فطور رمضاني
كان موعده على سفرة الإفطار في بيت أحد أقاربه، وبسبب ذلك النسب القريب توجه إليهم مصطحباً عائلته. وكان هناك قبل إطلاق مدفع الإفطار، لان لا يتسبب في تأخرهم عن الإفطار– أو إرباكهم – أو تغيير نظامهم اليومي. ولكنه لم يكن يتوقع ما حصل! فإن ما وقع لم يكن ليربك نظامهم، بل نظامه هو الشخصي.
وكما هي عادته في منزله، وعند سماعه لأذان المغرب من المئذنة القريبة، يتناول بعض التميرات وقليل من اللبن أو الحليب، متبعاً للسنة النبوية، وتخفيفاً من أثر الطعام عليه، ليتمكن من أداء الصلاة. ويعود بعدها لتناول وجبة عشاء دسمة.
فلقد فعل ذات الشيء في بيت قريبه، رغم رؤيته للصحون والأواني، من مختلف الأطباق والأصناف، توضع بجوار بعضها على سفرة الإفطار، مما يسيل له اللعاب وتتحرك له الشهية. ولم يلتفت إلى أن لكل بيت خصوصيته، ونظامه الغذائي، حتى في رمضان، رغم كونهم من مجتمع واحد. كان يتوجب عليه أن يأقلم نفسه مع نظام ذلك البيت. وما هو إلا يوم واحد، يؤدي فيه واجب - القرابة - وصلة الرحم - والدعوة. وفي ذلك اليوم هو ضيف وكما قيل (الضيف في حكم المضيف) وليس العكس. فقام إلى صلاته كعادته، عند سماعه لمدفع الإفطار.
لم يلحظ العيون وهي ترقبه، وهو يترك موقعه، كأنها كانت تستهجن ما هو فاعل، من مخالفته لتقاليدها وعاداتها، كأنما جاء بجرم يستحق عليه العقاب. ولم تستطع زوجه إيصال رسالة تلك العيون إليه، لأنه لم يكن ينظر إليها مباشرة. فقد قام من مقامه، والفرح والسرور يملئ ناظريه، وينتشر أثرهما على صفحة وجهه. ولم يلتفت إلى زوجه، ولم يسأل نفسه لماذا لم تترك سفرة الطعام؟! وهل كانت تعلم بفرق العادة هنا عن بيتها؟! وكان كل همه أداء الواجب.
فبعد عودته إلى موقعه من السفرة، أكل من بعض الفتات المتروك من الطعام، مما لا يقيم شيء من أوده. عاد وهو ينظر إلي زوجه بعينين ملأها الاستغراب والتعجب، لعدم قيام مضيفه بتلافي ما وقع من التباس. بل كان ينظر إليه، وفيه عيونه بريق ينم عن استهزاء وتشفي. كأنما كان يقول له: هل تحاول إظهار اهتمامك بالصلاة أكثر منا؟! ومر كل شيء بهدوء، وكأن شيء لم يكن، وكأن تلك كانت غلطته، وعليه هو تحمل نتائجها. وليس من واجب صاحب البيت أن يقوم بأي تغيير، تجاه من أقيمت المأدبة على شرفه.
لم يتفوه بكلمة وكتم غيظه، فهو ضيف ولا يمكنه إهانة مضيفه. وأنتظر وتحمل لحين عودته إلي بيته، ليكمل وجبة إفطاره. لم يكن ليتصور فرق العادات والممارسات أن تصل لهذا الحد، حتى ضمن مجتمع واحد. ولم يكن ليفهم ويستوعب، عدم اكتراث قريبه للأمر، وعدم اهتمامه بضيوفه؟!
ترك أمر إفطاره جانباً، وأخذ يرقب وينتظر متى سيؤدي صاحب الدعوة الصلاة، فلقد مرت الساعة والساعتان، وهو لم يتزحزح من مكانه، كأنما قد أصابته تخمة من جراء ما أكل. وعندما حان وقت انصرافهم، بعد تلك الساعتان الطوال، أخذ يتحرك بصعوبة، محاولا ازاحة جسمه عن الأرض متجها للوضوء. كأنما أجزاء جسمه قد انسلخت عن بعضها وتناثرت، وهو يحاول لملمتها!
عندها شكر الله ربه، لما منحه من قوة تحمل وصبر، تجعله يقاوم رغبته في الطعام، ليقوم بأداء واجبه الديني. وأقسم بينه وبين نفسه، أن لا يجيب أي دعوة إفطار ثانية، إلا إذا تناسبت مع نظامه الغذائي.
بقلم: حسين نوح مشامع