منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    Arrow الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر

    الشهيد القائد عماد عقل
    الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر !!
    غزة – تقرير خاص :نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    "أكبر مما يوصف و على قدر أكبر مما سمعتم عنه و كتبت الجرائد عنه ، و حتى الآن لم يعطَ حقه، أول ما جلست معه شعرت أنه قائد و أنه واحد من عصر الصحابة ، إنسان مؤمن ملتزم يتسم بالرجولة بأسمى معانيها ، و حتى الأن – و الله – و رغم أنني شاهدت كثيراً من المطاردين في الانتفاضة و أشاهدهم اليوم حيث نعيش مع شبابٍ من الكتائب حتى الآن لم أرَ مثل عماد ، فهو رجل لا يعوّض و هو رجل بكلّ معنى الكلمة شجاع مخلص يحمل كل المعاني . كنّا نشعر برهبة عندما نتحدّث معه ... فقد كان في البيت في لحظة من اللحظات مع عماد عشرة من المطاردين و عندما يغضب عماد لا يستطيع أحد منهم الكلام و ربما كان يوجد أناس أكبر منه من الحضور ، و كنا نحن أهل البيت عندما يغضب عماد نشعر بذلك و نتأثر" ...
    بهذه الكلمات وصفت أم نضال فرحات الشهيد القائد القسامي عماد حسين عقل ، فأن يترجل فارس من فلسطين في ساحة الشرف ليس بالحدث الجديد ، فلقد أصبح الاستشهاد على طريق الجهاد قدر الشعب الفلسطيني منذ أن اتخذ قراره بالدفاع عن دينه و وطنه و حرّيته و عندما يترجّل الفارس المقدام عماد عقل قلب الساحة التي لا تحتضن إلا الأبطال نكون قد ازددنا اقتراباً من النصر و العزة ، فالطريق لا يعبّد إلا بدماء الشهداء و لا يضاء إلا ببطولتهم التي لا يضيرها خيانة خائن أو غدر منافق أو خذلان جبان ... و الله إنه ليصعب على القلم و يشقّ على بنانه أن يكتب بمداده عن مجاهدٍ سقط على طريق الحق و الإيمان شهيداً ..
    فكيف بالحديث عن فارس مثل (عماد عقل) رمزاً و قائداً و مجاهداً ؟؟!! لن يستطيع المداد أن يعطيَه حقّه من التكريم و هو الفارس - كإخوانه أبطال القسام - يرفض الحديث و يتجنّب الإعلام و الدعاية واضعاً نصب عينيه (قتل الجنود الصهاينة عبادة نتقرب بها إلى الله) .

    ميلاد الفارس :
    في التاسع عشر من يونيو من عام ألف و تسعمائة و واحد و سبعين يطلّ (عماد حسن إبراهيم عقل) إلى الدنيا في مخيّم جباليا ، و كان الوالد الذي يعمل مؤذّناً لمسجد الشهداء في مخيم جباليا قد اختار لابنه الذي جاء ثالثاً بين الذكور هذا الاسم (عماد) تيمناً بالقائد المسلم (عماد الدين زنكي) الذي قارع الصليبيين ، في الوقت الذي كانت كل القيادات متخاذلة .
    نشأ (عماد) و تربّى على طاعة الله في هذا البيت المتديّن الفخور بعقيدته ، و بدا واضحاً منذ نعومة أظافره تمتعه بالذكاء و العبقرية ، و لهذا صمّم والده على أن يواصل مسيرته التعليمية حيث تفوّقه بحصوله على مرتبة متقدّمة بين الأوائل ، و كما كان متوقّعاً أحرز (الشهيد عماد عقل) الترتيب الأول على مستوى المدرسة و بيت حانون و المخيم في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) ، بعد ذلك تقدّم بأوراقه و شهاداته إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة ، إلا أنه ما إن أتم إجــــراءات التسجيل و دفع الرسوم المقرّرة حتى وجد جنود الاحتلال يعتقلونه في 23/9/1988م و يقدّمونه إلى المحكمة بتهمة الانتماء لحركة (حماس) و المشاركة في فعاليات الانتفاضة المباركة .

    النشأة :
    عمّر الإيمان قلب (الشهيد عماد عقل) حيث تربّى في أحضان عائلته المتديّنة و المساجد القريبة من مكان سكناه التي اعتاد ارتيادها منذ أن بلغ الثانية عشرة ، وجد في مسجد النور القريب من مدرسة الفالوجة ضالّته ، نما و ترعرع في رحاب المسجد و رضع لبن العزة و الكرامة من خلال الدروس العلميّة و التنظيمية و التعبوية حتى نضجت في مشاعره جذوة الجهاد و الاستشهاد و استوت على سوقها مع بدء الانتفاضة ، و لقد تميّز الشهيد - رحمه الله - بعمله الدءوب لما تتطلبه هذه المرحلة من ضرورة الوجود الإسلامي المكثف في مخيم جباليا الذي كان يسمّى فيما سبق مخيم الثورة لما للتنظيمات الأخرى من قوة و حضورٍ فيه ، فشارك إخوانه في استنهاض همّة الشباب و تجميع الصالحين منهم .

    حب الجهاد :
    واكبت حركة (عماد) و نشاطه و قوة حبه للجهاد و قتال اليهود اشتعال الانتفاضة الفلسطينية المباركة و تصاعد وتيرتها و امتدادها على طول رقعة الوطن المحتل ، و ما إن أطلقت حركة حماس في قطاع غزة لشبابها و أنصارها العنان لقيادة المظاهرات و توجيه الجماهير منذ الثامن من كانون أول (ديسمبر) من عام 1987 حتى تقدّم الشهيد الصفوف مشكّلاً المجموعات من الشباب المسلم في المخيّم لملاحقة جنود الاحتلال و قطعان المستوطنين الذين كانوا يعيثون فساداً و تخريباً.
    كما شارك الشهيد - رحمه الله - في كتابة الشعارات الجدارية ضد العدو الصهيوني ، و عرف عنه ولعه الشديد بالمظاهرات و المسيرات الاحتجاجية ، فشارك في الكثير من فعاليات الانتفاضة ضمن مجموعات السواعد الرامية التي تكوّنت في المخيم بعد انبثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية و قطاع غزة .

    تجربة الاعتقال :
    و باعتقال مجموعة كبيرة من كوادر و شباب حماس في ما يسمّى ضربة آب (أغسطس) 1988 ، تعرّض (عماد) و شقيقه (عادل) للاعتقال في الثالث و العشرين من أيلول (سبتمبر) من ذلك العام حيث أودع السجن ثمانية عشر شهراً إثر صدور الحكم عليه من محكمة عسكرية ظالمة بتهمة الانتماء لحركة حماس ، و المشاركة في فعالياتها و تكوين مجموعات مجاهدة و إلقاء زجاجات حارقة ، و ما إن خرج الشهيد - رحمه الله - من المعتقل في آذار (مارس) 1990 حتى عاد إليه مرة أخرى إذ وجّهت إليه سلطات الاحتلال تهمة تجنيد أحد الشباب المجاهدين في تنظيم حماس ، فقضى الشهيد في المعتقل هذه المرة شهراً آخر بعد أن تيقّنت أجهزة المخابرات الصهيونية أنه اعترف في المرة السابقة بالتهمة التي وجّهت إليه ، و قد تعرّف خلال هذا الاعتقال على العديد من المجاهدين و الشهداء أبرزهم الشهيد المجاهد (إسماعيل أبو القمصان) .

    الإفراج و البداية :
    و خرج من السجن بعزمٍ و تصميمٍ لا يلين على مواصلة طريق الجهاد و نيل الشهادة في سبيل الله ، حيث كان دائم الحديث عن جهاد الرسول - صلى الله عليه و سلم – و عن الشهادة و الشهداء و بطولات خالد بن الوليد و أبي عبيدة بن الجراح و صلاح الدين و سيف الدين قطز ، و غيرهم من قادة الفتح الإسلامي ، و لذلك لم يرق لشهيدنا البطل أن يظلّ مقتصراً في جهاده على الحجر و المقلاع ، بل راح يبحث عن درجة أعلى من ذلك ، و عمّا يزيد من إلحاق الخسائر في صفوف جنود الاحتلال و المستوطنين و العملاء و تجّار المخدّرات ، فبدأ اتصالاته و تحرّكاته فور خروجه من المعتقـــل للالتحاق بالجهاز العسكري لحركة حماس المعروف باسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) الذي يلبّي رغباته و طموحاته العسكرية، فكان له ما أراد إذ أفرز في مجموعة (الشهداء) و التي تكوّنت من (الشهيد غسان أبو ندى ، و المعتقلين محمد حرز ، محمد عياش ، محمد أبو عطايا ، مجدي حماد ، و المطاردين بشير حماد ، طلال نصار ، نهرو مسعود) إضافة لشهيدنا عماد ، و هي من المجموعات الأساسية الأولى التي بدأت العمل في المنطقة الشمالية من القطاع بملاحقة العملاء الخطرين و تصفية بعضهم ، ثم اندمج تلقائياً في كتائب القسام و بدأ بممارسة مهامه الجهادية على أفضل ما يكون .
    وعلى الرغم من وجود من هو أكبر منه سناً و أقدم منه في المرتبة التنظيمية ، إلا أن ما يتمتّع به الشهيد (عماد عقل) من ذكاء و فطنة و خفّة حركة إلى جانب حذره و استعداده الدائم جعلت قيادة الكتائب و مجاهدي المجموعة يختارونه ضابط اتصال لهم ينقل التعليمات و الأوامر و الخطط و كلّ ما يتعلّق بشأن المجموعة من و إلى القيادة .
    راحوا يصوّبون سكاكينهم و خناجرهم إلى صدور المجرمين الساقطين في شباك العمالة و الخيانة بتخطيط متقنٍ و عمليات نوعية جريئة أثارت جنون اليهود و رفعت لواء عز الدين القسام في عزة و إباء ، فقد كانت المجموعة تخطف العميل و تحقّق معه مستفيدة مما لديه من معلومات و مسجّلة اعترافاته على أشرطة تسجيل كوثائق للإدانة و أدلة لا يمكن إنكارها، ثم تنفّذ فيه حكم الله إذا رفض التوبة ، و كان لهذه العمليات الناجحة وقع بالغ عند الجماهير لما لها من أثر واضح في تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي سمّمتها المخابرات الصهيونية ، و ظلّ الناس يتابعون في شغف عمليات الكتائب التطهيرية في غزة و جباليا و الشيخ رضوان و مخيّم الشاطىء ، و كم كان استغرابهم عندما يسارعون إلى مكان الاختطاف أو إعدام العميل إن كان من الخطرين أو المعروفين بشكلٍ جليٍّ لا لبس فيه ، فلا يجدون المجاهدين و كأنهم تبخّروا في الجو .

    و بدأت رحلة المطاردة :
    في ليلة معتمة كان المجاهدان مجدي حماد و محسن العايدي على موعد مع القدر ، فقد وقع المجاهدان في الأسر أثناء محاولتهما عبور خط الحدود الدولية بين فلسطين المحتلة و مصر بالقرب من مدينة رفح في السادس و العشرين من كانون أول (ديسمبر) 1991 ، ليرسلا فوراً إلى قلعة الأبطال (سجن سرايا غزة) حيث يمارس التعذيب البشع و الحرب النفسية و الإرهابية ضد المجاهدين البطلين حتى تبدأ الصفحة المختفية في الظهور و تبرز الكلمات و الخطوط و الأسماء أمام عيون الجلادين الصهاينة ، فاضطر المجاهد مجدي تحت هذا التعذيب إلى الكشف عن أسماء أعضاء مجموعة (الشهداء) التي كان عضواً فيها ، منذ ذلك التاريخ أصبح شهيدنا البطل مطلوباً لقوات الاحتلال و أجهزة مخابراتها و وحداتها الخاصة و المستعربة ..
    لكن شهيدنا الذي هزم الخوف منذ أن بايع على الشهادة راح يواجه واقعه الجديد بشجاعةٍ و إقدام ، و إذا كان مجدي - فكّالله أسره - قد اضطر إلى الاعتراف بأن (عماد عقل) هو ضابط اتصال المجموعة ، فإن الشهيد القائد لم يرتعب و لم يضعف ، بل زاده هذا الأمر شجاعة و فرض عليه في نفس الوقت أن يظلّ على أهبة الاستعداد يحمِل روحه على كفّه و بندقيته على كتفه ، فقد عزم على الجهاد حتى الشهادة و رفض أن ينسحِب من الميدان و يخرج خارج الوطن و بقي وفياً لقسمه ، إذ نقِل عنه - رحمه الله - عند بداية مطاردته قوله : "من الآن فصاعداً فأنا مطارد للاحتلال و عليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله" .

    حياة المطاردة :
    عاش شهيدنا البطل مع إخوانه الخمسة المطاردين (محمد أبو عطايا ، محمد عياش ، محمد حرز ، طلال نصار ، بشير حماد) حياة الأخوة بمعناها الحقيقي ، و ممّا يسجل للشهيد ما يرويه أحد الإخوة المجاهدين الذين عرفوه ، إذ يقول هذا الأخ: "في أحد مكامنه كنت و أحد الإخوة معه فقمنا نصلّي ، ففضّل البقاء في حراستنا ثم صلّى بعد ذلك حتى لا نؤخذ على حين غرة ، كان خلال ذلك يحرث الغرفة جيئة و ذهاباً و كأنه يفكّر في أمر يشغله ، وضع بعدها لنا الطعام فما يتناول سوى لقيمات قائلاً (لا أريد الإكثار حتى لا أتثاقل إلى الأرض فيشغلني ذلك عن مقارعة أعداء الله)" .
    ضاقت مدينة غزة بمطاردي مجموعة الشهداء ، فقد انضم عشرة أخوة مجاهدين من (كتائب الشهيد عز الدين القسام) إلى قائمة المطاردين الجدد ، و الخوف من أعمال التمشيط العسكري للبيّارات و الملاجىء و المنازل أصبح هاجساً يتملّك المطاردين في هذه البقعة الصغيرة ، إلى جانب شحّ السلاح في ذلك الوقت .

    الإنتقال للضفة :
    و أمام هذا الوضـع الجديد ، و حفاظاً على الإخوة المطاردين و توفيراً للجهد المضني في توفير الملجأ ، و تسهيل الحركة لهذه الأعداد تم التخطيط لخروج مطاردي (مجموعة الشهداء) من قطاع غزة و الانتقال إلى الضفـة الغربية حيث تم تشكيل الجهاز العسكري لحركة حماس هناك و حمل أيضاً اسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) أسوة بما هو معمول به في قطاع غزة .
    و كذلك جاء اختيار مجموعة الشهداء الانتقال إلى الضفة الغربية اختياراً موفقاً ، فقد خفّف الانتقال العبء عن قطاع غزة من جانب و أعطى دفعة قوة للضفة الغربية بتكوين الخلايا المسلحة التابعة لكتائب القسام من جهة أخرى .
    و قبل الانتقال مع مجموعة الشهداء إلى الضفة الغربية ، لا بدّ من الوقوف مع الحدث البارز في سجل عماد عقل في تلك الفترة ، ألا و هو أول عملية عسكرية له ضد جنود الاحتلال ، ففي الرابع من آيار (مايو) 1992م أطلق عماد عقل رصاصه القسامي مستخدماً بندقية كارلو غوستاف ضد قائد الشرطة في قطاع غزة الجنرال (يوسي آفني) بعد أن أوقعته المجموعة في كمين نصبته له عند مفترق الشيخ (عجلين) ، غير أن العملية لم تسفر إلا عن إصابة سيارة (الشاباك) المرافقة له .
    انتقل الشهيد (عماد عقل) عن طريق حاجز إيرز و هو المعبر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية في الثاني و العشرين من آيار (مايو) 1992 ، و استقر في مدينة القدس ، و ما هي إلا أيام قليلة حتى تبع الشهيد إلى القدس و بنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة حيث تم استئجار شقتين آخريين في رام الله .
    و بعد أن اكتمل عقد المجموعة تم ترتيب اتصال مجموعة الشهداء بمسؤول (كتائب عز الدين القسام) في الضفة الغربية حيث طلبت المجموعة تزويدها بالسلاح الحديث .

    ضربة صعبة :
    و في هذه الأثناء بدأت المجموعة التخطيط لتنفيذ عملية في قلب مدينة القدس تكون بمثابة الثأر للمجزرة الوحشية التي ارتكبتها قوات حرس الحدود الصهيوني في ساحة المسجد الأقصى قبل أكثر من عامٍ و نصف ، و لكن لا رادّ لقضاء الله و قدره ، فقد تعرّضت المجموعة لأكبر هزة تصيبها بعد انتقالها للضفة الغربية ، إذ اعتقل المجاهدون (محمد أبو العطايا ، و محمد أبو عايش و محمد حرز) في مساء يوم الأربعاء 29 يوليو (تموز) 1992 في إحدى الشقق التي استأجرتها المجموعة في رام الله بعد عمليات رصد مكثّفة من قبل أجهزة المخابرات الصهيونية التي فقدت أثر هؤلاء المجاهدين في قطاع غزة ، فكان لون بشرة (أبو عايش) و اعتراف بعض الشباب في القطاع عن وجودهم في الضفة الغربية طرفي الخيط في تكثيف عمليات المتابعة لهم في الضفة الغربية .
    الضربة القاسية التي تلقّتها (كتائب الشهيد عز الدين القسام) باعتقال ثلاثة من خيرة مجاهديها شكلت بداية النهاية لعمل مجموعة الشهداء أو من تبقّى من المجموعة كوحدة واحدة ، فبعد أن تمّت مراسلة القيادة في قطاع غزة و قدوم من أعاد ربطهم بكتائب عزّ الدين القسام في الضفة العربية إثر انقطاع الاتصال في أعقـاب مداهمة العدو للشقة في رام الله ، انتقل (عماد عقل) و أخواه (طلال نصار و بشير حماد) إلى مدينة خليل الرحمن حيث تم تزويدهم بالأسلحة الرشاشة و المسدسات استعداداً لبدء مرحلة جديدة من جهاد المجموعة .
    شهدت مدينة خليل الرحمن نهاية عهد مجموعة الشهداء كوحدة عمل واحدة ، إذ طلب من (عماد عقل) البقاء في المدينة وتولي مسؤولية القائد العسكري للعمليات في منطقة الخليل في حين نُقل الأخوان الآخران إلى مدينة نابلس لترتيب أوضاع المطاردين هناك ، فضمّ الشهيد القائد عماد عقل بندقيته إليه و قبض عليها بكلتا يديه ليكتب قصة المجد و الجهاد عبر خطوات القسام الأولى في مدينة الخليل .

    في خليل الرحمن :
    شكّل موضوع تزايد أعداد المعتقلين من كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى جانب الأعداد الكبيرة من معتقلي حركة المقاومة الإسلامية حماس و أجهزتها الأمنية و العسكرية و على رأسهم شيخ الإنتفاضة المجاهد (أحمد ياسين) ، و ما يعانونه من تعذيبٍ و ظروف صحية و اجتماعية و نفسية صعبة داخل المعتقلات و السجون الصهيونية هاجساً سيطر على تفكير الشهيد منذ أن تولّى مسئولية العمليات في منطقة الخليل ، و لهذا الغرض شرع القائد (عماد عقل) بالتخطيط لأسر جنديّ من جيش الاحتلال الصهيوني أو أكثر و استخدام هؤلاء الأسرى كرهائن من أجل مبادلتهم بأبطال حماس و كتائب عز الدين القسام المعتقلين ، فطلب من مساعديه في وقت لاحق إيجاد مغارة كبيرة مناسبة في التلال المجاورة لمدينة الخليل تصلح أن تكون مكاناً آمناً حتى يمكن إخفاء الجنود الأسرى فيها .
    و عندما تم ترتيب أمر المغارة ، تم تدريب الشباب الذين تم فرزهم من بين صفوف نشطاء الحركة على السلاح و تنظيمهم في إطار كتائب الشهيد عز الدين القسام باسم (مجموعة شهداء الأقصى) ، و بهذه المجموعة المجاهدة ، مضى الشهيد القائد في ثباتٍ و تفاعلٍ رغم كثرة التبعات و جسامة التحديّات و لسان حاله يصرخ (لن أترك أحفاد القردة و الخنازير آمنين يعبثون و يفسدون) ، و إذا كان (عماد) قد تولّى مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل و ما يتبع هذه المسؤولية من إشرافٍ على تجنيد المجاهدين و تدريبهم على استخدام الوسائل القتالية و إعدادهم للقيام بعمليات ضد قوات الاحتلال ، إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركته في العمليات العسكرية الجريئة التي نفّذتها مجموعة شهداء الأقصى تخطيطاً و تنفيذاً .
    ففي الحادي و العشرين من تشرين أول (أكتوبر) 1992 هاجمت مجموعة الشهيد القائد بالأسلحة الأوتوماتيكية سيارة (رينو 5) عسكرية كانت تسير على طريق الظاهرية باتجاه مدينة الخليل حيث قامت السيارة التي أقلّت (عماد) و إخوانه بتتبع السيّارة العسكرية و من ثم إطلاق النار من البنادق الرشاشة على السيارة بعد الاقتراب منها ممّا أدّى إلى إصابة جميع ركابها بإصابات مختلفة ، و بعد أربعة أيام من هذه العملية البطولية نفّذ الشهيد القائد - رحمه الله - بالاشتراك مع اثنين من إخوانه عمليته العسكرية الثانية في منطقة الخليل و التي وصفها أحد ضباط القيادة في جيش الاحتلال بأنها من أجرأ العمليات التي استهدفت المواقع العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية ، إذ اقترب (عماد عقل و هارون ناصر الدين) من معسكر جيش الاحتلال القريب من (الحرم الإبراهيمي الشريف) ، و على بُعد ثلاثين متراً من الجنديين الذين كانا يتوليان الحراسـة بدأ البطلان بإطلاق النار من أسلحتهما الرشاشة دون أن يتمكّن جنود الاحتلال من الردّ عليهما أو تعقبهما عند انسحابهما في السيارة التي كانت تنتظرهما ، و قد اعترف الناطق العسكري الصهيوني في وقت لاحق بمقتل ضابط صف لم تنقذه واقية الرصاص التي كان يرتديها في حين أصيب الجندي الثاني بجروح خطيرة .
    في ضوء هذا النشاط الملحوظ الذي طرأ في الضفة الغربية و منطقة الخليل بالذات في أعقاب سلسلة العمليات العسكرية الناجحة (لكتائب الشهيد عز الدين القسام) ، نشطت فرق جهاز المخابرات الصهيونية (الشاباك) و عملاؤه في تحرّكاتهم السرية في محاولة لكشف سرّ المجموعة التي نفّذت هذه العمليات التي وجهت بشكلٍ خاصٍ ضد جنود و دوريات الجيش و جعلت قيادة الاحتلال تعيد النظر في تقليص حجم القوات الصهيونية المنتشرة هناك ، و لكن هذه المحاولات باءت بالفشل ، و ذهبت جهود ضباط الشاباك الذين نشروا عملاءَهم بين الجماهير لعلّها تأتي بخيط يقود إلى مجموعة (شهداء الأقصى) سدى ، و استمر الشهيد القائد - رحمه الله - ماضياً في جهاده المبارك ينظّم و يدرّب و يخطّط في همّة و حيوية و تفاعل ممتشقاً سلاحه و منتعلاً حذاءه الرياضي باستمرار و متابعاً لتحرّكات العدو و دورياته أولاً بأول ، و فيما هو كذلك جاء قضاء الله و قدره بأن يبدأ العد التنازلي لإقامة الشهيد القائد في مدنية (خليل الرحمن) التي أحبّه أهلها و شبابها ممن عرفوه و التقوا به أو سمعوا أحاديثه عن الجهاد و هو يضرِب كفاً بكف مكزّاً على أسنانه تعبيراً عن الغيظ و الحقد الذي يكنّه لليهود المحتلين مع حملة الاعتقالات الكبيرة التي استهدفت بشكلٍ أساسي القبض على النواة الصلبة لحركة حماس في المدينة بشكلٍ عام ، و اشتد الخناق أكثر على مجموعة (شهداء الأقصى) إثر توصّل المحقّقين الصهاينة إلى أحد مجاهدي كتائب القسام ، فانكشف سر المجموعة و اعتقل عدد من مجاهديها في حين تمكّن عدد آخر من الاختباء عن أعين ضباط الشاباك و الالتحاق بركب المطاردين .
    أسفرت التحقيقات التي أجراها جهاز الشاباك بالتعاون مع جيش الاحتلال عن الكشف عن علاقة القائد عماد عقل بمجموعات الخليل و دوره ضمن البناء الهيكلي و التنظيمي للجهاز العسكري في حركة حماس بالضفة الغربية مما جعل إقامته صعبة للغاية .

    و عاد الأسد إلى عرينه :
    غادر شهيدنا البطل مدينة خليل الرحمن في الثالث و العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1992م ، متجهاً إلى قطاع العز و الكرامة حيث استطاع اجتياز كافة الحواجز العسكرية و نقاط التفتيش التي أقامها جيش الاحتلال و دخل عبر بوابة حاجز إيرز الذي يربط القطاع بالمناطق المحتلة عام 1948 متخفّياً في زي مستوطن يهودي ، و هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على جرأةٍ و شجاعةٍ منقطعة النظير ناهيك عن مقدرة فائقة على التأقلم و سرعة البديهة .
    لم يكن الوضع في قطاع غزة بأخفّ وطأة على الشهيد القائد و إخوانه المطاردين ، فقد اشتدت الإجراءات الصهيونية و ازدادت قساوة في مختلف مدن و قرى و مخيمات القطاع مع التصعيد الجهادي المتميز لكتائب الشهيد عز الدين القسام .

    رابين يساوم ... !!!
    بعد أن فشلت أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلى جنرال حماس و تصفيته لجأت إلى أسلوبٍ آخر و هو المساومة حيث إن رئيس الوزراء الصهيوني رابين اتصل بأهله و عرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلامٍ على أن يعود بعد ثلاثة سنوات دون أن يقدّم إلى المحاكمة ، فردّ بطل الإسلام عماد بقولته "إن رابين لا يستطيع أن يمنع شاباً قرّر أن يموت" ، و هكذا أخذ عماد بندقيته و انتظر في ليلة الخامس و العشرين من شهر نوفمبر عام 92 على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة ليردي برصاصه جندياً صهيونياً ، و بعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير .. و في نفس المفرق و بعد حوالي شهر استطاع أن يصيب اثنين من الجنود الصهاينة ، و في شهر مارس كانت رصاصاته تخترق أجساد ثلاثة من جنود الاحتلال في جباليا و غرب الشيخ رضوان عند منطقة السودانية كان عماد هناك و ذلك في 20/3/1993م ليصرع ثلاثة من جنود الاحتلال ... ثم قفز إلى حيّ الزيتون ليقتل ثلاثة آخرين ، ثم كان في الخليل ليصرع جندياً و يجرح آخر .. و هكذا نفّذ عماد خلال سنتين من المطاردة أكثر من 40 عملية منها إطلاق نار على الجنود و المستوطنين و خطف العملاء و التحقيق معهم و قتل العديد منهم .

    طلب الخروج :
    و مع ازدياد الضغط الذي يشكّله وجود عشرات المطاردين دون أن يكون في مقدور مسئوليهم توفير الملجأ الآمن في أعقاب سياسة تدمير المنازل ، حينها قرّرت (قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام) الطلب إلى عددٍ كبير من هؤلاء المطاردين الاستعداد لمغادرة القطاع و عبور الحدود باتجاه مصر حيث بدأ المجاهدون المطاردون بالخروج على شكلِ مجموعات صغيرة ، و عندما جاء الدور على الشهيد (عماد عقل) اعتذر عن الخروج بإصرار ، فقد كان - رحمه الله - عازماً على الجهاد حتى الشهادة ، فرفض أن ينسحب من الميدان أو أن يخرج مغادراً الوطن الذي يحبّه دون أن يقاتل حتى الرمق الأخير .
    و بقي وفياً لقسمه ، قسم المؤمنين بالجهاد حلاً وحيداً لتحرير كل فلسطين حتى أكرمه الله بالشهادة ، و ممّا قاله لمسؤوليه الذين عرضوا عليه الخروج تلك العبارة الخالدة : "سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة و أدخل الجنة ، هذا جهاد نصر أو استشهاد" ، هكذا ردّد الشهيد الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي عبّر عن البعد الإسلامي لقضية فلسطين بعد قدومه إلى فلسطين من سوريا في آواخر العشرينيات من هذا قرن القرن الماضي .
    و بهذا الشعار عمل مجاهدنا البطل الذي كان يفتخر بعضويته في كتائب الشهيد عز الدين القسام ، فمضى يسطر بدمه و دماء إخوانه الطاهرة و تضحياتهم الجسيمة أبهى و أنصع الصفحات حتى أفقد العدو صوابه ، و ارتدت رصاصات الغدر الصهيونية إلى نحور و أكباد أحفاد القردة و الخنازير خلال عشرات الكمائن ، و عمليات إطلاق النار على جنود الاحتلال و دوريات جيشه و حرس حدوده التي نفّذها و قادها شهيدنا البطل في المنطقة الشمالية من قطاع غزة و التي تشمل مدينة غزة و أحياءها و بيت لاهيا و مخيّمنا جباليا و الشاطىء ، كان من أبرزها عملية الشيخ عجلين التي استهدفت جنود الحراسة في معسكرٍ لجيش الاحتلال بعد يومين من قدومه من الخليل و عملية مفرق الشجاعية في السابع من كانون أول (ديسمبر) عام 1992 و عمليتي مقبرة جباليا في الحادي و العشرين من آذار (مارس) 1993م ، و الكمين الجريء في حيّ الزيتون في الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) و الذي قتِل فيه ثلاثة من جنود حرس الحدود ، و تم الاستيلاء على قطعتين (أم - 16) و عتادٍ و وثائق من السيارة العسكرية فيما بعد .

    بعض من عمليات الأسطورة :


    التاريخ
    الموقع
    خسائر العدو البشرية (حسب مصادر العدو)
    5/4/1992
    الشيخ عجلين - غزة
    تحطيم سيارة مخابرات و إصابة ركابها
    21/10/1992
    منطقة الحاووز - الخليل
    أربعة جرحى بينهم ضابطة
    25/10/1992
    موقـع عسكري - الخليل
    مقتل جندي و جرح آخر
    25/11/1992
    الشيخ رضوان - غزة
    مقتل جندي
    07/12/1992
    طريق الشجاعية - بيت لاهيا
    ثلاثة قتلى بينهم ضابط
    12/02/1993
    مفترق الشجاعية - غزة
    جريحان
    12/03/1993
    الطريق الشرقي - غزة
    أربعة جرحى
    20/03/1993
    مقبرة الشهداء - جباليا
    ثلاثة قتلى و أربعة جرحى
    28/05/1993
    غرب الشيخ رضوان - غزة
    سبع إصابات
    30/05/1993
    حي قرقش - غـزة
    غير محـدد
    12/09/1993
    حي الزيتون - غزة
    ثلاثة قتلى
    19/10/1993
    بيت لاهيا
    جريحان

    مضى على مطاردة القوات الصهيونية للقائد (عماد عقل) أكثر من سنتين ، ظلّ خلالهما شهيدنا - رحمه الله - يجــوب الضفة الغربية و قطاع غزة بحثاً عن (الذئاب) الصهيونية من جيش و شرطة و حرس حدود .
    و مع نجاح البطل و مجموعاته في اصطياد عددٍ كبيرٍ من هؤلاء دخلت عمليات صيد (الحرباء) أو (الشبح) أو (العقرب) ، و هي التسميات التي أطلقتها سلطات الاحتلال العسكريـة على شهيدنا الغالي ، طوراً جديداً حيث تمّ توسيع دائرة عمل الوحدات الخاصة المستعربـــة التي قتلت منذ تشكيلها أكثر من مائة مطارد من مختلف الفصائل و التنظيمات الفلسطينية بتشكيل قوة خاصة لمطاردة عماد بالذات ، و وضع ضابط الشاباك المدعو (أبو ياسين) لمتابعة المطارد (رقم واحد) بحيث لم يدع له مجالاً حتى للاقتراب من منزل والديه في (مخيم جباليا) ، و لكن هذه الإجراءات لم تنل من القائد (عماد عقل) الذي تهيج مشاعره سخطاً على هذا العدو اليهودي ، و تشتدّ لهفته لمقاتلة أعداء الله دون أن يعرف المهادنة أو الرضوخ ، فتمضي أيام (أسطورة غزة) الخالدة بين قراءة القرآن و قيام الليل و الدعاء المتواصل لله ثم التفكير في أحوال المسلمين و ما يعانونه من ظلم ، متزيناً بصور و مآثر أبطال الإسلام و بنادق الحقّ التي تزغرد برصاص القساميين البواسل .
    و مثلما جسّد الشهيد القائد ببطولاته و عملياته الهجومية الجريئة رغم حملات المطاردة المكثّفة أسطورة الأجيال القادمة في المقاومة و الدفاع عن الحقوق المشروعة و الاستهانة ببطش العدو ، غدا (عماد عقل) أيضاً أسطورة الأجيال القادمة في تحدّي الأخطار المحدقة بشجاعة و بطولة و استعداداً للشهادة مقبلاً غير مدبرٍ حتى اعترف جيش الاحتلال الذي هاجمه بأنه كان المهاجم لا المتصدّي ، و لم يكن ذلك بالأمر الغريب على أسطورة غزة ، فقد صدق الله و طلب الشهادة بصدق فصدقه الله و نالها في نهاية الأمر ، و لعلّ تيقن شهيدنا البطل بالانتصار و الفوز بالشهادة و التي بدأت في نفس اليوم الذي حمل فيه السلاح ، هذا الدافع الأكيد للجرأة المنقطعة النظيرة .

    عرس الشهادة :
    و سنترك المجال هنا لأصحاب المنزل الذي استشهد فيه القائد عماد ليحدّثونا .. الوالدة المجاهدة "أم نضال فرحات" عن تفاصيل ذلك اليوم المشهود قالت : "كان اليوم الأربعاء 24/11/1993 و الوقت قبل المغرب بساعة و جاء عماد و أدخله ابني نضال من المدخل الثاني ، نظرت إليه أنا و زوجة ابني و كان في غاية السعادة و عندها قالت زوجة ابني ، و لا أدري كيف قالتها(و الله يا مرة عمّي عماد زي العريس فلم أشاهده من قبل بهذا الجمال) .. و دخلنا أنا و هي المطبخ ثم ذهبت إليه و سلّمت عليه و سألته عن حاله و لماذا أطال مدة الغياب .. كان عندها جالساً و قد أسند ظهره إلى الحائط و حتى يومنا هذا لم و لن أنسى صورة وجهه ، لقد كان بالفعل في أجمل ما شاهدته ، لم أرَ عماداً في حياتي بهذا الجمال" .. و تقول : "صورته لا زالت أمام عيني كان حلو .. حلو .. حلو جداً رغم أنه كان صائماً له أربعة عشر يوماً ، و كنت أعتقد أنني سأجده و قد اصفر وجهه ، و لكن شاهدت في تلك اللحظات في وجهه نوراً لم أشاهده من قبل .. و سألته (يا عماد صائم أم مفطر) ، قال (و الله صائم) .. خرجت و أخذت أجهز الإفطار قبل أن يستدركنا الوقت و قلت لزوجة ابني (و الله صحيح لم أرَ عماداً أجمل مما هو عليه اليوم) .. و جهّزنا الطعام و اكتفيت بما هو موجود في البيت و أخذ وسام الطعام و دخل به عند عماد و مع آذان المغرب أفطر عماد ولم يكمل طعامه بعد .. كنت قد دخلت عليه و قلت أريد أن أعمل الشاي ، عندها قال لي وسام ربما لا يستطيع عماد شرب الشاي ، فالسائق سيحضر سريعاً و لكني أصررت أن أصنع الشاي و ليشرب ما يستطيع ، فقد كان يحبّ الشاي بعد الأكل ، و صنعت الشاي على وجه السرعة و شرب عماد نصف الكأس" … و تتنهّدت أم نضال بشكلٍ هز مشاعري و قالت: "حسبي الله و نعم الوكيل" ، تقولها أم نضال و هي تتنهّد ، "في هذا الوقت كان العميل ينتظر عماد فوق سطح المنزل" ، استوقفتها سائلاً : "أتقصدين وليد حمدية ؟" ، فأجابت : " نعم ، يومها لم نكن نعرف أنه عميل مع الأسف ، و كان يبدي إخلاصاً كبيراً لحماس و نحن لا ندري أنه عميل و كان يريد عماد، و قال (أريد عماد بكلمة سريعة) و بعد أن تناول عماد الطعام أنزلنا العميل في مكان عماد السرّي و ما إن نظرت إلى الشارع و حول المنزل حتى انقلبت الدنيا و لم تقعد و صوت حركة كبيرة جداً و عندها خرج ولدي حسام لينظر الأمر ، كانت سيارة فولوكس واجن دبل كبينة على الباب ، وقف حسام ليسلّم على السائق و ما إن مدّ يده و إذ بهم قوات صهيونية خاصة و السيارة بها عشرات الجنود المدجّجين بالسلاح و قاموا بتكبيل حسام و وضعه بالسيارة ، و ما هي إلا لحظات حتى حوصرت المنطقة بأكملها بمئات من الجنود و الصحافيين الصهاينة و سيارات الإسعاف ، و أخذنا نجري في البيت من غرفة إلى أخرى لا ندري ماذا نعمل .. و علقت كل الكلمات في الحلوق و أخذت أنظر من الشبابيك حول المنزل ، الجنود في كل مكان و هم على أهبة الاستعداد لإطلاق النار ، عندها كان نضال يجلس على درجات المنزل الداخلي ، ينظر أن ينتهي وليد من السرّ الذي يريد أن يبلغه لعماد" ، و تقول : "لقد خدعنا جميعا .. صرخت عندها و قلت (الجيش على الباب يا عماد" عندها خرج عماد و ابني مؤمن من الباب الخلفي شاهدهم الجنود فدخلوا إلى المنزل ، نظرنا هنا و نظرنا هناك و إذا بالبيت كلّه محاصر ، لم يكن الجيش لوحده بل كان هناك عدد من العملاء أيضاً .. لم أستطع الصلاة أو الدعاء فالأمر كان جللاً و الخوف على عماد سيطر على كل أركاني و كنت أتمنّى أن تتشقّق الأرض و تبلعنا و لم نستطع عمل شيء ، عندها قال له نضال (و الله يا عماد ما لك إلا الشهادة)" .
    "آه" ... تقول أم نضال و كأن أحداً طعنها بسكين .. "من دون الأيام لم يكن عماد يحمل معه سوى مسدسه الشخصي ، عندها احتضنه نضال و قال له (وصيّتي لك أن تدعو الشباب لتكملة المشوار و ها أنا ذاهب للشهادة) .. و بالفعل صلّى عماد ركعتين في صالة المنزل و صعد إلى سطح المنزل .. صعدنا معه جميعاً و لم نكن عندها نفكّر في شيء و كبّرنا و دعونا الله سبحانه و تعالى .. لقد كان سطح المنزل كالنهار من كثرة الأضواء الكاشفة التي سلطت عليه و عندها تقدّمت نحو سور المنزل و شاهدت عدداً من العملاء ، و التفتّ نحو عماد و إذ به يودّع أبنائي ثم تقدّم عدة خطوات و أطلق النار على العملاء و قال "الله أكبر" و دعا دعاءً و أفرغ سلاحه من طلقاته باتجاه الجنود و ألقى بنفسه عن السوار عندها فتحوا نيران أسلحتهم بكثافة عليه و كنّا نظن أنه استشهد لكنه كان لا زال حياً و لفّ حول البيت و تحت الزيتونة سقط بعد أن أطلق الجنود من الجهة المقابلة النار عليه حتى مزّقوا جسده ، حتى أن رأسه تهشّم من كثرة الطلقات و وجدنا مخّه قد تساقط من الرأس .. كان هذا المشهد كله و العميل بيننا و مع أولادي و كان يهدّئ من روعهم (لن يفعلوا لكم شيئلً و لن يعتقلوكم) و كنت عندها أوصي أولادي أن يكونوا رجالاً و أن يصمدوا في التحقيق ، و بعد عدة ساعات نادى الجنود علينا و عندها خرجت من باب المنزل و عندما شاهدني الجنود صرخوا (مرة مرة ارجع البيت ارجع البيت) ، عندها نزل خلفي نضال و قال لهم (ماذا تريدون ؟) ، طالبوه بخلع ملابسه كلّها حتى أبقوه بالشباح و البنطال و قالوا له تعال ، و فعلوا ذلك مع كل الأولاد أما نحن النساء و الأطفال فقد أخذونا إلى منزل الجيران" .

    و تكمل المشهد أم نضال و تقول : "عندها طلبوا من نضال أن يحمل جثة عماد و يخرِجها من مكانها" .. و تقول : "تصوّروا أنهم كانوا يخافون من عماد حتى و هو ميّت .. و قالوا لنضال (أحضر الجثّة و أي حركة تصدر منك لن ترى أنت و أهلك الخير)" .

    و تعود أم نضال بالذاكرة : "لقد كان نضال دائماً يقول لعماد (وقتيش أحملك و إنت مخروق بالرصاص) .. و كأنه قرأ الغيب و بالفعل حمل نضال عماداً و هو (مخردق) بالرصاص مئات من الطلقات دخلت جسده الطاهر ، عندها قال نضال ( كانت تلك اللحظة أسعد لحظات حياتي و أنا أحمل عماداً و هو شهيد) .. ولا زال دم عماد على بنطال نضال و على شبّاحه حتى يومنا هذا".

    و تضيف أم نضال "أخذ الجنود يسألون نضال (هل تعرف من هذا ؟) ، أنكر نضال معرفته به و لكنهم كانوا يعرفون كل شيء و ذلك من خلال العميل ، و بعد ذلك دخلوا البيت و قاموا بتكسير كل ما تقع عليه أيديهم حتى حطّموا أثاثه و ما فيه و حمدت الله أن البيت لا زال واقفاً … للأسف لم نكتشف أمر وليد حمدية إلا بعد شهورٍ ، و الذي اكتشفه حركة حماس ، لم نكن نشكّ فيه أبداً لدرجة أننا أمّنّا له و خرج هو و نضال و اشتروا كلاشينكوف ، و كانت الصدمة كبيرة جداً و أكثرنا صدمة به كان نضال ، و عندما جاء اليهود إلى البيت لأخذ سلاح نضال ، أخذوه من المكان الذي وضعه بيده مع وليد الملعون و كأنهم وضعوه بأيدهم فيه" .
    و ما إن بدأت أنباء استشهاد القائد (عماد عقل) بالانتشار حتى اندفعت الجماهير الفلسطينية الغاضبة نحو منزل الشهيد في مخيم جباليا محطّمة أوامر منع التجوّل التي حاولت سلطات الاحتلال فرضها بعد استشهاد البطل القساميّ لعله يكون مجرّد إشاعة قيلت أو أكذوبة من أكاذيب راديو العدو الصهيوني .
    و بإعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الحداد العام المدة ثلاثة أيام في كافة أنحاء الضفة الغربية و قطاع غزة ، شهدت المدن و القرى و المخيّمات تصعيداً نوعياً في فعاليات الانتفاضة المباركة باعتراف كل وسائل الإعلام العالمية و حتى الصهيونية .
    و حسب هذا الاعتراف ، فقد أعادت صور الانتفاضة المتجدّدة إلى الأذهان صور الانطلاقة في أيامها الأولى ، فإلى جانب الإضراب الشامل الذي عمّ الضفة و القطاع خلال أيام 25 ، 26 ، 27 تشرين الثاني (نوفمبر) تلبية لدعوة حركتي حماس و فتح ، غطت سماء القطاع سحابة سوداء دخـان الإطارات المشتعلة و أغلقت المحال التجارية أبوابها و توقّفت حركة المواصلات و رفعت الأعلام السوداء و أغلق الشباب جميع الشوارع بالمتاريس و الحواجز الحجرية و تعطّلت الدراسة في جميع المدارس و المعاهد والجامعات ، و تكوّنت المسيرات العشوائية الحاشدة من جميع فئات الشعب و اتجاهاته لتشارك في عرس (عماد القسام) حيث انطلقت هتافات الجماهير أطفالاً و نساءً و شباباً و شيوخاً تدوّي في سماء الوطن (نرفض السلام مع القتلة) بوحدة وطنية حقيقية لم تشهدها فلسطين المحتلة منذ توقيع اتفاق أوسلو ، و فيما ظهرت مجموعات المطاردين من كتائب الشهيد عز الدين القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) و صقور فتح مع إطلالة فجر الخامس و العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) تجوب الشوارع و هي تطلق النار في الهواء تحية للشهيد القائد معلنة أن عماد عقل هو قائدها الأعلى ، صدحت مكبرات الصوت في المساجد بالقرآن الكريم ، و دعت السكان إلى (ذبح اليهود) و (تصعيد مقاومتهم للجنود الصهاينة) و (إحراق الأرض تحت أقدام الغزاة الصهاينة) ، و ما هي إلا دقائق قليلة حتى تدفق مئات الشباب إلى الشوارع التي شهدت حرباً حقيقية بين الحجر و البندقية و تحوّل القطاع بأكمله إلى ساحة قتالٍ تركّز أعنفها في مخيّم جباليا و في حيّ الشيخ رضوان و مخيّم الشاطىء و حيّ الشجاعية ، و ترافقت هذه المصادمات التي جرت بين جماهير القطاع و جنود الاحتلال الذين جابوا الشوارع بدوريات عسكريّة مكثّفة و تمركز منهم فوق المباني المرتفعة و على الطرقات و الشوارع و المحاور الرئيسية ، مع الإضراب الشامل الذي شلّ مدن الخليل و بيت لحم و رام الله و جنين ، و نابلس و القدس حداداً على استشهاد (أسطورة غزة) حيث أغلقت المدارس و المؤسسات و المصانع و المتاجر أبوابها ..
    و جاب ملثّمو حماس جميع أنحاء الضفة و القطاع يكتبون شعارات تنعى الشهيد القائد (عماد عقل) و تتعهد بالثأر و الانتقام ، و حال تساقط الأمطار في بعض المناطق من اتساع رقعة المواجهات .

  2. #2

    رد: الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر

    هؤلاء هم الابطال...
    هؤلاء هم الابطال...
    هؤلاء هم الابطال...
    رحمهم الله وسكنهم في عليين
    بوركت يا ابو محمد

  3. #3

    رد: الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر

    بوركت أيها العربي الأصيل
    لقد كان بطلا بحق
    وقل مثاله
    غزة

  4. #4

    رد: الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر

    رحم الله البطل الشهيد المغوار
    وجعله في جوار النبي العدنان في أعالي الجنان
    وأكثر من أمثاله
    وشكرا لك أخي الكريم على نشر سيرة البطل
    وهو يستحق أكثر من هذا ،
    لا يـخـدعـنّك مــن عــدوّ دمـعـةً *** وارحـم شـبابـك مـن عدوٍ تُرحَمِ
    ومن البليّة عذل من لا يرعوي*** عن جهلِهِ , وخـطاب من لايفهمِ
    ومـن العـداوة ما يـنالك نـفـعُـهُ *** ومـن الصـداقـة ما يـضر ويؤلمُ
    والذل يـظـهـر فـي الذلـيل مودةً *** وأود مـنـه لـمـن يــود الأرقـــم

  5. #5

    رد: الأسطورة التي أذلّت جيش الصهاينة الذي كان لا يقهر

    رحم الله الشهيد البطل عماد عقل
    ورحم الله شهداء الأمة
    إذا كان الغراب دليل قومٍ
    يمر بهم على جيف الكلابِ
    !

المواضيع المتشابهه

  1. إبراهيم حامد... عندما يتحدث الصهاينة عن الأسطورة
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-24-2011, 11:14 AM
  2. جيش لا يقهر / للشاعر العروبي لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-27-2009, 08:37 AM
  3. الى روح طفل النقب الذي فجر بلغم الصهاينة/ خربشات لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-31-2008, 01:53 AM
  4. الأخضر يقهر الساموراي ويؤكد الجدارة العربية بالكأس الأسيوي
    بواسطة امير الليل في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-29-2007, 08:40 AM
  5. طفل ياباني يقهر الامريكان.............!!
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-09-2007, 09:57 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •