمراكز الأبحاث، ومشاريع أبحاث المنح، الكتب المقدمة للنشر، الكتب الدراسية، الأعمال المترجمة في المؤسسات المحلية والدولية. وقد صنفت المشكلات في عدد من ا لمحاور هي: مشكلة المراسلات، الوقت المخصص للتحكيم، مشكلات خاصة بالمحكم نفسه، ومشكلات في البحث نفسه، ومشكلات في معايير التحكيم، مخالفة قواعد النشر والترقية، ومشكلات في قرارات التحكيم، ومشكلات خاصة بالمؤسسة الأكاديمية التي أرسلت البحث أو الكتاب قيد التحكيم، والسرقات العلمية، ومشكلات الاعتراف بمجهود المحكم.