العنوسَة ـ دمشق نموذجاً
سلام مراد
العنوسة حسب تعريف الباحثة أماني مسعود، هي المرأة التي تجاوزت سن الخامسة والثلاثين وهي غير متزوجة ولم يسبق لها الزواج أبداً، واعتماد سن الخامسة والثلاثين تناسباً مع المجتمع الدمشقي الذي اعتمدت في دراستها الميدانية عليه.
ساقت الباحثة مثالاً عن العنوسة عند اليونان، وذلك بالرجوع إلى شعراء اليونان، هو ميروس وهيرودون، وهو أن شواطئ البحر الأسود كان يعيش فيها شعب غريب كله من الإناث وليس فيه أحد من الذكور وهو شعب الأمازون، تحكمه ملكة ويحمي بلاده جيش من النساء يركبن الخيل ويضربن بالسيف ولا تنقطع غاراتهن عن الجيران الأقربين، وهن لا يسمحن لرجل أن يقيم في مملكتهن لكنهن وحفاظاً على بقائهن كنَّ يهاجرن أفواجاً في كل عام ويتصلن برجال الأمم الأخرى ثم يلدن فيقتلن الذكور، وتبقين الإناث على قيد الحياة.
ترى الباحثة أماني مسعود صاحبة كتاب العنوسة دمشق نموذجاً، إن حل ظاهرة العزوبة يكون بفهمها وتحليلها وإزالة أسبابها وليس مجرد الرفض السلبي الصارخ.
عنوسة الفتيات:
إن تأخر زواج الفتيات يؤدي إلى عنوستهن؛ التي أصبحت مشكلة حقيقية في بعض الدول العربية (كسورية والعراق ومصر والسعودية والكويت)
أما وجهة نظر علماء الاجتماع للعنوسة، فهي أنه لا توجد سن محددة للعنوسة، فهي تختلف من منطقة لأخرى فسن العنوسة في سورية تختلف عما هو موجود في السعودية، وضمن البلد الواحد هناك اختلاف بين المدينة والريف.
أسباب تأخر سن الزواج، أو الأسباب المؤدية للعنوسة.
استندت الباحثة أماني مسعود على بحث لنيل درجة الماجستير للباحث جهاد دياب الناقولا وهي دراسة ميدانية بعنوان؛ العوامل المؤثرة في تأخر سن الزواج عند الشباب ومنعكساته.
وكانت الدراسة في أحد أحياء دمشق وهو حي الدويلعة. وبلغ مجموع العينة (328).
وكانت من أهم أسباب تأخر سن الزواج:
1ـ قد يكون هناك علاقة بين ارتفاع تكاليف الزواج وتأخره لدى الشباب.
2ـ قلة فرص العمل يعني "البطالة".
3ـ تدخل الأهل وتأثيره في تأخر سن الزواج.
4ـ يتأخر سن الزواج عند الشباب كلما زادت سنوات التعليم.
5ـ مشكلة تأمين السكن من أهم المشكلات التي تواجه الشباب وتؤدي إلى تأخر سن الزواج.
6ـ هناكَ علاقة بين تأخر سن الزواج عند الفتيات وارتباط ذلك بعمل الفتاة وخاصة عند الموظفات.
نعود إلى تعريف كلمة عنست.
تقال عند البنت البكر أنها عنست، إذا مكثت في بيت أهلها ولم تتزوج ووصلت إلى سن ما فوق الأربعين سنة، وهذا العمر يختلف حسب تقدير المجتمعات.
وكلمة عانس كأنها كلمة تعني إدانة للفتاة.
خصوصاً في المجتمعات العربية التي تنظر إلى عدم زواج الفتاة نظرة ظالمة. فاللوم يوجه إلى الفتاة من قبل المجتمع، من دون الاعتراف بالأسباب؛ مما يجعل الفتاة محط أنظار الفضولية والتساؤلات الكثيرة، وذلك ليس فقط في محيطها الاجتماعي الخارجي بل ومن أقرب الناس إليها.
ـ بعض الحلول لظاهرة العنوسة
تتطرق الباحثة إلى الحلول المتاحة لظاهرة العنوسة فتجعلها بمسارين: المسار الأول الحلول السلبية؛ المسار الثاني الحلول الإيجابية.
1ـ الحلول السلبية:
ـ الزواج المؤقت (المتعي والعرفي):
وهو عقد زواج شرعي يشترط فيه الإيجاب والقبول لمدة معينة ومهر معين دون وجوب إعلانه.
فزواج المتعة وقد وضع تخفيفاً للعُسر والحرج الذي يصيب العزّاب في حياة العزوبية وآفاقها، وهذا العقد لا يحتاج إلى شهود ولا إلى كتاب معقود أمام القاضي ولا ميراث بموجبه بين الرجل والمرأة.
كما أنه لا حقّ للمرأة فيه بالنفقة بعد انقضاء مدته ويسمى (زواج المتعة)
عند بعض الشيعة الجعفرية ويقابله عند السنة (الزواج العرفي)، لكن هذا الزواج بالرغم من كونه يعالج الانحرافات الخلقية والجنسية التي يسببها الكبت، إلا أنه قد جاء لصالح الرجل حصراً، وقد جرد المرأة من أية حقوق تضمن لها عيشاً كريماً في حال انتهى عقد زواجها المؤقت ولم يتقدم أحد للزواج منها بعد ذلك، وبرأي الباحثة "أماني مسعود" إن هذا الاحتمال وارد جداً لأنه في إطار مجتمعنا الشرقي يرفض الشاب فكرة الارتباط بفتاة عاشت قصة حب سابقة ويبحث عن عروس صغيرة.
ـ الحب الحر:
تتوضح ظاهرة الحب الحر في أجواء الطبقات المثقفة والبرجوازية، فالمثقفون شباباً وشابات باتوا يرزحون تحت نير متطلبات الزواج ويتمزقون بين رغبتهم في الاستقرار وعجزهم عنه، فيلجأون إلى الحب الحر انعتاقاً من كل القيود إلا من العواطف الملتهبة، فيرتمون في بحره كتعويض عن شبابهم المتسرب سدى من ثغرات حاضرهم.
أما الطبقة البرجوازية المالكة للمال والقادرة على الارتباط فإنها تتنحى عن فكرة الزواج لأنه يحد من حريتها في البحث عن طيبات الحياة المتوفرة أمام أفرادها، وهكذا نراهم يعيشون بفرط حرية بل وفوضى اجتماعية وخلقية ساعين وراء التقليد السلبي للغرب مكتفين بتبني أمراضه فقط، وهذا الحل فيه دمار للأنثى التي تفقد بسببه عذريتها، أو يضع في أحشائها ثمرة خطيئتها بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية والأمراض الجنسية التي قد تصيب الطرفين.
ـ الحلول الإيجابية
ـ العفة
إن غريزة الزواج تبدأ منذ الولادة، فالفتاة تلعب دور العروس والفتى يلعب دور العريس، وعندما يسير بهما العمر قدماً نحو المراهقة يبدأ قيس يقول الشعر في ليلى وتبدأ ليلى رحلتها مع الأحلام الوردية.
لكن المرء لا يمكنه أن يتزوج حالماً تستيقظ فيه الشهوة، فمشاكل عديدة قد تعرقل ذلك لمدة قد تشمل العمر كله؛ وبرأي الباحثة الحل هو في العفة فالأديان على اختلافها قد نصحت بالتصوف والعبادة كسبيل للخلاص من عذاب الشهوة وآلامها، كما أنها عملية وهي طريقة فضلى لإرضاء الذات بالذات، والوقاية من الأمراض الجنسية والعمل الغير مرغوب به، وهي برأي الباحثة ممتعة بلا شك أكثر من متعة الشهوة.
فالعفة أفضل الحلول وأمثلها وبواسطتها نفك قيداً من قيود ماديتنا لنرتفع درجة في سلم الروح فنزداد إنسانية ومحبة وإحساناً وفرحاً.الكتاب: العنوسة دمشق نموذجاً
الكاتب: أماني مسعود
الناشر: دار التكوين دمشق 2007م