قبل يتسرب العمر
---------------------------
مشاهد حياتي أنثرها لغة على قصاصات أشبه بأوراق روزنامة منزوعة من أماكنها ، بعضها فقدت جزءاً من أطرافها و بعضها بأطراف مشرشرة و بعضها محفوف بعناية تنبئ عن رغبة مسبقة مني بالكتابة عليها .
أحياناً لا تكفي قصاصة واحدة لمشهد واحد فأحاول أن أضغطه قدر الإمكان كي لا تفلت منه فكرة مهمة أو كلمة أعتقد أنها مؤثرة لما تحويه من مقدار التشاركية الحُبّية ، فكرت أن أكتب ذات اللوحة على قصاصتين فاكتشفت بعد محاولتين فاشلتين أنني سأفقدها في زحمة أشيائي و في تبعثر الأوراق إذا ما حاولت يد عابثة ترتيبها ووضعها وفق نسق معين.
و كما ملاءة جدتي البيضاء منشورة على حبل غسيل مثبت في وجه الرياح المشاكسة بملقطين من محبة و حنين، أثبت كل قصاصاتي على شاشة عرض بدبوس الانتباه في نسيج الذاكرة.
تلك الأوراق وجدت أنها تجاور بعضها البعض دون تسلسل منطقي و زمني فبدأت تتعارف فيما بينها كما جيران جدد في بناء انتهى للتو ، سني الطفولة مع النضج و كذا المراهقة مع عمري الآني. كانت طفولتي مندهشة لمدى التغيير الحاصل لدى مجاورتها مع عمر الجامعة- و لا ألومها فميزة ذاك العمر هو الاندهاش الدائم كم افتقده الآن- كان سؤالها الأول هو : هل نحن ننتمي لذات الشخص ؟ كان عليها أن تمعن في وجهي لتتأكد أنها ذات الملامح ما غادرتني.بينما تعارفت مراهقتي مع عمري الآني بسهولة مع أنها المشاهدة الأولى و هذا عائد طبعاً إلى كمية التوق للحرية في كلا الزمنين.
لا أزعم أنها / قصاصاتي/ حكت لك كل شيء فهناك تفاصيل لا أحب أن أسردها على قلبك منذ وعدتك أن أعيد صياغتي و لا أخفيك أنني في بعض الأحيان يخونني عهدي فأبكي و أتألم و قد وعدتك ألا أفعل طالما أنت حاضر في دمي
نظرت إلى شاشة العرض المفروشة على رصيف الذاكرة حيث رصصت قصاصاتي في فوضى أحببتها، ملأى بالصخب و الشغب و الحزن و قطعت عهداً أن امزجها يوماً بقصاصات عمرك دون ترتيب أيضاً علناً نخترع لوناً جديداً، أدباً جديداً و أنا أثق بأنني سأجد كثيرا من المتطابقات حَــدَّ الدهشة و الألم و الفرح و الحسرة ...فانتظرني