مياه معدنية
فوجئ أهل بلدة وادي الرقيم بأن جدران بيوتهم الخارجية قد مُلئت بالكتابات التي تدعوهم للاستفادة من الفرصة التاريخية في أن بئر الخلود، الواقعة على التلة المقابلة للبلدة، سيكون ماؤها متيسراً للجميع من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة السابعة مساءً، من يوم السبت الموافق الحادي عشر من الشهر القادم.
كان أهل البلدة، قد تناقلوا أخباراً مفادها أن مياه عيون وادي الرقيم وغدرانه، لم تعد آمنة، وقد تكون ظاهرة النعاس الشديد الذي يعاني منه سكان البلدة وراءه تناول تلك المياه.
لم تكن بئر الخلود معروفة من قبل، لكن أخبارها كان يتم تناقلها بين حين وآخر من أناس يزعمون أنهم على دراية كاملة بمنافع ماءها.
تجمع أهالي البلدة على أرض التلة، ووقف أبو نافذ وأولاده الثمانية بكروشهم البارزة، فصعد أبو نافذ فوق (خرزة) البئر، وطل من الأعلى وصاح إن الماء عميق ويحتاج هذا الدلو الى حبل طويل، تنادى الجميع: هاتوا حبلاً، هاتوا حبلاً، لكن لم يكن من مجيب.
فك أبو نافذ حزامه المربوط حول كرشه، وطلب من أولاده الثمانية أن يناولوه أحزمتهم، فربطها ببعض ثم ربطها بالدلو ودلاه في البئر ولكنه لم يصل الماء.
صاح أبو نافذ بالجمع الموجود حوله، هاتوا بعض أحزمتكم، فتطوع مجموعة من الأفراد النحيفين ففكوا أحزمتهم وناولوها لأبي نافذ، ربطها بطرف أحزمة أولاده وحزامه، فوصل الدلو الى الماء.
نشل أبو نافذ الدلو وشرب، ثم نشل فسقى أولاده، ثم عبأ قربته وقرب أولاده..
صاح الجميع: دعنا نشرب يا أبا نافذ..
ـ اصبروا حتى أكتفي أنا وأولادي..
صاح أصحاب الأحزمة ذوي الأحزمة الأقصر والذين ناولوها لأبي نافذ: لنا الحق في أن نشرب أو نملأ بعض القناني، فأحزمتنا هي من جعل الدلو يصل الماء..
ـ أصمتوا، لو لم تعطونا أحزمتكم، لكان هناك غيركم من سيعطينا إياها!
دقت الساعة السابعة مساء، وأغلقت فوهة البئر، ولم يشرب إلا ذوو الكروش (أبو نافذ) وأولاده..