التفكير الناقد حاجة ذهنية وضرورة فردية واجتماعية ودينية
التفكير الناقد يوجب على الفرد الانتقال من التصديق الساذج ( البديهي ) لما يسمع أويرى أو يعتقد إلى الشك الواعي بهذه المعطيات، و يفرض الحاجة إلى فحص ما يحيط بالمرء من أقوال وسلوكيات وأحداث . . . إلخ، وإلا كانت أحكامه خطأ ومعرفته غير صائبة . وقبل التعمق في الموضوع نطرح على انفسنا بعض الاسئلة التالية :
هل نتسرع في إصدار احكام نهائية وقطعية على موضوع ما ؟
لو اكتشافنا أخطاءنا فهل نصوبها ؟
وكم مقدار اقتربنا من العوامل الذاتية او الاحكام المسبقة والتقليدية ؟ كم مرة فكرنا
بإستقلال عن الآخرين ؟ وهل المسلمات والافتراضات والمقولات حقائق لا تمحص
ولاتختبر لمجرد ان فلان قالها او التاريخ او الموروثات او العلم ؟.كذلك هل حواسنا الخمس كافية لنصدق ما ينتج عنها ؟
بداية قبل الاجابة عن الاسئلة إن التفكير غير الفعال سمة من سمات التفكير اليومي الذي يمر بحالات منه اي انسان في المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء ومن انواعه التفكير الخرافي
والتفكير غير العلمي والتفكير باسلوب تعصبي او انغلاقي او التفكير باسلوب الاستسلام لما ياتي من الآخرين ومن التاريخ ومن الموروثات ... الخ كمسايرة للحال ولا لوجع البال . او تفكير الجماعة دون فحص وتمحيص اي تفكير قائم على الانسياق والانسياب لان العدد كثير فهم اصح كما يعتقد .
وغيرها من طرق غير فعالة تعمل على :
إلغاء التفكير الحر والقدرة على التساؤل والنقد، كما أن الخضوع للسلطة أو المرجعيات الفكرية تقود إلى فكرة إلغاء قدرة العقل على الانطلاق والتحرر وتضع العقبات أمام التفكير الذي يستند إلى الحجة والبرهان، وينجم عن ذلك كله نقص في المعرفة وفساد في منهج التفكير والعجز عن البحث وتقاعس عن التعامل مع نواميس الكون وقوانينه ويسود الاعتقاد بإمكانية بلوغ التقدم دون جهد و ثمة سبب
أن موضوع التفكير ا لناقد هو موضوع الساعة في العالم لأن العالم يراهن على التقدم في القرن الحادي والعشرين، ويعني ذلك أن التفكير الناقد دالة التغيير والتفكير غير الفعال دالة الجمود والانغلاق. إن التعصب لتحيزات الجماعة والمغالطات بصفة عامة هي نتاج لعمليات عقلية لا يمكن الحماية منها إلا بتفكير يعتمد على التساؤل والشك في الافتراضات والاعتقادات والتصورات. ويعني ذلك حاجة الانسان للتفكير الناقد لتقويم تلك الافتراضات والاعتقادات والتصورات، وتناط مهمة التدريب على التفكير الناقد بمؤسسات المجتمع المختلفة إذ ينبغي أن تكون مؤسسات تدعم عملية التقصيّ، بحيث إلى مجتمع بحث وتقص .
أشار الباحثون : أن الأحكام التي يطلقها الفرد بشأن المسائل الاعتقادية والقناعات تتحدد بمجموعة من الظروف التي يعيشها، كالعادات والتقاليد والقيم والاتجاهات والقناعات التي تحملها الجماعة، فيتعصب المرء لوجهة النظر الاجتماعية وينقاد لها والتفكير الناقد هو التفكير الذي يؤجل التسليم بالاستنتاجات أو الآراء، والأحكام، ولا ينقاد للاعتقادات المتواترة الشائعة، أو المقولات المتداولة بين الناس، إلا بعد فحصها واختبار صحتها، ويحرص المفكر الناقد على العودة إلى مصادرها الحقيقية، والتأكد من مدى صحتها. هو منهج في التفكير يتميز بالحذر والحرص في التوصل للاستنتاجات، ويعتمد على الأدلة والبراهين، ويقبل علاقات السبب والنتيجة، ويميز بينهما، ويقر بأن الاستنتاجات تتغير في ضوء الأدلة والبراهين . فإن اللجوء إلى قواعد التفكير الناقد يُجنب المرء الوقوع فريسة الأخطاء الشائعة والشائعات والمعلومات المغلوطة او المقصودة لكي تخدم هدف لا يعلمه من يتلقاها . حمايته من تقبل الخرافات و يلتزم بقدر من الشك المتواصل تجاه هذه الافتراضات، وتخيل، واكتشاف البدائل في التفكير بالبحث عن أساليب جديدة لتوليد المعرفة للوصول إلى أهداف معينة .
ويمكن تلخيص العمليات المعرفية الذهنية التي تعكس التفكير الناقد على النحو
- تجنب إصدار الأحكام النهائية عن موضوع ما.
- تجنب التسرع في القفز إلى الاستنتاجات.
- اكتشاف الأخطاء والعمل على تصحيحها (تصويبها).
- التفكير باستقلال عن الآخرين والشك في الافتراضات والمقولات.
- الانفتاح على آراء الآخرين دون الاستسلام لها.
- التكيف مع المواقف المعقدة.
- الميل إلى موضوعات التحدي (الإيجابي) والقدرة على التعامل بمرونة.
- تحدي الافتراضات والمقولات المتداولة والشائعة.
- تجنب الأخطاء الشائعة في التفكير العلمي.
البعد عن العوامل الذاتية كالتأثر بالنواحي العاطفية، أو الأحكام المسبقة، أو الآراء التقليدية والالتزام بالموضوعية وهذه العمليات الذهنية تعكس اجابات الاسئلة في اول المقال . فلماذ االتفكير الناقد هو حاجة عقلية او فكرية او ذهنية ؟؟؟ ان التفكير الناقد يتميز بانه تفكير علمي :
يسعى التفكير العلمي إلى فهم ظاهرة أو حدث ما من خلال تكوين الفرضيات واختبارها ومطابقة التنبؤات التي تشتق منها بالوقائع أو المشاهدات التي تعبر عن الظاهرة، وعلى ذلك فهو يتضمن تقييم التفسير في ضوء الوقائع المجمعة، ومعايير قبولها ورفضها وهو ما يسعى إليه التفكير الناقد، ومن هنا فإن أهم ما يميز التفكير العلمي أنه تفكير ناقد . إنما يحتاج إلى أنماط من التفكير الناقد من أجل تحسين القدرة على إصدار الأحكام، ومن هذه الأنماط:
1-التفكير النشط: Active Thinking
إنه تفكير تحليلي منطقي مباشر، يبحث عن المعلومات والحقائق ويحلل الأوضاع، ويربط بين الخبرة السابقة والمعطيات الجديدة التي وصلته، ويبحث في الافتراضات الخفية، ويقرأ ما بين السطور.
2-التفكير الاستراتيجي: Strategic Thinking
إنه تفكير يبحث في المستقبل و يضع افتراضات، فالمفكر الناقد يتريث في إصدار الأحكام والقرارات ويثير أسئلة عن السيناريوهات المستقبلية، والنتائج المتوقعة من كل سيناريو قبل أن يضع خطته الاستراتيجية.
3-التفكير النظامي: Systematic Thinking
ينظر المفكر الناقد إلى المشكلة نظرة كلية، يبحث في جميع العوامل والعلاقات المتشابكة بين هذه العوامل. فهو ينظر خلف المعطيات الحالية ليرى الصورة الكلية، ويحلل جميع العوامل المؤثرة في الموقف.
4-التفكير الاختراقي: Quantum Thinking
يقوم على فكرة أن هناك حلّاً آخر وحقيقة أخرى، ويتساءل: هل نثق بالحقائق والمسلمات أم نحتاج إلى فحصها وإعادة النظر فيها من جديد؟ ويخترق الحدود المألوفة للمعتقد أو المفهوم أو المعطيات بشكل عام.
5-التفكير العاطفي: Emotional Thinking
هو تفكير لاينساق وراء الأهواء والمشاعر بل يعي المعطيات والمعلومات، ويستند إلى المشاعر الواعية التي تنظم الأولويات وتخلق الحماسة للقيام بالتفكير ويتضمن بعداً انفعالياً، يرتبط بالتعليق المؤقت للأحكام الشخصية والاستمتاع بمعالجة المسائل الغامضة .
أجرى الباحث لافي (2000) دراسة هدفها معرفة المشكلات المعاصرة التي ينبغي تدريسها لطالب المرحلة الثانوية في مادة القراءة، وتتضمن قضايا كالسحر والشعوذة، وقضايا علمية كالتلوث ونقل الدم. وقام الباحث بإعداد قائمة تتضمن عدداً من القضايا المعاصرة التي ينبغي تدريسها.
وقد أظهرت النتائج أن الموضوعات التي درسها الطلاب ذات طبيعة جدلية نقدية حيث ساهمت في استثارة التأمل والتفكير الناقد لهم. ورفع معدل تحصيل الطلاب للموضوعات، وفي تنمية مهارات التفكير الناقد لديهم، وساهم البرنامج في تخفيف الاعتقادات الخرافية وتصويب بعض المفاهيم العلمية الخطأ في قضايا التلوث ونقل الدم .
فإن الخرافة كعائق تلغي التفكير الحر والقدرة على التساؤل والنقد، وتشجع قيم الطاعة والخضوع، وتؤثر على العمليات العقلية المرتبطة بالتفكير الناقد أو الابداعي، حيث تخلق الخرافة فجوة بين من يستخدمها وبين من يستخدم العمليات السابقة.
واخيرا فإن الجزم في المعرفة المسبقة .... دون البحث في مصداقيتها تؤثر في قدرات البحث والاستقصاء وتؤدي إلى القرارات السريعة وتؤثر على القدرات الذهنية ، و من عناصر التفكير غير الفعال أنه يبت في الأمور ويجزم بها بشكل نهائي وحاسم. ، فصاحب التفكير المتصلب غالباً ما يكون إطاره الخاص الذي يحكم به على الموضوعات بطريقة واحدة رغم تغير الظروف والعلاقات .
الكاتبة وفاء عبد الكريم الزاغة