تقعُ أفاميا في مفترق الطريق بين حلب واللاذقية ودمشق، وهي تتبع لقرية قلعة المضيق اليوم. وأفاميا اسم لحاضرة سورية قديمة، أنشأها سليقوس نيكاتور، وأطلق عليها اسم زوجته أباميا. ولكنَّ تاريخها يعود إلى العصور الحجرية فيما قبل التاريخ. وتأكد ذلك، من خلال الحفريات التي تمَّت عام 1968 في القسم الغربي من السور، حيث ساعدت هذه الحفريات أيضاً في العثور على بعض القطع التي تعود إلى العصر الحجري.
لمدينة أفاميا مخططٌ يشبه الشطرنج، يخترقها شارع رئيسي من الشمال إلى الجنوب طوله 1850، وعرضه 37.5، وأقيمت على جانبيه، كما على جانبي الشارع الذي يتقاطع معه، أهمّ المباني العامة من حمامات وقصور ومعابد وأسواق تجارية ومسارح وغيرها.
وقد دمّرت الزلازل، التي اجتاحت المنطقة بين عامي 1157م- 1170م مدينة أفاميا تدميراً كاملا، حيث قامت عدة بعثات أثرية منذ الثلاثينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، بالاشتراك مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، بإجراء التنقيبات الأثرية، كما قامت بمهمة ترميم هذا الموقع، فضلا عن تأسيس متحف للفسيفساء وللمكتشفات الأثرية الأخرى، كما تمَّ ترميم خانها وتحويله إلى متحف مهم، وكذلك ترميم الطاحونة والجامع اللذين يعودان إلى العصر العثماني، كما أعيد بناء العديد من أعمدتها في الشارع الرئيسي وفي أحد البيوت البيزنطية.
وفي حملة مكثَّفة حشدت لها آليات كثيرة، تمَّ اكتشاف ما يزيد على خمسة كليومترات من أسوار هذه المدينة مع أبراجها مربعة الشكل.
خان أفاميا
يقعُ في نهاية السفح الجنوبي الغربي لجبل الزاوية، وكان خاناً للحجاج والمسافرين، أنشئ في عصر سليمان القانوني. ويحتلُّ هذا الخان مساحة واسعة تقارب سبعة آلاف متر مربع، ويتكون من بناء ضخم مربع الشكل، تتوسطه باحة واسعة مرصوفة ببلاط حجري، وفيها منهل ماء عمقه سبعة أمتار. وتحدُّ الخان من جوانبه الأربعة قاعات وغرف واسعة، يقع مدخله في ضلعه الشمالي، وهو مدخل واسع على جانبيه منصتان حجريتان. وأهم أجزاء هذا الخان جناحان طويلان ينبثقان من الغرفتين الواقعتين على جانبي المدخل الرئيسي، وهما: الجناح الشرقي، والجناح الغربي، وبالنسبة لقاعات الخان وغرفه، فهي مبنية بالحجارة الكبيرة ومسقوفة بأقبية برميلية الشكل تحملها "عقوج حجرية نصف دائرية". وتوجد في جميع غرف الخان مواقدُ كثيرة تتقدّمها مصاطب عريضة كان الحجاج والمسافرون يستعملونها للنوم. وتواجه هذه المصاطب في الجهة الثانية كوى تنفتح كلّ منها على الباحة الخارجية.
متحف أفاميا
أصبح الخان مقراً لمتحف الفسيفساء، بعد أن بقي مهملا أمداً طويلا، فكان على الرغم من تهدّمه مقراً لبعض البدو والرعاة، الذين أقاموا فيه. وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بإخلائه وترميمه وإعادة الحياة إليه.
وفي الرواقين الشرقي والغربي، نرى بعض اللقى الفسيفسائية وغيرها مما عثر عليه في أفاميا أو في الأماكن القريبة منها. وهنا يجدر الذكر أنَّ أكثر الفسيفساء بقي في مكانه، ولكن بعضه الآخر -وهو مما صعب إبقاؤه في مكانه- نقل إلى المتحف الكبير، ومن أهم معروضات المتحف فسيفساء سقراط والحكماء. وفيه يبدو سقراط، وقد أشير إليه باسمه فوق رأسه، رافعاً يده اليمنى بحركة تعليمية، ونراه محاطاً بستة فلاسفة آخرين.
إنَّ الألواح الفسيفسائية، التي يضمّها المتحف الجديد، هي من أهم الآثار الفنية التي تركت من العصور الرومانية والعصور البيزنطية، أنجزها عمال محليون بأسلوب متميَّز، ولكن بمواضيع لها علاقة بالأساطير القديمة أو بالأحداث الدينية.