أسئلة الفكر العربي الإسلامي المعاصر
الدكتور جيلالي بوبكرللفكر العربي الإسلامي المعاصر أصول ومصادر أفرزت الوعي التاريخي العربي الإسلامي في مستويات شتى، على امتداد الحقب الزمنية التي شهدها العرب قبل وبعد الإسلام ومنذ القديم حتى الآن، وله مسارات تميّزت بالتعدد والتنوع، وتحددها مناهج تتوزع على الموروث والوافد بدرجات متفاوتة في الانتماء والتمثل وتتباين في المنطلق والطرح والتحليل وفي النتائج والحلول والبدائل التي تتبنّاها وتقدمها، وتجلّت في مواقف واتجاهات ورؤى ومشاريع تباينت في تعاملها مع قضايا ومشكلات وظروف وتحديات العالم المعاصر بشكل عام والعالم العربي الإسلامي بشكل خاص، وهي أوضاع ارتبطت بالحياة المعاصرة عامة في الفكر وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الأخلاق والعقائد وغيرها، ولما كان التفكير في أي موضوع وبأي منهج يبدأ وينطلق من سؤال يُطرح والرغبة في الإجابة، فالفكر العربي الإسلامي يؤطره عدد من الأسئلة بعضها قديم قدم الفكر ذاته وبعضها يخص صلته بالثقافات الأخرى وبعضه يتعلق بالتطورات المعاصرة على المستوى المحلي العربي والإسلامي وعلى مستوى ما درج على تسميته بالعالم الثالث وعلى مستوى العالم ككل، وفي سياق هذه التراكمية والتواتر والتعقيد في المكونات والمنابع والتوجهات والمناهج والمواقف والمشاريع التي يشهد بعضها التكلس والترسب واللافعالية ويعرف بعضها الآخر الدينامكية والنّماء والأصالة والإبداع نجد ثقافة العرب والمسلمين ومجتمعاتهم وحياتهم عامة تعيش على التراث فهو ماضيها وحاضرها ومستقبلها وعصب حياتها من دون منازع على الرغم من أنها تعيش بحداثة الغرب المادية وتتلقف كل منتج من إنتاج هذه الحداثة.
توزعت الثقافة العربية الإسلامية وتفرّقت تياراتها على عدة نماذج أبرزها وأكثرها تأثيرا في الواقع والحياة اليومية وفي نمط التفكير والعيش النموذج التاريخي التراثي وأقلها تأثيرا النموذج اللاتراثي، أما النموذج الثالث فهو التوفيقي جامع بين النموذجين ويمثل المسار الوسطي الذي يسعى إلى التوحيد والجمع المتآلف بين التراث والوافد من منطلق الاستقامة في البناء الحضاري التاريخي مشروطة بالتوازن والاعتدال بين أبعاد الزمان في المكان، بين الحاضر والماضي والمستقبل، وبين أبعاد الفكر، المعنى واللفظ والشيء، وبين الفرد والجماعة، بين كل بديلين أو أكثر يمكن أن يجر أحدها الكل في اتجاه الأحادية والتطرف وإقصاء الآخر، والمغالاة في اتجاه الاستبداد والعنف والانتقام والتناحر، هذه الممارسات المنافية لكل معاني الخير ودلالات البناء الحضاري التاريخي صارت تميز السلوك الرسمي والشعبي وتحدد العلاقات بين الأفراد والجماعات، فانهار البنيان العربي الإسلامي بأيدي أصحابه أولا ثم تداعت عليه أمم أخرى استغلت ضعفه وضياعه، فأصبح مضرب المثل في الفساد الاجتماعي والاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادي والانحلال الأخلاقي والديني والتدهور الفكري والثقافي، ماضيه ممحون وحاضره مفتون ومستقبله غير معلوم.
تشتت الفكر العربي الإسلامي بين القومي والأممي، بين الكلاسيكي والتحديثي، بين الديني والعلماني، بين العلمي والأسطوري، بين الكلي والجزئي، بين الرافض للعولمة والمؤيد لها، بين هذا وذاك مازال الفكر العربي يجتر أسئلة الماضي بطريقة الماضي ويدفع بقوة وعناد في اتجاه الماضي، يطلب العيش في الماضي معترضا على قيم الحداثة والتحديث وعلى مقومات التغريب ودعوة ما بعد الحداثة وعلى ثقافة العولمة ومرارات انعكاساتها في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأخلاق والعقائد وغيرها كثير، لكن مع هذا تصدى الفكر في الواقع العربي الإسلامي المعاصر في فصل منه للراهن متقفّيا تحدياته ومشكلاته وهمومه وما أكثرها في هذا الواقع، تحديات الاجتماع والثقافة والاقتصاد، ومشكلات السياسة والدين والأخلاق، وأزمات الإبداع والتخلف والاستعمار الذي اتخذ أشكالا عدة واستعمل أساليب شتى، وانتهى الفكر في عالمنا العربي والإسلامي الراهن إلى تفجير الثورة بسبب الثروة وغيرها وبغض النظر عن أسبابه ودوافعه وعن وسائله وغاياته فإن أسئلته الراهنة يمكن طرحها كما يلي:*سؤال التحرّر - الاستعمار- التخلّف
لماذا الاستعمار والتخلّف؟. كيف السبيل إلى التحرّر من الاستعمار بكافة أشكاله وتداعياته ومن التخلّف بجميع أسبابه ومظاهره؟*سؤال النهضة- الإصلاح – التقدّم
لماذا تأخر العرب والمسلمون وتقدّم غيرهم؟. كيف يجري الإصلاح ويتحقق التقدّم لدى العرب والمسلمين في عصرنا؟*سؤال التجديد- الإبداع- السلفية والتجديد
لماذا يغيب الإبداع والتجديد في عالمنا العربي المعاصر؟. وهل تجاوز الأزمة يتمّ بالاكتفاء بالموروث القديم أم بالاعتماد على الوافد الجديد أم بالجمع بين الاثنين؟. هل يمكن الجمع بين الاثنين في انسجام وتناغم؟.*سؤال الأصالة والمعاصرة
كيف السبيل إلى الجمع بين التراث العربي الإسلامي من أفكار وقيّم وفنون وعلوم وآداب وأعمال وغيرها كثير مع ما أنتجته الحضارة الحديثة والمعاصرة من أفكار وقيّم وعلوم وتكنولوجيا وغيرها كثير؟.*سؤال الحداثة- قيّم الحداثة
الإنسانية-الحرية – العلمانية – العلمية – النقدية- التحديث - التقانة- التغريب- الديمقراطية – التمدّن - ما بعد الحداثة...الخ.
هل يمكن بناء مجتمع عربي إسلامي معاصر متقدّم ومتطور ومزدهر على قيّم ومبادئ الحداثة الغربية؟.*سؤال الهوية- العروبة والإسلام- علاقة العروبة بالإسلام - القومية العربية - الجامعة الإسلامية
بما تتحدد هويتنا في السياق الجغرافي والتاريخي في العالم؟. كيف السبيل إلى الجمع بين الوحدة والكثرة والثبات والتنوع ثقافة وجغرافيا وتاريخ وأيديولوجيا ولسانا ولون بشرة وجنسا وغير ذلك كثير في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر؟. ما حقيقة العروبة؟ ما صلة الإسلام بالعروبة؟ ما حقيقة القومية العربية لدي منظّريها؟ وهل تتعارض القومية العربية مع الإسلام ومع فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها ولازال الكثير؟.*سؤال العنف والحوار والتسامح والتواصل
لماذا ينتشر العنف بمختلف أشكاله ومظاهره وفي كل مناحي الحياة وفي جميع المؤسسات في المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة؟ كيف السبيل للتخلّص من العنف؟. لماذا لم تشع ثقافة الحوار والتسامح بين العرب والمسلمين أفراد وجماعات دينية وطائفية وعرقية وجهوية وغيرها كثير؟ وكيف يتمّ التخلّص من كل ما يعيق فعل الحوار ونزعة التسامح؟. كيف السبيل إلى تحقيق تواصل إيجابي مؤسس على قبول الآخر ندّا وشريكا بنّاء في الحياة لا عائقا هدّاما يجب إقصاؤه بل استئصاله؟.*سؤال الأنا والآخر- الاستغراب- نظرة المفكر العربي إلى الآخر...الخ
كيف السبيل إلى الجمع بين الأنا والآخر في منظور قائم على التكامل والندّية لا التعارض والدونية؟. كيف يتحول الأنا إلى منظار دقيق يكشف حقيقة الآخر ضعفا وقوّة وينطلق في النهوض والتقدم؟. إلى متى يبقى الأنا يعيش عالة على الآخر عملا وإبداعا وإنتاجا وحضارة؟. إلى متى يفيق الأنا ويقطع مسافة قرون التأخر ما يعادل سنة ضوئية ويلحق بالركب الحضاري؟.*سؤال العولمة - العولمة من منظور الفكر العربي المعاصر
لماذا انقسم الفكر العربي المعاصر إلى ثلاثة رؤى رؤية مؤيدة للعولمة ورؤية معارضة لها ورؤية في الوسط تؤيد بعض العولمة وتعارض بعضها الآخر؟ كيف السبيل للفكر العربي المعاصر إلى بناء تصور دقيق منطقي عن العولمة؟ كيف يتفاعل الفكر العربي المعاصر إيجابيا مع العولمة باعتبارها أكبر تحدّ يواجه الإنسان في العالم العربي والإسلامي المعاصر في كافة مناحي حياته؟.*سؤال الثورة
لماذا ثارت العديد من الشعوب العربية المعاصرة على حكامها وفي وجه أنظمة الحكم؟ لماذا تتصف الشعوب العربية المعاصرة وأنظمة الحكم في البلاد العربية الحالية بالفساد والاستبداد؟ كيف السبيل إلى نظام ديمقراطي ناجح وعيا وممارسة في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر؟ هل الحراك الثوري الراهن في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر إنتاج ذاتي محلي أم إنتاج دخيل مغرض؟ ما مآل الحراك الثوري في عالمنا العربي الإسلامي المعاصر؟.*سؤال المستقبل
كيف السبيل إلى استشراف مستقبل العالم العربي والإسلامي في ضوء التحدّيات الراهنة والتطورات التي شاهدتها وتشهدها الساحة الدولية عامة والعربية الإسلامية سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا؟. أي كيف يبني العرب والمسلمين في عصرنا علم المستقبليات لديهم؟ وهل يمكن إنتاج علم مستقبل العرب والمسلمين؟.*سؤال الأسئلة
في خضم السياق التاريخي المعاصر الذي يعجّ بالتطورات في العلم والتكنولوجيا وفي السياسة والاقتصاد والثقافة وفي غيرها كيف يمكن تشخيص المشكلات وطرحها ومعالجتها وفق نسق يستفيد معرفيا ومنهجيا وموضوعيا ومنطقيا من الموروث والوافد بعيدا عن الأحادية والتلفيق وينتهي إلى نظرية دقيقة حول التراث والعصر والمستقبل؟.أمام هذه الأسئلة وغيرها مما يطرحه العصر من طرف الأنا أو من طرف الآخر أو منهما معا، أو ما ينتج عن علاقة الأنا بالآخر أو ما يطرحه في مستويات الأنا خاصة بالنسبة لماضيه وتراثه، مازال الفكر تخنقه أزمة الحرية والتحرر وأزمة الإبداع التي تجاوزها الآخر وطالما عانت منها الشعوب والأمم عبر التاريخ، ويبقى أخر سؤال طرحه ويطرحه الفكر العربي الراهن سؤال الثورة، هل الثورات الراهنة عمل إبداعي سياسي واجتماعي وثقافي أم أنّها مجرد حراك اجتماعي غير قادر على قلب الأوضاع على نمط الثورات الكلاسيكية، ما دامت الثورة الراهنة غير مؤطرة فكريا وسياسيا، أم أن التأطير السياسي والحزبي والفكري تجاوزه الزمن ولم يُعول عليه في إحداث التغيير، خاصة بعد تطور وسائل وأساليب التواصل الاجتماعي ومن ورائها تطور تقنيات الإعلام والاتصال والإشهار والاستثمار في هذه التقنيات، التطور الذي أحدث قفزة في اتجاه التعارف والتعاون والتكتل والوحدة، وحدة المبدأ والمنهج والمصير.
سؤال الثورة زاد في توسيع مجالات البحث والتحليل والنقد والاستنتاج في الفكر العربي المعاصر، لكن عوّدنا الفكر في عالمنا العربي المعاصر على الجعجعة من غير طحين وعلى مقولة "تمخّض الفيل فأنجب فأرا"، فمنذ بداية العصر الحديث إلى اليوم مازال يطرح سؤال النهضة وسؤال التحرر وسؤال التمدن وغيرها، وهي أسئلة لم يعد لها مكان في فكر الآخر، وتبقى كل الأسئلة التي طرحها ويطرحها الفكر العربي المعاصر المتصلة بالسياق الراهن، من حيث الطرح والتحليل والنقد والتركيب ومن حيث آليات ومناهج التفكير والدراسة والبحث يتوقف النجاح في ذلك على النسق الذي يشكل فكرنا العربي المعاصر في ارتباطه بالمورث العربي والعجمي وبالوافد وما يحويه من طرق وأدوات في التفكير ومناهج وأساليب في البحث والدراسة.
مازال يبادر فكرنا العربي المعاصر في مساعيه إلى الطرح والتحليل والنقد فيما يحدث من تغيرات وتطورات حاصلة في الواقع الراهن العالمي والعربي الإسلامي، لكنه عاجز كل العجز عن الوصول إلى نظرية علمية في تفسير الواقع، وإلى تقديم قراءة معاصرة للموروث الثقافي والحضاري العربي الإسلامي تجمع وتوحد بين الماضي والحاضر والمستقبل في توازن يسمح بالممارسة الحضارية ويُسهّل إنتاج الحراك التاريخي الإبداعي، وعاجز عن الوصول إلى بناء علاقة محكمة تقوم على أساس الندّية والاحترام المتبادل بين الأنا والآخر، عنده إما الانطواء والعزلة أو الانصهار ونكران الذات، ففي إطار أسئلة الأبعاد التاريخية يبقى دوما سؤال العجز وسؤال القطيعة بين النظر والعمل في الفكر والسلوك مطروحا، وعود على بدء لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟.