نادت علي أمي ....!! ترى ما الخطاب لم تعتد أن تنادي عليا بمثل هذا الصوت الذي يختبىء خلفه أمراً هاما .
لم أصدق أذني عندما طلبت مني أن أذهب لشراء ربع كيلو لحم ...! ثم إجابت دهشتي عندما قالت " ربع كيلو بس عشان خلتك و الجيران يعرفو إننا جايبين لحمة " عاود إندهاشي مرة أخرى هل إنسكب كوب الشربة الذي كانت تضعه على النار يوميا لتفوح منه تلك الرائحة التي كانت تشاكس أمعاءنا – عندما كنا نلتف حول المائدة و نأكل على أثرها- ليعلم جيراننا أننا في بيتنا لحمة .
ذهبت و أحضرتها و في طريقي توقفت أمام هذه البنايةكنت كل يوم أمر عليها عندما أكون ذاهباً إلى جامعتي ، تلك البناية التي أبدع مشيدوها في تشيدها و وضعهم كل خبراتهم فيها ، و أنا في طريقي لاشتري ما طلبته مني أمي سمعت نباح كلب في رادهة تلك البناية ، إختلست النظر من خلف قطبان الباب الحديدي المفرغ فوجدته ضخماً جداً وضعت الورقة التي يوجد بها اللحمة على الأرض و رحت اتمعن النظر.
لم يكن كالكلاب المألوفة لدينا مقشعرة الشعر راثة لا تجد جسدها يرتفع عن الآرض أكثر من 15سم و لكن كان مبالغ في طوله فهو يعلو 70سم عن سطح الأرض له أنياب أسد جسور ، لو أنني لم أره في الأفلام الغربية لظننته شيطان رجيم .
إنطلق صوت كاد يثقب أذني من غلظته ، تري لمن هذا الصوت ...؟!، إنه لذلك الرجل ذو الملابس شديدة الأناقة المهندم الشعر يطلق نعراته في الهواء ....
" عبده ... إنتا يا زفت يا عبده " فهرع إليه عبده - بدى عليه علامات الزمن و صراعه معه فإنكمش ،يبدو جسده ضعيفاً هزيلاً جدا – قبل أن ينتهي الباشا من نطق حرف الهاء " أمرك يا جناب الباشا " قال له الباشا بعد أن أعطه حقيبته و أخذ يظهر في الأزرار اللامعة التي وضعها في أكمام قميصه الذي لم يقل ثمنا عنها " فطرت الكلب الصغير و لا لسه ؟ " فأجابه الخادم مرتبكاً و كأنه فعل كبيرة " هه ... حالا يا جناب الباشا حالا هيكون الفطار جاهز لجنابه " فإسود وجه الباشا فهو كظيم ، و إنفجرت كلماته
في وجه الرجل كادت تفقع أعينه و تثقب أذنه من شدتها " و هوه ايه اللي أخر الفطار لحد دلوقتي يا حيوان ، هوه ذيكم من البهايم اللي بينامو من غير عشا .. فوت بسرعة هات الفطار "
فدخل الخادم بسرعة و خرج مرة أخرى يحمل على راسه صحن كبير توجد بها قطعة كبيرة جدا من الطعام ، إنني أتذكر أني رأيتها من قبل و لكن أين... أين ... لا تسعفني ذاكرتي ،نعم عند متجر الجزارة الذي يوجد على أول الشارع لقد قالت لي أمي الا اشتري من عنده فهى غالية الزمن عنده و لذلك فقد طلبت منى أن أشترى من متجر اللحوم المجمدة و رغم أنها مستوردة و لا نعرف مصدرها و لكنها رخيصة تتناسب مع راتب والدى نعم إنها اللحمة التي نسمع عنها ، لم يشاء القدر أن يجمعنا سويا على مائده واحده بعد فكان أبي يقول دائما أن الأبقار قد أصابها مرض يطلقون عليه جنون البقر ، و لما كنت أقول له لاتوجد مشكله فلحم الجاموس أفضل كان يولي وجهه عني... المهم وضع الخادم هذه القطعة الضخمة التي تكفي لاطعامنا يوميا و لمدة ثلاثة أشهر على الأقل و راح يلتهمها الكلب و كأنه لن يرى طعام بعد ذلك ...
الحق أقول تمنيت لو أني مكانه ماذا سأفعل غير ذلك ، تخيلت نفسي مكانه و رحت أتمصمص بشفتي متمتعاً بهذه اللحظه التي لن تكرر ثانية ......
لقد نسيت أننى وضعت اللحمة على الأرض فإتخذتها قطط المنطقة وليمة و ضاع أملنا في أن نشم رائحتها هذا الشهر........
* * * * *
(( الربع كيلو لحمه )) تم تحريرها في السابع و العشرون من حزيران يونيه في العام التاسع بعد الألفية الثانية تم الطبع بمعرفة اتحاد كُتاب جامعة القاهرة في الثامن و العشرون من حزيران يونيه في العام التاسع بعد الألفية الثانية رقم الإيدع لدي اتحاد كُتاب جامعة القاهرة ( 12 / 2009 ) رقم الإيدع لدي دار الوثائق و الكُتب القومية ( 4081 / 2009 )