وقفات مع قيادتهن للسيارات
من أصعب الأمور عليّ أن أكتب عن قضية قلت فيها وجهة نظري من قبل،وينطبق هذا على قيادة المرأة للسيارة ... فقد قلت وجهة نظري في كُليمتي ( سعوديات خلف مقود السيارة)، في حلقتين.
من أجل ذلك وجدتي زاهدا في إعادة الكتابة عن نفس الموضوع .. رغم الضجة المثارة حول (تظاهرة يوم 26 أكتوبر) .. ثم قرأت تغريدة للأستاذ على العمري قال فيها :
(حتى الآن اطلعت على 8 مقالات تؤيد قيادة المرأة للسيارة بالإضافة إلى تحقيقين في صحفنا! .. أين الرأي الآخر ؟) ثم علقت إحدى الأخوات على التغريدة بقولها :
(الرأي الآخر محجوب لأنه الأكثرية).
عندما تحجب وجهة النظر الأخرى .. فذلك يعني أن وراء الأكمة ما وراءها .. لذلك أعتقد أن يوم 26 أكتوبر 2013م سيكون يوما تأريخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. فهذه – حسب علمي – هي المرة الأولى التي يتحقق فيها مطلب لفئة من المجتمع عبر (تظاهرة) .. سواء كانت (التظاهرة) حلقة ثانية للتظاهرة التي قامت بها مجموعة من السيدات – سنة 1990 - على رأسهن الدكتورة عزيزة المانع،والدكتورة فوزية البكر،ومنيرة الناهض . .إلخ. أقول سواء كانت (التظاهرة) فعلية .. أو مجرد (تظاهرة) عبر العالم الافتراضي ،حسب ما فهمت من رسالة وزعت عبر (الواتس) تشي بأن القائمين على (التظاهرة) لا يقصدون تجمع النساء في مكان واحد وقيامهن بقيادات السيارات ... في كل الأحوال هو يوم تاريخي .. إن تحقق مطلب بتظاهر شريحة من المجتمع.
تجنبا للإطالة سأسجل هنا عدة نقاط حول موضوع قيادة المرأة للسيارة عبر عدة وقفات،ولكن قبل الوقفات .. أسجل استنكاري للاعتداء على حساب إحدى المطالبات بقيادة المرأة للسيارة،فهذا ضيق بوجهات النظر .. ومن حق تلك السيدة أن تطالب بقيادة المرأة للسيارة .. كما أن الحق نفسه مكفول لمن تطالب بعكس ذلك .. ومربط الفرس لدى الجهة صاحبة القرار ... فإما أن تسمح بالأمر .. أو تمنعه .. وحين تمنعه قد تفعل مع عدم تحديد عقوبة خاصة .. وقد تحدد عقوبة (داعمة) مثل غرامة (15) خمسة عشر ريالا وتعهد لفظي بعدم تكرار الأمر .. وقد تكون العقوبة (صارمة) : مصادرة السيارة وبيعها في مزاد .. والتبرع بثمنها للجمعيات الخيرية .. إذا القضية قضية قرار بالمنع أو السماح .. وليست قضية مطالبة،وإلى الوقفات:
الوقفة الأولى : بعد (الشجب) هذه وقفة (التفهم) .. فأنا أتفهم تماما رغبة عدة جهات في أن تقود المرأة السيارة :
أتفهم رغبة امرأة .. ترى أنها (مثل )الرجل لذلك لابد أن تقود سيارتها بنفسها ..
أتفهم رغبة امرأة تريد أن تقضي حاجة فلا تجد مواصلات عامة .. ولا ابنا أو أخا أو زوجا يوصلها ..
أتفهم رغبة رجل يريد للمرأة أن تقود السيارة .. لتكفيه هم مشاويرها .. وراتب السائق ... ولا بأس إن قضت بعض مشاور المنزل
أتفهم رغبة وكلاء السيارات في أن تقود المرأة السيارة لما في ذلك من النفع (وصلت جوالي هذه الرسالة : "تصفيات هائلة من " اسم وكالة سيارات"على جميع موديلات 2013 كل السيارات يجب أن تنطلق).
أتفهم رغبة البنوك في أن تقود المرأة السيارة .. لأن طلبات القروض سوف تتضاعف
أتفهم موقف مصانع السيارات في أمريكا واليابان .. لأن الطلب على السيارات سوف يزيد .
أتفهم غضب الشغالات – حين يغضبن – لأن عملهن سوف يتضاعف .. أو من لديها رخصة قيادة منهن .. فسوف يعيدن الفساتين ... ويحضرن العباءات .. إلى غير ذلك من المشاوير التي قد يتنازل عنها الرجل للمرأة .. فتتنازل عنها بدورها للشغالة،خصوصا حين تذهب السكرة ..
الوقفة الثانية : هذه وقفة (الضحك على الذقون) .. نعم فهناك من يحاول أن يضحك على ذقوننا ,, ونقول له المطالبة بأمر لا يوجد دليل شرعي على تحريمه حق مكفول للجميع .. ولكن مع احترام عقولنا ..
عيب على من كانت تدعو للاختلاط .. وتفتش في السنة المطهرة لتثبت وجود الاختلاط .. عيب عليها أن توظف الآن (الخلوة) بالسائق لتنفي الغيرة عن الذي يقبل بركوب زوجته مع السائق
عيب .. على من تنشر صورتها حاسرة الرأس عارية الرقبة والذراعين .. ثم تتحدث عن تحريم (الخلوة) .. لا ياشيخه؟!!
عيب .. على من يتحدث عن (الخلوة) بالسائق .. أن ينسى أن المرأة مع السائق الخاص في موقف القوة فهي (كفيلته) ومنها يأخذ ما يصرفه على أسرته ... بينما يتجاهل المتحجج بـ(الخلوة) أن المرأة حين تقود سيارتها بنفسها سوف تحتاج إلى (البنشرجي) وإلى (الميكانيكي) .. وأحيانا لا يجد أحدنا كرسيا يجلس عليه عند أحدهما .. هذا غير احتمال تعطل السيارة في الطريق العالم وما يتبع ذلك من وقوف في الشارع .. وانحناء للنظر في ماكينة السيارة وربما الاستلقاء تحت السيارة للبحث عن سبب التعطل .. أم أن كل سيدة ستقود سيارة من أحدث طراز ؟! وحتى هذه تتعرض للتعطل .. أحد إخواننا – صاحب "سطحة" – حمل سيارة (بنتلي) متعطلة .. فكانت نجمة الشارع حيث صورها كثيرون.
ملاحظة أخيرة في هذه الوقفة : لم أقرأ لامرأة واحدة تقول : سأكون "سائقة"المنزل .. هي فقط تريد أن تقود سيارتها بنفسها .. وذلك يعني ببساطة – كما هو مشاهد في دول الخليج المجاورة – أن السائق الخاص لن (ينقرض) .. وأن (الخلوة) به لن يقضى عليها!!
الوقفة الثالثة : هذه وقفة"الأنانية" .. وأبدأ بأنانية أنا .. فقد تذكرت مباشرة زحام السيارات ... وقضائي الليلة الأولى من رمضان – قبل سنوات – وأنا ألف بسيارتي،لا وجدت موقفا،ولا مخرجا من طوفان السيارات .. حتى أذن العشاء .. وخرجت الصلاة .. وانقضى جزء من صلاة التراويح .. حينها كتبت أن الحرب القادمة ستكون (حروب مواقف السيارات) قبل (حروب الماء)!!
بالأمس رأيت ضابطين وشرطي .. ينظمون السيارات عند كلية البنات .. ويوم الجمعة يستنفر رجال المرور لتنظيم السير .. إلخ.
نعم الموضوع في أحد جوانبه لا يخلو من أنانية .. وتصور المرأة التي ستقود سيارتها بنفسها أن إضافة سيارتها إلى هذا العدد الهائل من السيارات لن يكون مؤثرا !! مع أن قيادة المرأة للسيارة تعني زيادة عدد السيارات بما قد يصل إلى 20 %
إضافة إلى ذلك صنع واقع اجتماعي جديد .. وهو اضطرار الأب إلى (تدبير) سيارة لابنته إذا دخلت الجامعة .. كما يفعل مع ولده .. فغياب وسائل النقل العامة يحتم على كثيرين شراء سيارات لأبنائهم من أجل التعليم الجامعي .. فالمحاضرات موزعة صباحا ومساء .. إلخ.
وبعد .. لا يستطيع أحد أن يقول أن قيادة المرأة للسيارة محرمة بدليل من كتاب أو سنة .. وإنما الأمر عائد إلى المصالح والمفاسد .. وبناء على المصالح والمفاسد .. أقول أنني أتمنى أن تنجح (تظاهرة) النساء وأن يسمح لهن بقيادة السيارة .. لأن المنافع التي ستأتي من وراء ذلك أعظم من الفاسد ..
سوف تقوم العاطلات بعمل (تظاهرة) .. فيحصلن على وظائف.
سوف تقوم ربات البيوت بعمل (تظاهرة) .. فيحصلن على رواتب
سوف يقوم الطلاب بعمل (تظاهرة) ... فتزاد مكافآتهم .
وهكذا تدخل البلد إلى الحداثة من بابها الواسع.
تلويحة الوداع : كثيرا ما أتذكر مقول لأحد زرق العيون .. (لقد قررت .. فلا تحاول تضليلي بالحقائق)!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني