الكتابة بين الذات والعالم
ومضات
محمود السرساوي
ربما كان السؤال معتادا عن الكتابة عموما وشروطها خصوصا، لكن السؤال عن مصدرها لحظة الكتابة يستدعي كلاما كثيرا إنما للتوضيح أقول :
لحظة الكتابة هي لحظة انفصال واتصال مع الواقع، فأنت تكتب العالم الذي يسكنك من خلال ذاتك وتكتب ذاتك من خلال العالم الذي يسكنها، فما من كتابة ذاتية أو موضوعية خالصة, هكذا تكون بلحظة اتصال وانفصال مع الواقع، مسكونة به ومغايرة له بآن ،لذلك لا يمكننا الفصل بين الداخل والخارج في الكتابة الا على مستوى النظر في سياق العملية النقدية، والمبدع بالتالي لا ينتبه اثناء الكتابة إلا لراهن الحالة التي يعيشها وهي نتاج تراكمي بالتأكيد يسعى الكاتب إلى بلورتها كنتاج مستقل عنه، من هنا تستدعي الكتابة وعياً لأدواتها كي لا تكون هناك زيادة أو نقصان في الجملة أو الصورة أو الايقاع- في الشعر مثلا- فاهتزاز الجدل بين الداخل والخارج يخلق ارباكاً حقيقياً في البناء الفني للنص المكتوب، كذلك يحيل التيقظ التام أثناء الكتابة الى التجريد اللغوي العقلي، لا الى الايحاء والدلالة، فتتم بناءات الصورة في النص الشعري بعين العقل مما يخفت الاضاءات الداخلية للغة الشعرية، ويدفعها الى السكونية في الحالة الخارجية مما يعني بقاءها في حقل المشاهدة والمباشرة والتقريرية، فعين التكثيف الشعري ليست عين الواقع ولا كاميرته الفوتوغرافية، إنها عين إعادة التشكيل لحوار الموجودات، وفن القبض على جمالياتها، اذ لا تكتفي بالمعطى والمألوف والمتعين خارجها بل تعيد اكتشافه وترتيبه بما ينسجم مع انزياح مرآتها الداخلية، وتواترها الأفقي والعمودي. .