لله وللتاريخ....
كلمتي في مجلس الشعب 17/10/2011
تعاني عشرات الآلاف من الأسر في سوريا غياب أحبائها في غياهب السجون في جو لم يتعود بعد على الحياة الديمقراطية، حيث لا يعرف معظم الأهالي شيئاً عن ذويهم، ولا توجد جهة مخولة بمتابعة شؤون المعتقلين وتوفير ضمانات قضائية حقيقية لهم والإشراف على ظروف اعتقالهم.
وهي حقيقة مرة لا يجوز التخفيف من قسوتها، ولا يجوز التواطؤ على كتمانها، ومن الضروري أن نذكر أن حقوق السجناء التي أقرها العالم في المواثيق الدولية المخلتلفة إنما تتحدث عن حقوق كل سجين ولو كان مداناً بجريمة كاملة، فحقوق الإنسان ليست مخصصة بالأبرياء والمتقين بل هي لكل سجين مهما كانت جنايته.
: من منا نحن النواب الذين انتخبنا الشعب للدفاع عنه يستطيع أن يعرف عدد المعتقلين في السجون السورية على خلفية الأحداث الأخيرة؟ إن قناة العربية تقول إنهم سبعون ألفاً وتقول الجزيرة إنهم ثمانون ألفاً وتقول قناة الدنيا إنه لا يوجد معتقلون سياسيون!! فمن نصدق من هؤلاء؟ وهل نملك نحن كنواب أرقاماً حقيقية ومعلومات مسؤولية نستطيع بها أن نقدم إجابات صادقة لشعبنا؟
لقد طالبت أن يكون لكل سجين سوري صفحة على الأنترنت تعدها وزارة الداخلية يذكر فيها اسمه وسبب اعتقاله ومحكوميته وموعد الإفراج عنه، وهو مطلب يسير من الناحية التقنية، فعلى سبيل المثال تعد وزارة التربية السورية سنوياً قوائم لطلابها الذين يبلغون نحو مليون طالب في المرحلة الثانوية والاعدادية، وتتيح لكل راغب معرفة العلامة المحددة في كل مادة ينالها الطالب وبالتالي توفر شفافية وحزماً تقطع الطريق على كثير من أشكال الفساد والابتزاز والمحسوبية والتجارة بأوهام الناس.
كانت هذه هي باختصار مهمة المجلس الأعلى لحقوق الإنسان الذي تقرر إنشاؤه في المؤتمر التشاوري للحوار الوطني في تموز الماضي ولكنه لم ير النور.
اليوم ينتظر السوريون أن تبدأ السلطات بإطلاق سراح المعتقلين، وفاء لما التزمته دمشق من خطة كوفي عنان، وأتمنى أن يكون أول ما نبدأ به من هذه المطالب هو الإفراج عن الأطباء الذين اعتقلهم السلطات في إطار معالجة الجرحى بالطبع لا أحد يدري أعدادهم وأرقامهم ولكن يمكن القول بدون أية مبالغة إنهم يعدون بالعشرات إن لم يكن بالمئات.
لقد قامت أجهزة أمنية مختلفة باعتقال هؤلاء في المشافي الميدانية غير المرخصة على أساس أنهم كانوا يقومون بإسعاف الإرهابيين والتستر عليهم، وللأسف فإن هذا الاتهام من النوع الذي لا يجرؤ أحد أن يناقش فيه!! وحين كنا نتدخل لمساعدة طبيب معتقل كنا نفاجأ بجواب مثل: تم ضبطه في مشفى ميداني!! ومعنى ذلك أنه شريك الإرهاب والقتل!! ولا يجوز التحدث فيه بشفاعة!
وفق قسم أبقراط الذي يلتزمه كل طبيب في العالم فإن الطبيب ملاك الرحمة ومسؤوليته تجاه المريض واحدة هي إنقاذ حياته سواء كان هذا المريض قديساً أو إبليساً، وسواء كان القاتل أو المقتول، الضحية أو الجلاد، وفقط عندما يقوم الطبيب بهذا الواجب يكون طبيباً وبدون ذلك فهو جلاد مقيت لا يستحق شرف هذه المهنة.
في الواقع إن الإفراج عن هؤلاء لا يعتبر منحة ولا منة ولا مكرمة، فهؤلاء شرفاء أبرار حافطوا على شرف المهنة وتحملوا في سبيل ذلك العناء، ولم يكن أمامهم أخلاقياً ومهنياً أي خيار آخر إلا القيام بما قاموا به.
هؤلاء الشرفاء يستحقون الاوسمة والتكريم وليس السجن والإهانات، والمشافي الميدانية التي افتتحوها في ظروف بالغة التعقيد تستحق الثناء والتكريم وليس السجن والتنكيل!
أعتقد أن واجب الدولة لا يقتصر عند الإفراج عن هؤلاء، بل الاعتذار منهم ورد اعتبارهم والتعويض عليهم، فقد قاموا بما يجب أن يقوموا به، ولولا قاموا بذلك لوجب شطبهم من قائمة ملائكة الرحمة.
كم أتمنى أن أجد كل هؤلاء الأطباء وقد تم الإفراج عنهم، وهم يتسلمون الأوسمة التي تتناسب مع قدر ما حفظوا من أرواح وما أصابهم من جراح، وما لاقوه من عناء، وأن تسمى باسم الشهداء منهم قاعات واضحة في مشافي الوطن الكبرى تعزيزاً واعترافاً بالدور الإنساني الخطر الذي تحملوه في ظروف بالغة القسوة.